كريتر نت – متابعات
يبقي الغرب على المسار الدبلوماسي كأولوية مطلقة لوقف الحرب في أوكرانيا بموازاة دعمه العسكري اللامحدود لحليفته كييف. ويقول مراقبون إن تكافؤ قوة الردع وصعوبة الحسم العسكري للطرفين سيدفعهما في نهاية المطاف للتفاوض على السلام.
ويعكس تمسّك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بموقفه بشأن منح روسيا “ضمانات” أمنية إذا جرت مفاوضات سلام في نهاية الحرب في أوكرانيا، أن الغرب لا يزال يراهن على حل سلمي لوقف الحرب رغم دعمه العسكري اللامحدود لحليفته كييف ضد روسيا. وانتقد بعض قادة دول أوروبا الشرقية ماكرون أكثر من مرة، معتبرين أنّ له انتظارات مبالغا فيها من موسكو بخصوص تسوية مستقبلية للنزاع.
وقال ماكرون في مقابلة بثّت مساء الثلاثاء إنّ “يوم السلام يتطلب محادثات. أولا وقبل كل شيء بشأن الضمانات لأوكرانيا، لسلامة أراضيها وأمنها على المدى الطويل، ولكن أيضا لروسيا، باعتبار أنها ستكون طرفا في معاهدة هدنة وسلام”. وأضاف الرئيس الفرنسي “من يلُمني على التفكير في مثل هذا الموضوع فليشرح لي ما الذي يقترحه”.
وحذّر ماكرون من أنّ “ما يقترحه أولئك الذين يرفضون الإعداد لهذا الأمر والعمل عليه، هو الحرب الشاملة التي ستشمل القارّة بأكملها”، مؤكّدا رفضه لهذا الخيار. وواجه ماكرون في مطلع ديسمبر انتقادات من أوكرانيا وبعض دول أوروبا الشرقية حيث اتّهمته بعض الأصوات بالانفتاح المبالغ فيه على موسكو.
وقال يومها الأمين العام لمجلس الأمن القومي الأوكراني أوليكسيتش دانيلوف على تويتر “هل هناك من يريد توفير ضمانات أمنية لدولة إرهابية وقاتلة؟”. كما تعرّض الرئيس الفرنسي لانتقادات مبطّنة من مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل. وقال بوريل في حينه إنّ المَخرج من النزاع الأوكراني يكون من خلال تقديم “ضمانات أمنية لأوكرانيا”، مضيفا أنه “بالنسبة إلى روسيا، سنتحدث عنها لاحقا”.
لكنّ الرئيس الفرنسي أكّد في مقابلته التلفزيونية أنّ نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لم يعبّر له قطّ عن انزعاجه أو انزعاج وزرائه من تصريحاته، وأردف “لا يبرم طرف واحد معاهدة سلام بمفرده” و”السلام الدائم يشمل جلوس الجهات المعنيّة، وبالتالي روسيا، حول الطاولة”.
وتتطابق تصريحات ماكرون في حقيقة الأمر مع عدد من القادة العسكريين الأميركيين وحتى المؤثرين في صناعة القرار في واشنطن الذين يرون أنه لا سبيل لإيقاف الحرب في أوكرانيا سوى المفاوضات وعلى واشنطن أن تدفع في اتجاه ذلك. ومع دخول الحرب الروسية – الأوكرانية شهرها السابع دون حسم عسكري، بدأت الأصوات الداعية للتفاوض تتعالى من قبل حلفاء أوكرانيا الغربيين، بينما لا تمانع روسيا أيضا الدخول في محادثات سلام مع أوكرانيا دون شروط مسبقة.
وتدعو الولايات المتحدة أوكرانيا بشكل متزايد إلى الانفتاح على محادثات سلام مع روسيا، بينما أكد مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنه سيكون من الصعب على قوات كييف استعادة الأراضي التي استولت عليها موسكو في الحرب. وأشار رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال مارك ميلي إلى أن الدعم الأميركي لم يتضاءل، لكنه قال إن كييف كانت في وضع جيد لبدء محادثات سلام، إذ تمكن جنودها من الوقوف في وجه روسيا.
وأوضح أن الروس يعززون الآن سيطرتهم على 20 في المئة من الأراضي الأوكرانية وأن الخطوط الأمامية من مدينة خاركيف إلى مدينة خيرسون تشهد استقرارا.
ورأى ميلي أن “احتمال تحقيق نصر عسكري أوكراني، يقوم على طرد الروس من جميع أنحاء أوكرانيا، بما في ذلك من شبه جزيرة القرم، واحتمال حدوث ذلك قريبا ليس كبيرا، من الناحية العسكرية”. وأضاف “يمكن أن يكون هناك حل سياسي حيث ينسحب الروس سياسيا، هذا أمر ممكن”. وأكد البيت الأبيض أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي هو وحده المخول الموافقة على فتح مفاوضات سلام بين أوكرانيا وروسيا.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي للصحافيين “قلنا أيضا إن الأمر متروك للرئيس زيلينسكي ليقول ما إذا كان مستعدا للمفاوضات ومتى وما الشكل الذي ستتخذه تلك المفاوضات”. وأضاف “لا أحد في الولايات المتحدة يشجعه أو يصر عليه أو يدفعه إلى طاولة المفاوضات”.
ويقول تشارلز كوبشان الأستاذ في جامعة جورج تاون الأميركية، إن إدارة جو بايدن ربما تحاول التأكد من أن الباب لا يزال مفتوحا للمفاوضات، وأن ميلي هو ببساطة “أكثر تطلعا نحو المستقبل”. وأضاف “لا أعتقد أن هذا سابق لأوانه. أعتقد أنه من الحكمة أن على الروس والأوكرانيين الإبقاء على إمكانية وجود قناة دبلوماسية”.
والأربعاء توجه الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى الولايات المتحدة للاجتماع بالرئيس الأميركي بايدن وإلقاء كلمة أمام الكونغرس والسعي للحصول على المزيد من الأسلحة، في أول رحلة خارجية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ قبل 300 يوم.
وقال زيلينسكي إن الزيارة هدفها تعزيز “قدرات أوكرانيا على الصمود والدفاع” في ظل هجمات روسية متكررة على إمدادات الطاقة والمياه في الشتاء القارس. وقال مسؤولون محليون إن أوكرانيا أعلنت زوال الخطر الأربعاء بعد أن دوت صافرات الإنذار من غارات جوية في أنحاء أوكرانيا، لكن لم ترد أنباء حتى الآن عن موجة جديدة من الهجمات الروسية.
◙ الزيارة هدفها تعزيز “قدرات أوكرانيا على الصمود والدفاع” في ظل هجمات روسية متكررة على إمدادات الطاقة والمياه
وقال المستشار السياسي للرئاسة ميخائيلو بودولياك إن زيارة زيلينسكي للولايات المتحدة تظهر درجة عالية من الثقة بين البلدين وتتيح الفرصة لتوضيح نوع الأسلحة التي تحتاجها كييف. وأضاف بودولياك لرويترز “هذا يضع نهاية لمحاولات الجانب الروسي.. لإثبات وجود فتور متزايد مزعوم في علاقاتنا الثنائية”. وأضاف “هذا بالطبع، لا يمت للواقع بصلة. الولايات المتحدة تدعم أوكرانيا بشكل لا لبس فيه”.
وقال مسؤول أميركي كبير إن بايدن سيعلن خلال الزيارة عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة بما يقارب ملياري دولار ستشمل بطاريات صواريخ باتريوت لمساعدة كييف في الدفاع عن نفسها في مواجهة الصواريخ الروسية. وقال بودولياك “أسلحة وأسلحة والمزيد من الأسلحة. من المهم أن نشرح بشكل شخصي سبب حاجتنا لأنواع معينة من الأسلحة. على وجه الخصوص، المركبات المدرعة، وأحدث أنظمة الدفاع الصاروخية والصواريخ بعيدة المدى”.
وسيجري الرئيس الأوكراني محادثات مع بايدن وكبار مستشاري الأمن القومي في البيت الأبيض. وغزت روسيا أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير بهدف الاستيلاء على كييف في غضون أيام، وهو هدف سرعان ما تبين أنه بعيد المنال. وقُتل الآلاف من الجنود والمدنيين منذ ذلك الحين، وأُجبر الملايين على الفرار من منازلهم وتحولت مدن بأكملها إلى أنقاض.