محمد بصيلة
فيما بدأ العام 2022 يلملم أوراقه، مُني تنظيم الإخوان الإرهابي بخسائر أعادته عقودا للخلف، بعد أن تمكّن الصراع على إرث حسن البنا من مفاصله.
فالتنظيم، الذي أسس بنيانه قبل 94 عامًا، بدأ العام 2022 بجهتين إحداهما في إسطنبول والأخرى في لندن تتصارعان على قيادة التنظيم، إلا أنه انتهى به الحال في نهاية العام إلى 5 أجنحة بينها ثلاث جبهات متصارعة، تدعي كل منها أنها الوريث الشرعي، والحارس الأمين لفكر المؤسس حسن البنا، وحامي عقيدة وأيديولوجية الإخوان في العالم.
فبعدما كانت الجماعة تعاني من انقسامها لجبهتي لندن وإسطنبول؛ جاء مؤتمر جبهة “الكماليون” أو المكتب العام ليعلن عن ولادة فريق ثالث يعمق من أزمة “الإخوان”، ويضاف إلى الجبهات المتصارعة جناحان آخران هما المتربصون، وهم عناصر التنظيم الحائرة بين الفصائل المتصارعة، بالإضافة إلى شباب السجون.
فماذا حدث؟
ببيان “ليسوا منا ولسنا منهم”، أعلنت جبهة لندن بقيادة نائب المرشد الراحل إبراهيم منير في 29 يناير/كانون الثاني 2022، عزل القائم بعمل مرشد الجماعة مصطفى طلبة، والذي عينته جبهة إسطنبول في 18 ديسمبر/كانون الأول 2021، بعد أن قررت عزل منير رسميًا وتشكيل لجنة للقيام بمهام القائم بعمل مرشد الجماعة.
وأكدت جبهة منير، في بيان صدر عنها، عدم اعترافها بقرارات جبهة إسطنبول، أو ما يسمى “مجلس الشورى العام”، مشيرة إلى أن إبراهيم منير (الراحل) صاحب الشرعية الوحيدة، وأن ما حدث من جبهة إسطنبول هو شق للصف وتعد على الشرعية، يستوجب المحاسبة.
وزادت جبهة منير في شططها، معتبرة أن كل من شارك في هذه اللجنة قد اختار لنفسه الخروج عن الجماعة، بمخالفته لوائحها وأدبياتها، داعية الجميع للعمل تحت القيادة الشرعية لنائب المرشد والقائم بالأعمال ممثلا في إبراهيم منير.
تحديات وانقسامات
أشهر خلت، زاد فيها الانقسام بين جبهتي إسطنبول ولندن، وفشلت فيها كل محاولات الصلح بينهما، حتى أعلنت جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين في 11 يوليو/تموز 2022، مد فترة عمل الدكتور مصطفى طلبة القائم بعمل المرشد لمدة 6 أشهر أخرى، بعد أن انتهت في يونيو/حزيران 2022، في قرار اعتبرته جبهة لندن تحديًا لها.
إلا أنه بعد أيام من قرار جبهة إسطنبول، وتحديدًا في 16 يوليو/تموز 2022، صعدت الجبهة نفسها من “حربها” على منافستها في لندن، وقررت فصل إبراهيم منير، وكذلك قيادات بجبهته نهائيا من الجماعة.
وفي بيان رسمي صدر عنها، قالت جبهة إسطنبول، إن مجلس الشورى العام اتخذ عدة قرارات؛ منها إعفاء إبراهيم منير من تنظيم الإخوان، وفصل محيي الزايط ومسعد الزيني ونجيب الظريف، ومحمد عبدالمعطي الجزار، وأحمد شوشة وأسامة سليمان وحلمي الجزار وعبد الله النحاس ومحمد البحيري ومحمد الدسوقي ومحمد جمال حشمت ومحمد طاهر نمير ومحمود الإبياري.
كما قررت مد تكليف اللجنة القائمة بعمل المرشد العام، وعدم الاعتراف أو اعتماد أي كيان أو تشكيل لا يلتزم بقرارات مجلس الشورى العام بصفته المؤسسة الأعلى بالجماعة، وتكليف مكتب الرابطة باتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط العمل المؤسسي بفروع الخارج وفقا لقرار اللجنة القائمة بعمل المرشد.
قرارات وصفت بـ”الثورية” ردت عليها جبهة لندن بعدها بأيام، وتحديدًا في 19 يوليو/تموز 2022، معلنة تشكيل مجلس شورى جديد للتنظيم وتصعيد عدد من الشخصيات ليكونوا أعضاء بمجلس الشورى، من المقيمين في إسطنبول ومصر، ودول أخرى.
وفي قرارات لم تكن أقل وطأة من تلك التي اتخذتها جبهة إسطنبول، أعلنت جبهة لندن، اختيار نائبين لإبراهيم منير، وتشكيل مجلس شورى جديد للجماعة، وإعفاء أعضاء الشورى الستة من جبهة إسطنبول، بينهم محمود حسين.
اتهامات متبادلة
قرارات هنا وهناك، سبقتها اتهامات بين الجبهتين، بمسؤولية كل منهما عن تسليم عناصر الجماعة الموجودين في السودان لمصر، أبرزهم حسام سلام مؤسس حركة حسم، وعبدالبديع أحمد محمود المحكوم عليه بالإعدام غيابيا في مصر لإدانته بمحاولة تفجير قرب قناة السويس، وعصام عبدالمجيد دياب سيد، ومحمد إبراهيم وأبنائه.
وبعد قرابة شهرين من ذلك التصعيد والاتهامات المتبادلة، كانت جبهة إسطنبول على موعد مع قرار لمنافستها جبهة منير، والتي أعلنت فيه يوم 10 أغسطس/آب 2022، تشكيل هيئة عليا تكون بديلة لمكتب الإرشاد التابع لجبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين.
في الوقت نفسه، كشفت مصادر عن فشل مبادرات للصلح بين الجبهتين المتناحرتين، بسبب تمسك كل منهما بتنحية الأخرى جانبًا، كونها ترى في نفسها الوريث الشرعي لإرث حسن البنا.
إلا أن زلزالا ضرب تنظيم الإخوان الإرهابي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد عدة أحداث زلزلت كيانه؛ بدأت بإصدار جبهة لندن في 15 أكتوبر/تشرين الأول، وثيقة سياسية أعلنت فيها انسحابها من أي صراع على السلطة في مصر، محددة خططها للمرحلة القادمة.
وفي بيانها، قالت جبهة لندن، “إن لديها 3 أولويات سياسية في المرحلة القادمة، تتمثل في إنهاء ملف المعتقلين، وتحقيق المصالحة، وبناء شراكة وطنية”.
ورغم ذلك البيان، إلا أن تطورًا جديدًا على طريق تشرذم تنظيم الإخوان، شق طريقه للعلن؛ فللمرة الأولى، أعلن التيار الثالث (تيار الكماليون) ظهوره تحت اسم “تيار التغيير”، رافعًا شعار تنفيذ تعاليم حسن البنا وسيد قطب .
محطات مهمة
إلا أنه بعد يومين من ذلك الإعلان، مني تنظيم الإخوان في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2022، بضربة “قاصمة”، تمثلت في قرار لمحكمة جنايات القاهرة، بإدراج تنظيم الإخوان المسلمين على قوائم الكيانات الإرهابية لمدة 5 سنوات، بعد حكمين آخرين كانت قد أصدرتهما محكمة الجنايات في أبريل/نيسان 2018 وأبريل/نيسان 2022، ويقضيان بإدراج 1527 شخصاً وقيادياً في جماعة الإخوان على قوائم الكيانات الإرهابية.
ضربات متتالية حاول تنظيم الإخوان الإرهابي الالتفاف عليها، بالدعوة لاحتجاجات في مصر في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بالتزامن مع مؤتمر المناخ، مستغلا الأزمات الاقتصادية التي تمر بها مصر، للتشكيك في قيادة البلاد.
ولتسهيل مهمته، أطلق تنظيم الإخوان في 22 و23 أكتوبر/تشرين الأول 2022، فضائيتين جديدتين، خصصتهما لدعوات للمظاهرات ضد الحكومة المصرية، والتي كانت مقررة يوم الجمعة 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
إحدى هاتين القناتين كانت تسمى “حراك 11-11” والتي كان يقف خلفها “تيار التغيير”، إلا أنها ولدت ميتة، خاصة بعد أن تأجل بثها عدة مرات، حتى ألغيت الفكرة.
والأخرى كانت قناة “الشعوب”، والتي ما زالت تبث سمومها، أطلقتها جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين، واتخذت من العاصمة البريطانية لندن مقرًا لها، ومن مصر هدفًا لمهاجمتها.
وفاة منير
وبعد هذه الأحداث، استفاق تنظيم الإخوان، على وفاة نائب المرشد العام لجماعة الإخوان والقائم بأعماله إبراهيم منير، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عن عمر ناهز 85 عاما، في العاصمة البريطانية لندن، لتدخل الجماعة بجبهتيها مرحلة جديدة من تكسير العظام.
وبعد ساعات قليلة من إعلان وفاة إبراهيم منير، قررت جبهة لندن، إحدى الجبهات المتصارعة على قيادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، تعيين محيي الدين الزايط خلفاً له، حتى الإعلان عمن سيقوم بعمل القائم بأعمال المرشد.
وبعد أن تحطمت صخرة الإخوان على إرادة المصريين للمرة الثانية، بعد أن فشلت الدعوات لاحتجاجات 11- 11، قررت جبهة إسطنبول، في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تعيين محمود حسين قائماً بعمل المرشد خلفاً لإبراهيم منير، في قرار “عمق” الانشقاقات داخل التنظيم الإرهابي، وألقى بحجر في مياه الصراعات بين الجبهتين.
واستندت جبهة إسطنبول في قرارها، على المادة الخامسة من اللائحة العامة للجماعة، التي تنص على أنه “في حال حدوث موانع قهرية تحول دون مباشرة المرشد لمهامه يحل محله نائبه الأول ثم الأقدم فالأقدم من النواب، ثم الأكبر فالأكبر من أعضاء مكتب الإرشاد”.
تأكيد المؤكد
وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أصدرت جبهة إسطنبول” بيانا حاولت فيه التأكيد على استحقاق محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة، لمنصب قائم بأعمال المرشد العام، استنادًا إلى ما أشارت إليه أنه “المادة الخامسة من اللائحة”.
حاولت الجبهة في البيان الذي عنوانه: “وضوح رؤية حول مستجدات الأحداث” دغدغة عواطف الإخوان في كل مكان، والظهور بمظهر القيادة الحكيمة المستحقة للمنصب والقادرة على لم الشمل وتحميل جبهة لندن المنافسة التي كان يقودها الراحل إبراهيم منير، مسؤولية الانشقاق والصراع وما ترتب عليه من اضطراب تنظيمي غير مسبوق.
وحمل البيان بحسب مراقبين للشأن الإخواني، العديد من الاتهامات لعناصر “جبهة لندن” منها تعمد عرقلة خطوات الإصلاح ولم الشمل، والمماطلة والتسويف في الرد، وخلف الوعد، وأخيرًا الإصرار على شق الصف.
المصدر “العين” الإخبارية