كريتر نت – متابعات
بسيوف وصلبان مسننة، ولباس أسود موحد، وعلى وقع التراتيل الدينية والصلوات، شبان يطلقون على أنفسهم مسمى “جنود الرب” يخرجون على اللبنانيين بتحركات منظمة في شوارع منطقة الأشرفية في بيروت.
وأثار هذا قلقا كبيرا وجدلا لا حدود له في البلاد المنقسمة على نفسها سياسيا وطائفيا، تاركين أسئلة مفتوحة حول هويتهم وميولهم وأفكارهم ومعتقداتهم وأهدافهم والجهات الداعمة لهم، فيما الأجوبة عنهم ضئيلة جدا، ما زاد من حالة الغموض والارتياب العام.
ولا يحب هؤلاء الشبان الظهور الإعلامي ولكن حضورهم قوي نسبيا على مواقع التواصل الاجتماعي.
لا ينطقون إلا بكلام من “الكتاب المقدس” (الإنجيل)، فلا يناقشون في السياسة، ولا يرضون “بالحسابات الأرضية” للأمور، وفق ما يصفونها، إنما يصبون جل اهتمامهم وحديثهم على “العالم الروحاني” الذي يعيشون فيه، تنفيذا “لتعاليم الرب” التي “يبشرون بها” على حد تعبيرهم.
وعادوا إلى الواجهة خلال الأيام الماضية في لبنان، بعد خلاف وقع في ساحة ساسين بمنطقة الأشرفية بين مجموعة شبان من خارج المنطقة ذات الأغلبية المسيحية، وصلت على دراجات نارية ترفع أعلام المغرب والأعلام الفلسطينية والسورية، احتفالاً بفوز منتخب المغرب وتأهله إلى الدور نصف النهائي من كأس العالم.
وما لبث أن تحول الاحتفال إلى إطلاق شعارات دينية ومذهبية ذات طابع إسلامي أثارت استفزاز بعض الشبان المسيحيين في المنطقة، ما أدى إلى وقوع تضارب وخلاف كبير، تسلطت خلاله الأضواء على “جنود الرب” بعد تدخل عناصر منهم، قبل أن تفرق القوى الأمنية والعسكرية المتقاتلين.
◙ الكلام يدور عن مهمات أمن ذاتي وحراسة تقوم بها المجموعة وتظهر مقاطع مصورة لها في دوريات تسيّرها ضمن أحياء الأشرفية
وانتشرت بعدها على مواقع التواصل الاجتماعي التحذيرات من “جنود الرب” ومن سلوك أفرادها، حيث تلقوا اتهامات عدة بالتطرف والمغالاة، وتنفيذ أجندات مشبوهة، وبكونهم شرارة من شأنها تفجير حرب أهلية في لبنان.
وعبّر الكثير من اللبنانيين عن مخاوفهم من ظهور هذه الجماعات التي تدعي أنها “مرسلة من الرب”، وتقوم بأنشطة حماية وأمن ذاتي بشعارات ولباس موحد، لاسيما وأن للبنانيين تجربة مع من سبقهم إلى ذلك، كحالة حزب الله الشيعي مثلاً، فحملت التسمية التي اختاروها لأنفسهم (جنود الرب) أبعادا أوحت بندّية معنوية لفكرة حزب الله، مطلوب تظهيرها في المقابل على الساحة المسيحية في لبنان.
وفي الوقت ذاته، قلل آخرون من خطر هذه المجموعة واعتبروا أنها ظاهرة طبيعية في بلد تتحلل فيه مظاهر وجود الدولة ويتراجع أداء السلطات الأمنية، حيث ستأخذ مجموعات محلية المبادرة لحماية مناطقها والتعبير عن وجودها كحاجة في الفترة الحالية، لاسيما فيما يخص الأمن الذاتي وحماية المناطق.
كما دافع قسم من رواد مواقع التواصل عن “جنود الرب” معتبرين أنهم “شباب مسيحيون مؤمنون ينفذون تعاليمهم الدينية ويدافعون عن مناطقهم”، رافضين فكرة شيطنتهم.
وعلى الرغم من محاولة إلباسهم ثوب المواجهة المناطقية والطائفية وإعطاء وجودهم ونشاطاتهم أبعادا سياسية، إلا أن أبرز مواجهات “جنود الرب” لم تكن انطلاقا من ذلك، وإنما جاء بروزهم على حساب قضية المثليين جنسيا في لبنان، خاصة وأن ظهورهم الأول عام 2019 ارتبط بمعارضة إقامة حفل موسيقي لفرقة “مشروع ليلى”، التي تضم بين أفرادها مثليين جنسيا والمعروفة بمناصرتها لحقوق المثليين.
ثم بلغوا أوج تعبيرهم عن تواجدهم في شهر يونيو من هذا العام بتحطيم أفراد المجموعة إعلانا من الزهور الملونة المنسقة وفقا لألوان قوس قزح، الذي يعتبر رمزا لمجتمع “ميم عين”.
وانتشرت حينها مقاطع مصورة لشباب ملتحين يلبسون اللون الأسود وعلى ثيابهم شعار “جنود الرب”، يمارسون الترهيب ويتوعدون ويهددون “المروجين للمثلية الجنسية” ويتعهدون بمنعهم من التعبير عن تواجدهم ورفع شعاراتهم في منطقة الأشرفية، أو “أرض الرب” كما وصفوها.
وتردد اسمهم مجددا في اعتداء آخر طال عملا فنيا معروضا في ساحة ساسين في أكتوبر الماضي يهدف إلى دعم مرضى سرطان الثدي، حيث جرى تحطيم مجسمات عرض ملابس للفنانة ميرنا معلوف لكون بعضها يحمل ألوان قوس قزح، فيما فُهم المعرض على أنه “ترويج للعري والمثلية”، لينتهي الأمر بتحطيمه هو الآخر، قبل أن يتوضح سوء الفهم للمعرض وتعاد المجسمات إلى الساحة.
◙ مراقبون يقللون من خطر هذه المجموعة ويعتبرونها ظاهرة طبيعية في بلد تغيب فيه الدولة ويتراجع فيه أداء السلطات الأمنية
وسبق لتقارير إعلامية أن تحدثت عن دور لهم في المواجهات الطائفية التي شهدتها منطقة الطيونة في أكتوبر 2021، حيث اتهمتهم بممارسة دور تحريضي قبل ليلة من الواقعة في شوارع المناطق ذات الأغلبية المسيحية، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى انتشار لهم في شوارع الأشرفية وعين الرمانة خلال الأحداث.
كما يدور كلام عن مهمات أمن ذاتي وحراسة يقومون بها ضمن نطاق منطقة الأشرفية، وتظهر مقاطع مصورة لهم في دوريات يسيّرونها ضمن أحياء الأشرفية، فيما يقدمون أنفسهم كمدافعين عن المنطقة في وجه “الغرباء” والتهديدات الأخرى “كالأفكار الشيطانية” والمخدرات والسرقات، وهو ما بات يمنحهم قبولا شعبيا متناميا نتيجة للواقع الأمني المتهالك وتراجع حضور السلطات الرسمية وأجهزتها بفعل الانهيار الحاصل على مستويات عدة في لبنان.
ويربط البعض ما بين “جنود الرب” وحزب القوات اللبنانية بكون العديد من الوجوه البارزة ضمن المجموعة يدورون في فلك الحزب، ويجاهرون بذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما يبدو واضحا تأثر أفراد المجموعة بالتجربة العسكرية للقوات اللبنانية إبان الحرب الأهلية، من خلال المقاطع التي يبثونها عبر منصاتهم، ومعظمها تتضمن صورا من أرشيف الحرب الأهلية.
وينفي النائب عن منطقة الأشرفية، المنتمي إلى تكتل حزب القوات اللبنانية، غسان حاصباني أن تكون هناك أي علاقة لحزب القوات بهذه المجموعة، مضيفا أن “أشخاصا هم من ينشرون صورا لهذه المجموعات مع أعلام القوات، وقد يكون من بينهم متأثرون بالمرحلة الماضية للقوات اللبنانية إبان الحرب ويعيشون في تلك الذكريات ولا زالوا متحمسين، ولكن هذا لا يعني أن القوات نفسها اليوم في هذا الصدد”.
وينبه من أن محاولات تصويرهم وكأن لهم علاقة بالقوات اللبنانية، خاصة من ناحية خصوم القوات، يراد منها القول إن هناك نوعا من الأمن الذاتي يظهر في منطقة الأشرفية لتبرير الأمن الذاتي القائم في مناطقهم.