أحمد حافظ
انتهى المونديال في قطر ولم ينته الجدل الرياضي في مصر، وأصبحت كل فئة تعطي تفسيرات مختلفة حول أسباب إخفاق مصر في الصعود إلى المونديال، لكن الأغلبية اتفقت على أن استمرار العقم الإداري والعشوائية في المجال الكروي هي الأمور التي كرست الفشل في تحقيق أي خطوة من شأنها بلوغ هذا الحلم أو حتى المنافسة على بطولة قارية.
والمتابع عن قُرب لما يجري من سجال وتبادل للاتهامات بين القائمين على المنظومة الرياضية في مصر والقواعد الجماهيرية المؤثرة يكتشف إلى أيّ درجة وصل الغضب من رؤوس المنظومة والمطالبة بمحاسبتهم جراء ما آلت إليه الأوضاع الكروية من مآس وإخفاقات، في حين أن دولا أفريقية وعربية وصلت إلى المونديال بإمكانيات أقل.
استقبل جمهور الكرة في مصر حديث كارلوس كيروش المدير الفني السابق للمنتخب المصري عن عدم صرف باقي مستحقاته، رغم رحيله منذ حوالي عام، باستياء بالغ بالتزامن مع الغضب المرتبط بتهاوي المنظومة الرياضية بعدما قام كيروش بفضح اتحاد الكرة المصري عبر حسابه الرسمي على تويتر مطالبا بما تبقى له من مستحقات مالية قبل أن يقوم بتصعيد الأمر إلى الاتحاد الدولي لكرة القديم (فيفا)، في موقف يعكس إلى أي درجة وصل التخبط الإداري لملف كرة القدم المصرية.
فالمعضلة الحقيقية أن مسؤولين باتحاد الكرة في مصر لا يعترفون بأن المدير الفني السابق للمنتخب له مستحقات، في حين خرج عامر حسين عضو الاتحاد بتصريحات إعلامية مخاطبا كيروش أن يرسل قائمة بمستحقاته المالية لصرفها على الفور، ما يوحي بأن القائمين على إدارة الكرة لا يتأكدون من الحقيقة، وهي الأزمة التي أثارت سخرية الفئة التي تتشوق لإدارة ملف الرياضة بشكل احترافي.
تبادل الاتهامات
أزمة منتخب مصر في إدارته بالمواءمات خشية الصدام مع الأندية الجماهيرية، وهي إشكالية مع وجود مدير فني أجنبي
يكتفي نقاد ونجوم التحليل في الإعلام بتبادل الاتهامات حول أسباب إخفاق مصر في ملف كرم القدم، لكنّ أيّا منهم لم يضع يديه على الأسباب الجوهرية، ويقر بأن أغلبية من يتصدرون المشهد، بالإدارة أو التحليل ومسؤولي الأندية أنفسهم، هم السبب الرئيسي في ما آلت إليه الأوضاع المتردية بدليل الصورة القاتمة التي يظهر عليها الدوري المصري حاليا.
ويعاني الدوري المحلي من أزمات عصيّة على الحل، تجاوزت حد التلاسن اللفظي وتغذية التعصب والأخطاء الكارثية للحكام وتعدد القضايا المنظورة أمام القضاء، والمطالبة بحكم بعينه لإدارة بعض المباريات.
ووصل الأمر حد التدخل في اختيارات البرتغالي روي فيتوريا المدير الفني للمنتخب، على طريقة: لماذا لا يشارك هذا اللاعب، وماذا وراء اختيار هذا اللاعب، وإلى أي درجة يركز على لاعبي نادي بعينه، ويتجاهل الآخرين؟ وقال الناقد الرياضي ياسر أيوب إن ما فعله منتخب المغرب في مونديال قطر تسبب في زيادة الاحتقان الجماهيري ضد رؤوس المنظومة الرياضية في مصر، لافتا إلى أن الفارق بين البلدين (مصر والمغرب) يكمن في الإدارة والعقلية والتخطيط للمستقبل.
وأضاف لـ”العرب” أنه من العبث أن يتخيل مسؤولو الرياضة المصرية والجماهير أن ما فعله المغرب كان مصادفة، لكن الدولة عملت على ذلك منذ سنوات، من خلال الاستثمار الاحترافي والتخطيط عبر إدارة تعمل لمصلحة الدولة، وهذا تسبب في كشف سلبيات منظومة الرياضة في مصر، وجعل الكثير يتساءلون: لماذا لا نكون كذلك؟
وتظل أزمة المنتخب المصري في إدارته بالمواءمات خشية الصدام مع الأندية الجماهيرية، وهي إشكالية مستمرة مع وجود مدير فني أجنبي، على اعتبار أن اسم النادي يظل في المرتبة الأولى، ويحل من بعده المنتخب، ولا يعترف القائمون على الكرة أنه لا سبيل لوصول الفراعنة للمكانة المستحقة طالما ظلت الأندية هي الأهم.
الرئيس المصري طالب وزارة الرياضة بحتمية إطلاق مشروع قومي لاكتشاف المواهب
وإذا توافرت الإمكانيات وسبل الدعم للمنتخب، فالعناصر الأساسية التي تشكله نسخة من مكوناته الفرق المحلية التي تتشكل من لاعبين ليس لديهم الحد الأدنى من الحس الاحترافي، فالعجينة واحدة في كل الأندية، مع إهمال ملف الناشئين وغياب وجود رؤية شاملة لاكتشاف المواهب الرياضية بأندية القسمين الثاني والثالث، مع أن نجوما كبارا كانوا مؤثرين مع المنتخب المصري تم اكتشافهم بالمصادفة.
وطالب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وزارة الرياضة بحتمية إطلاق مشروع قومي لاكتشاف المواهب ليكون لدى البلاد ألف لاعب مثل محمد صلاح، ويتم بيعهم لأندية كبرى في أوروبا، وتبدأ مصر في بناء منتخب قوي، لكن فكرة المشروع تواجه تحديات عدة، على رأسها الروتين والعقم الإداري والبيروقراطية والعشوائية في انتقاء الموهوبين، وطغيان الوساطة على الاختيارات.
على إثر هذا الإخفاق المتشعب تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ما يشبه المحاسبة الرياضية للمسؤولين عن ملف الكرة في مصر، وبلغ التذمر حد المطالبة بنسف المنظومة الرياضية كليّا، وبناء أخرى جديدة تواكب تطورات كرة القدم ومتطلباتها، مع تغيير الوجوه على مستوى اتحاد الكرة والمسؤولين عن الرياضة داخل المؤسسات الحكومية للقضاء على رواسب المجاملات والمحسوبيات والوساطات التي تسبّبت في تغييب نجوم كبار وعقليات كان حضورها سيمثل فارقا لمصر. وأشار الناقد الرياضي ياسر أيوب لـ”العرب” إلى عدم وجود حل سوى بتغيير الأفكار وتحسين النظام المعمول به في الملف الرياضي، مؤكدا أن الاكتفاء بتغيير الأسماء لا يمكن أن يحل الأزمة، مع حتمية توافر الإرادة والضغط الجماهيري المستمر، لأن الغضب اللحظي سوف يؤول إلى استمرار الوضع على ما هو عليه لسنوات طويلة.
إثارة السخرية
مصر تدرس استضافة كأس العالم 2030 برفقة كل من السعودية واليونان
ما أثار سخرية البعض أن أشرف صبحي وزير الرياضة تحدث عن امتلاك مصر إمكانيات ضخمة لاستضافة كأس العالم، مشيرا إلى أهمية المشروعات التنموية التي تشيدها الحكومة في مختلف القطاعات، وأنها تستطيع بسهولة احتضان المونديال، لكنه لم يتطرق من قريب أو بعيد إلى التحديات الضخمة التي توجه المنظومة الرياضية وتكرار الإخفاقات على المستويين القاري والدولي، والعجز عن بناء منتخب قوي يستطيع المنافسة رياضيا قبل أن تفكر القاهرة في تنظيم أيّ بطولة دولية.
وتدرس مصر استضافة كأس العالم 2030 برفقة كل من السعودية واليونان، لكن المعضلة أن وزير الرياضة المصري وهو يعلن عن ذلك تناسى أن الدوري المحلي يتم تنظيمه منذ عشر سنوات دون جمهور ويتم تحديد عدد معين لا يتجاوز ثلاثة آلاف مشجع لحضور كل مباراة، لأسباب مرتبطة بالتنظيم والإجراءات الأمنية، وهي إشكالية مثارة على نطاق واسع، ومحل شد وجذب لا يتوقفان.
المصدر العرب اللندنية