عبدالعزيز بوبر
لم نعد نسمع عن الجماعات الإسلاموية المتطرفة وخطرها كما كنا قبل عدة أعوام.
ربما حدث ذلك بسبب أفول أنشطتها في الدول، التي انتشرت فيها، لا سيما خلال العقد المنصرم، أو بسبب انكشاف مخططاتها خلال ما عُرف بـ”الربيع العربي”، وتصدي وعي الشعوب العربية لمخططات الهدم الإخوانية وما شابهها من تنظزيمات الإرهاب.
والحقيقة أن قصة الجماعات المتطرفة ليست حديثة، بدأت فصولها قبل أكثر من 100 عام، عبر الإسلام السياسي، الذي وضع السلطة نصب عينيه، مستغلا الارتباط الديني الوثيق للمجتمعات في الدول العربية، فنشر الخرافات وربط الحكم بالدين، وأراد حكم الناس بالقوة والبطش والاستيلاء على السلطة بزيف تفسيره للدين.
100 عام لم تكفِ العالم من أخذ الدروس ضد هذه الآفة، التي أصابت الجسم الإسلامي باسم التدين الإخواني الانتهازي، حتى وصلت ذروتها في عام 2011، حين تلوَّنت أجزاء من خارطة العالم العربي برايات هذه الجماعات الإسلاموية، اختلت فيها الموازين، وسقطت الاقتصادات والحريات، واستمرأت عناصر هذه الجماعات قتل الناس، لكن لا يصح إلا الصحيح، إذ عادت الأمور إلى نصابها واعتدل ميزان التاريخ، واستقرت الدول التي تعرضت لموجات الأخونة، بعد أن كادت تنهار.
نعم، اليوم نحن نعيش حالة من الاستقرار فيما يتعلق بالإرهاب، لا صوت لـ”القاعدة” ولا “داعش”، ولا مؤشرات قوية على عودة التيار الديني إلى السلطة، لكن القصة لم تنتهِ بعد، فحراك مائة عام لا ينتهي في يوم واحد، والنار لا تنطفئ إلا إذا ماتت آخر جمرة فيها، والحقيقة أن الجماعات المتطرفة تنشط وتغير جلدها حتى تمر العاصفة، لتعود مرة أخرى وباستخدام أدوات مختلفة تواكب العصر.
من هنا، فإن استمرار المراكز الفكرية والحملات التوعوية، التي تبين خطر تغلغل الأفكار المتطرفة لدى الأجيال الجديدة، أمر واجب وضرورة حتمية، حيث تجد هذه الأفكار السامة طريقها، رغم المساعي الحثيثة لتبيان زيف ادعاءات منظّريها، ورغم تصنيف جماعات الإسلام السياسي ضمن قوائم الإرهاب، فالأفكار التي تستقي منها الجماعات أدبياتها لم تنتهِ، بل مستمرة في كتب قديمة وحديثة تحتاج إلى تفنيد، وفي مقاطع إنترنت، ومدونات، ومحاضرات ومواعظ زائفة.
حان الوقت لمنطقتنا أن تنسى الإرهاب والتطرف، وتنتقل نحو التقدم والازدهار بعيدًا عن مصيبة الإرهاب، وذلك لا يتأتى إلا بتعزيز الوعي وزرع بذور التسامح والمحبة في نفوس الأفراد والمجتمعات، وبناء أجيال تتعايش مع الأفكار المختلفة، وما المراكز الفكرية إلا أساس لذلك الوعي ومنصة لنشره وتعزيزه.
نقلاً عن “العين” الإخبارية