ميرنا سرور
تستمر التكنولوجيا بإحداث تغييرات جذرية في الأسواق العالمية. منذ عقود جاء الإنترنت، وجاء بعده البريد الإلكتروني، وصولاً إلى 2020، حيث باتت لدينا تكنولوجيا الذكاء الصناعي والسيارات الذاتية القيادة وغيرها.
حتى التقنيات القديمة آخذة في التحول. تسارعت الحوسبة بسرعة فائقة، وتم تحويل الأنظمة الأساسية إلى نماذج برمجيات خدماتية (SaaS)، وتتمحور تقنية الخصوصية والأمان من أرقام التعريف الشخصية إلى أجهزة استشعار الحركة واكتشاف الوجه.
هذا التطور لم يطفئ محركاته، وفيما يلي نستعرض أبرز الإتجاهات التي سيتسم بها سوق التكنولوجيا خلال العام 2023:
شبكات الجيل الخامس 5G
كشفت دراسة جديدة لشركة “إريكسون” اهتماماً متزايداً في صفوف المستهلكين بشبكة الجيل الخامس، وتوقعاتهم بشأن حالات الاستخدام الجديدة التي يمكن أن تتيحها في الموجة التالية من هذه التكنولوجيا.
وتناول تقرير مختبر المستهلك من “إريكسون” التأثير الذي أحدثته شبكة الجيل الخامس في المستهلكين الأوائل منذ إطلاقها في عدة دول بالعالم، إضافة إلى تحديد اتجاه المستهلكين غير المشتركين حتى الآن في استخدام وتبني هذه التكنولوجيا، وتوقعاتهم بشأنها في المستقبل.
ويشير التقرير إلى أن 30 في المئة على الأقل من مستخدمي الهواتف الذكية يعتزمون الاشتراك في شبكة الجيل الخامس خلال العام المقبل.
وسلط التقرير الضوء على التغييرات السلوكية عند المستهلكين الناتجة من تضمين الخدمات الرقمية في خطط الجيل الخامس التي سيقدمها مزودو خدمات الاتصالات، لا سيما الاستخدام المتزايد لتطبيقات الفيديو والواقع المعزز.
كما كشف التقرير أيضاً عن سرعة تبني شبكة الجيل الخامس، وإذا كان يلبي طلبات المستهلكين والتغييرات المتعلقة بشبكات الجيل الخامس في سلوك الهاتف الذكي وتأثير هذه التغييرات على حركة المرور في الشبكة.
التوأمة الرقمية Digital Twinning
أحد الأسباب التي جعلت التوأم الرقمي قد أصبح اتجاهاً تجارياً كبيراً هو على وجه التحديد مرونته العالية للتطبيقات في الصناعات المختلفة ولأغراض مختلفة. على الرغم من وجود العديد من مجالات التطبيق لهذه التقنية، إلا أن مجالات جديدة تظهر كل يوم. من بين التطبيقات الرئيسية:
الصناعة: يمكن للصناعات الاستفادة من هذه التكنولوجيا لتحسين هيكلها وعملياتها وعملياتها. تم تطبيق التكنولوجيا على العديد من الجبهات داخل القطاع الصناعي، من مراحل التصميم الأولي إلى مرحلتي التشغيل والصيانة.
المدن الذكية: باعتبارها واحدة من أكثر التطبيقات المدهشة للتوائم الرقمية، تقوم المدن الذكية بتركيز جميع البنية التحتية وإدارة الخدمات على نظامها الأساسي. من خلال عمليات التوأم الرقمي تصبح أسرع وأكثر دقة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحسين إدارة الموارد ويمكن تنفيذ خطط الاستدامة على نطاق واسع.
الصحة: من خلال إنشاء توأم رقمي لشخص ما، يمكننا فهم سلوكهم، وكيف تؤثر عاداتهم في صحتهم، وسلوك أنظمتهم وعلاماتهم الحيوية، وحتى التنبؤ بمرض ما.
وتتعدد أوجه الاستفادة من هذه التقنية وهي: التحاليل القائمة على التوقعات، تحسين العمليات، تحليل المخاطر، حفظ الموارد، والمحاكاة.
وفي عام 2023 وما بعده، من المتوقع أن يتم ربط التوائم الرقمية بمجموعة متنوعة لا حصر لها من العمليات والمنتجات وتمثلها. يتضح هذا من حقيقة أنه في عام 2022، ظهرت التوائم الرقمية في مجموعة واسعة من التطبيقات، ومنها سلاسل التوريد، الخدمات الاستشفائية، السيارات الذاتية القيادة، خدمات التأمين، الخدمات المصرفية، وغيرها.
انترنت الأشياء IoT
من المتوقع أن يواصل إنترنت الأشياء IoT في عام 2023 توسعه الهائل، حيث سيصل عدد عناصر إنترنت الأشياء المثبتة إلى 30.9 ملياراً بحلول عام 2025. وهذا ناتج من توقع كبير لزيادة الاستثمار، ما أدى إلى إنفاق أكثر من تريليون دولار على تطوير إنترنت الأشياء في عام 2023.
بالنسبة الى بعض وجهات النظر حول الاستيعاب السريع لتقنيات إنترنت الأشياء، يلاحظ أنه يتم تبنيها بمعدل أسرع عالمياً من التبني التاريخي للكهرباء والهواتف. في حين أنه من الصحيح أن التكنولوجيا تنمو بشكل متناسب، فمن المتوقع أن يستمر اعتماد إنترنت الأشياء في النمو بشكل كبير أكثر من التكنولوجيا المعاصرة خلال السنوات القليلة المقبلة.
لا شك في أن العديد من الاتجاهات ستساهم في التوسع المستمر لإنترنت الأشياء في عام 2023، من بينها المراقبة من بعد، تحليل البيانات، المدن الذكية، والعناية الصحية.
الميتافيرس
ستتطور المفاهيم والأفكار حول مصطلح “metaverse” خلال عام 2023. ورغم الإعلان عن مشكلات “ميتا”، إضافة الى الإفلاسات في عالم التشفير، يبقى من المهم النظر إلى ما هو أبعد من هذه المشكلات. مصطلح metaverse أوسع بكثير من مجرد شركة واحدة، أو جانب واحد من التكنولوجيا.
وإذا كان عام 2022 هو العام الذي طور فيه المجتمع وعياً حيال الميتافيرس، فإن عام 2023 هو العام الذي يحتاجون إليه للبدء في تطوير استراتيجيات وتكتيكات لهذا العالم الجديد.
لقد اتخذ الميتافيرس مؤخراً بعداً اجتماعياً، لكن في العام 2023 ستخترق هذه التكنولوجيا عالم الصناعة، فعلى سبيل المثال، أعلنت “رينو” في أواخر عام 2022 عن توقعاتها بأن التوأم الرقمي عبر خط إنتاجها سيحقق وفورات تبلغ 320 مليون يورو بحلول عام 2025، بالإضافة إلى توفير 260 مليون يورو في المخزون، وخفضاً بنسبة 60 في المئة في وقت تسليم السيارة، وخفض بنسبة 50 في المئة في البصمة الكربونية عبر تصنيع المركبات.
إلى ذلك، ستتأثر هيكلية العمل بالتكنولوجيا هذه أيضاً، وهذا الأمر لن يكون من مسؤوليات المدير التنفيذي للشؤون الرقمية في الشركات، بل سيطال أيضاً الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية وشؤون التسويق أيضاً، لذا على المسؤولين الاستعداد للتغييرات الأساسية للتفاعل الرقمي على جميع المستويات في المؤسسة، من الهيكل الداخلي للعمل، وصولاً إلى الأنشطة المدرة للدخل.
سوق الروبوتات سينمو بعشرة أضعاف
كشف تقرير جديد أن سوق الروبوتات البشرية Humanoids سيتوسع عشرة أضعاف بحلول عام 2023. وتشير التقديرات الحالية إلى أن قيمة السوق الحالية تبلغ 320.3 مليون دولار، ولكن من المتوقع أن تصل إلى 3.9 مليار دولار في غضون السنوات الست المقبلة.
وتشمل التطبيقات المحتملة الرئيسية لهذه التكنولوجيا قطاع التعليم وصناعة البيع بالتجزئة، حيث ستكون الروبوتات قادرة على تولي مجموعة كبيرة من أدوار خدمة العملاء. ومن المتوقع أيضاً استخدام الروبوتات في مجالات مثل الخدمات اللوجستية والطب من خلال أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
ورغم ذلك، هناك بعض العوائق التي يمكن أن تؤدي إلى إبطاء النمو المتوقع، على سبيل المثال، ليست الروبوتات قادرة على الحركة بعد كما يجب للعديد من هذه الأدوار، لذا يجب العمل على تحسين قدرتها على اجتياز مجموعة واسعة من البيئات بسرعة وأمان خلال السنوات القليلة المقبلة.
وفي حين أن أميركا الشمالية والجنوبية هي أكبر قوة في سوق الروبوتات، على مدى السنوات الست التي غطاها التقرير، فإنه من المتوقع أن تسجل منطقة آسيا والمحيط الهادئ أسرع معدل نمو في الصناعة.
تقدم في التكنولوجيا الخضراء
فيما يواجه العالم أزمتي تغير المناخ وارتفاع أسعار الطاقة، أصبحت التكنولوجيا الخضراء أكثر أهمية من أي وقت مضى، ويسعى رواد الأعمال إلى ابتكار أفكار جديدة قائمة على التكنولوجيا الخضراء لتلبية احتياجات السوق المتزايدة.
على سبيل المثال، فإن الحلول الصديقة للبيئة مثل السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية التي كانت تعتبر هامشية في يوم من الأيام، أصبحت الآن الاتجاه السائد، حيث يتم العمل بشكل جماعي عليها لمعالجة تغير المناخ.
ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة (IEA)، فإن الطاقة المتجددة في طريقها لتسجيل رقم قياسي عالمي آخر في عام 2023، بغض النظر عن العقبات بما في ذلك اختناقات سلسلة التوريد وارتفاع التكاليف.
وسجل الاعتماد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية وقدرات مصادر الطاقة المتجددة الأخرى زيادة بشكل كبير حيث ترى الشركات والحكومات فوائدها المناخية. وتساعد التكاليف المنخفضة لتوليد الطاقة المستدامة أيضاً في دفع الاعتماد الجماعي لها. وفي حين أن هناك تقنيات جديدة ستستغرق المزيد من الوقت لتدخل إلى التيار الرئيسي، يُتوقع حدوث تطورات تكنولوجية كبيرة في عام 2023.
وبدورها، طورت الشركات مبادرات المسؤولية المؤسسية الخاصة بها لزيادة التركيز على الاستدامة، فتدعي “غوغل”، على سبيل المثال، أن ميزة التوجيه البيئي في خرائط “غوغل” قد قللت من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بأكثر من 500000 طن متري. يتضمن نهجها تجاه تغير المناخ توجيه المستهلكين لاتخاذ خيارات أفضل، وإزالة الكربون من عملياتها ومن سلسلة التوريد، واستخدام تقنيتها لمساعدة الشركات والمدن على تحديد تأثير الكربون.
وفيما يمكن التنبؤ ببعض ما ستحمله التكنولوجيا للعالم خلال العام المقبل، يبقى الكثير غير قابل للتنبؤ، ولا شك في أن عالم التقنية السريع التطور سيحمل لنا الكثير من المفاجآت، عساها تكون ذات منفعة للبشرية، بما يجعل حياتنا أكثر يسرٍ وسهولة.
المصدر “النهار” العربي