علي الصراف
قاربُ المهاجرين الأخير إلى بريطانيا، حملَ لاجئاً غريبَ الأطوار.
سأله ضابطُ الهجرة: لِمَ أتيت الى بريطانيا.
قال المهاجر: أنا لم آتِ إلى بريطانيا.
قال الضابط: ولكنك هنا في ميناء دوفر.
قال المهاجر: أعرف ذلك، ولكنّني علمتُ من المهربين أنكم تنظمون رحلات مجانية إلى رواندا. وأنا لا أملك ثمن التذاكر إلى رواندا.
قال الضابط: ولكنك تملكُ ما تُعطيه للمهرب.
فقال المهاجر: لم أعطه شيئا، ولكنه قرر مساعدتي عندما علم أني أريد الذهاب إلى رواندا.
قال الضابط: حسنا، يبدو أنك رجل طيب. سأعطيك حق اللجوء إلى بريطانيا العظمى.
فقال المهاجر: لا. لا. أرجوك. لا أريد اللجوء إلى بريطانيا العظمى. فهذا بلدٌ يموتُ فيه المرضى في غرف الطوارئ بسبب إضراب الممرضين. فإذا أصابني مرضٌ مفاجئ، فأنا لا أريد أن أجد نفسي في سيارة إسعاف لا يُسعفني فيها أحد.
قال الضابط: ولكنك رضيت بالمغامرة في البحر، فكيف لا ترضى باللجوء إلى بريطانيا. ألم تخشَ أن تكونَ ضحيةً لسمك القرش.
قال المهاجر: أنا أخشى سمك القرش، ولكنّني على يقينٍ بأن هذا النوع من الأسماك ليس عضوا في حزب المحافظين. وهو لا ينافق، ولا يزعم أنه يحترم حقوق الإنسان. وقد يكون أكثر رأفة إذا رأى فقيرا مثلي لا يملك شيئا.
قال الضابط: وما الذي يُغريك في رواندا؟
قال المهاجر: لا يُغريني شيء. ولكنّي سمعت أنكم تقولون إنها أصبحت بلداً يحترم حقوق الإنسان، وأنكم معجبون بسجلها الديمقراطي، وأن قضاءكم العادل مُعجب بتاريخها أيضا إلى درجة أن القضاة أيّدوا خطط الحكومة لترحيل المهاجرين إليها. كلُّ ما يهمّني هو التذكرة المجانية، لأذهب فأرى كيف انقلب فيلم الرعب السابق، إلى فيلم رومانسي.
قال الضابط: وهل أصبحت رواندا أفضل في نظرك من بريطانيا العظمى؟
فقال المهاجر: أنا في الحقيقة لا أعرف أيهما أسوأ من الأخرى. ولكنّني أرى أنكم تختارونها. وهذه شهادة منكم على أنها أفضل لأنها تستطيع أن ترعى حقوقاً لا تستطيعون أنتم رعايتها.
سأله الضابط: ومن أين أنت؟
قال المهاجر: أنا من رواندا. لقد هربت منها عندما وقعت المجازر بين قبيلتي الهوتو والتوتسي في العام 1994. وأستطيع أن أختبئ إذا تجددت المجازر. ولكنّ هؤلاء المهاجرين لا يعرفون إلى أين سيذهبون. سوف تحصل مفارقات كبيرة لو أن التوتسي اعتبروهم هوتو، ولو أن الهوتو اعتبروهم توتسي. القتل في رواندا يتم بالسواطير. والبلد نفسه فقير ولكنه مضياف. البعضُ هناك يعتبرُ الغرباءَ كائناتٍ صالحةٍ للطبخ. وبحسب السجلات السابقة، فإنه يمكن قتل 300 شخص كل ساعة. ويمكن أكلهم إذا لم يتوفر طعام آخر. خطتكم مفيدةٌ للطرفين. لأنها ترسل الجياع ليُطعموا جياعا آخرين.
نقلاً عن العرب اللندنيةة