كريتر نت – متابعات
ربط تقرير نشرته الإذاعة الفرنسية الدولية السبت بين اكتشاف محاولة مرتزقة بريطانيين السفر إلى ليبيا، وعودة الحديث بقوة عن مطالب بتعويض الدولة الليبية لأسر ضحايا الجيش الجمهوري الأيرلندي خلال مواجهتهم مع البريطانيين، إذ يتهم نظام الزعيم الراحل معمر القذافي بدعم الجيش الأيرلندي في سبعينات القرن الماضي.
ويعود الكشف عن قضية المرتزقة إلى ثلاثة أسابيع مضت من خلال صحيفة “مالطا توداي”، التي أوضحت أن الموقوفين الـ16 كانوا ينوون الذهاب في رحلة خاصة إلى ليبيا، ربما إلى مصراتة، وذلك لإيجاد موطئ قدم لهم على الأراضي الليبية على غرار القوات التركية التي تسيطر على قاعدة الوطية غرب البلاد، ومجموعة فاغنر الروسية التي تتمركز شرق ليبيا، كتعويض لهم عن دعم القذافي للجيش الجمهوري الأيرلندي ضد بريطانيا.
ويعمل هؤلاء الجنود البريطانيون السابقون في شركة الأمن الخاصة لجاك مان، أحد الأصدقاء المقربين للأمير البريطاني هاري، وفق ما كشفت جريدة “مالطا توداي” في التاسع عشر من ديسمبر الماضي.
وكان جاك مان أيضا جزءا من مجموعة المرتزقة التي حاولت دخول ليبيا.
وقالت الإذاعة الفرنسية الدولية إن جاك مان جرى اعتراضه مع موظفيه، على خلفية اشتباه الشرطة المالطية في انتهاكه لنظام تفرضه الأمم المتحدة على واردات الأسلحة ونشاط المرتزقة في ليبيا.
وأوضح جاك، وهو ضابط بريطاني، أن المجموعة التي يقودها كانت تعتزم تقديم تدريب طبي ورياضي في ليبيا، لكن بعد تحريات الشرطة المالطية تبين أن مزاعمهم لم تكن صحيحة، لاسيما بعد العثور على شهادات تدريب مزورة.
كما شكّكت الشرطة في خلفيات محاولتهم السفر إلى ليبيا كون هؤلاء الرجال وصلوا بترتيبات متفرقة إلى المطار، ورأت أنهم مرتزقة.
وبعد تحقيقات أمنية، جرى إطلاق سراحهم ومُنعوا من استخدام المجال الجوي المالطي للسفر إلى ليبيا.
وجاك مان (40 عاما)، ضابط سابق في الجيش البريطاني وخدم في العراق وأفغانستان قبل أن يؤسس شركة “ألما ريسك”، وهي شركة أمنية خاصة مقرها لندن، في العام 2015.
ووفقا لموقعها الرسمي على الإنترنت، توظف هذه الشركة فقط قدامى المحاربين في الجيش البريطاني أو الشرطة أو الوكالات الحكومية الأخرى.
واعترف جاك مان بأنه عمل سابقا في ليبيا لدى شركة أمنية بريطانية أخرى، وهي شركة “إيجيس” لخدمات الدفاع، وفق التقرير الفرنسي.
وجاك مان هو ابن سيمون مان، وهو ضابط بريطاني سابق أصبح من المرتزقة. كما أنه العقل المدبر لمحاولة انقلاب في غينيا الاستوائية في العام 2004.
وطرحت الإذاعة الفرنسية الرسمية عدة أسئلة تشكك في أسباب الرحلة الغامضة إلى ليبيا، منها من الذي وظّف هؤلاء المرتزقة المزعومين؟ ولأي غرض؟
وربطت الإذاعة بين محاولة قدوم هؤلاء المرتزقة إلى ليبيا، واتهام معارضي رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبدالحميد الدبيبة له بالتوجه نحو الموافقة على دفع تعويضات إلى لندن وضحايا هجمات الجيش الجمهوري الأيرلندي، الذي جرى دعمه من قبل نظام القذافي في سبعينات القرن الماضي.
ونقل التقرير عن مسؤولين ليبيين من معارضي الدبيبة قولهم إن المرتزقة البريطانيين كانوا حاولوا البحث عن وثائق وأدلة تعزز اتهام القذافي بدعم الجيش الأيرلندي.
وسبق للدبيبة، الذي صرح بأن على الدولة الليبية أن تتحمل المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبها النظام السابق، أن سلم بالفعل إلى الولايات المتحدة الشهر الماضي الضابط الليبي أبوعجيلة مسعود المريمي، الذي يشتبه في أنه صنع القنبلة التي تسببت في تفجير طائرة “بان آم” فوق لوكربي في إسكتلندا عام 1988.
وترى أوساط سياسية ليبية أن الدبيبة مستعد للبقاء في السلطة بأي وسيلة حتى لو كانت إحدى هذه الوسائل التفريط في ثروات ليبيا، كما هي الحال مع تركيا التي حصلت على اتفاقات ومذكرات تفاهم للتنقيب عن النفط والغاز في السواحل البحرية الليبية، إضافة إلى الأموال الليبية المجمدة التي يبدو أن الولايات المتحدة تضعها نصب عينيها على خلفية تسلمها أبوعجيلة مسعود.
وتشير هذه الأوساط إلى أن تسليم أبوعجيلة مسعود ليس إلا مقدمة لتسليم مواطنين ليبيين آخرين، وستستغله دول عدة لنهش مقدرات الدولة الليبية، وهو ما ظهر جليا خلال الأيام القليلة الماضية في لندن من خلال التجمع الذي أقامه ضحايا الجيش الجمهوري الأيرلندي للمطالبة بتعويضهم أيضا.
وسبق أن اتفق مستشار رئيس الحكومة إبراهيم الدبيبة في زيارته الأخيرة إلى بريطانيا مع المحامي الأيرلندي جايمس ماكيو، على أن يكون الأخير حلقة وصل مع الحكومة البريطانية بخصوص تعويضات ضحايا الجيش الجمهوري الأيرلندي، والأخيرة رحبت بالأمر.
وقال وكيل وزارة الخارجية السابق حسن الصغير إن “الدبيبة لديه أموال شخصية له ولعائلته وعقارات محجوزة في بريطانيا وأيرلندا، خاضعة لتحقيقات الفساد وغسيل الأموال منذ سنوات، والدبيبة بصدد خوض مفاوضات مع مسؤولين بريطانيين للإفراج عنها وتميكنه منها”.
وأوضح وكيل وزارة الخارجية السابق في منشور له على فيسبوك أن “الدبيبة عرض على سلطات هذه الدول تعويض المتضررين من قضية لوكربي في بريطانيا والمتضررين من عمليات الجيش الجمهوري الأيرلندي، بمبلغ قيمته ثلاثة مليارات و600 ألف دولار من الأموال الليبية، في مقابل تمكينه من أمواله الخاصة وإنهاء التجميد والتحقيقات الخاضعة لها هذه الأموال”.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها جنود بريطانيون في أنشطة مرتزقة في ليبيا، ففي العام 2020 نشر خبراء الأمم المتحدة تقريرا كشف أنه في يوليو 2019، وصل أربعة مرتزقة بريطانيين إلى الساحل الليبي من مالطا على متن قوارب مطاطية ووصل آخرون من الأردن بالطائرة باتجاه بنغازي.
وسبق أن كشفت تقارير إعلامية ليبية في يناير الماضي، نقلا عن وثائق سرية من الأرشيف الأيرلندي، عن حجم الدعم الذي خص به القذافي الجيش الجمهوري الأيرلندي، إذ تم تزويده بست شحنات من الأسلحة ومساعدات مالية وصلت قيمتها إلى حوالي 12 مليون دولار أميركي نقدا من دون استخدام أي حسابات بنكية على ثلاث مراحل: 1973 – 1975 و1985 – 1986 و1988 – 1990.
وأكدت التقارير المحلية ذاتها نقلا عن وسائل إعلام أيرلندية، من ضمنها “أيريش سونترال” و”آر.تي.أو”، أن “ليبيا زدوت الجيش الجمهوري الأيرلندي في فترة سبعينات وثمانينات القرن الماضي بشحنة مسلحة تقدر بأكثر من 1.5 مليون طلقة من أنواع عدة من الذخيرة، و560 بندقية هجومية من طراز كلاشنيكوف ومدافع رشاشة ثقيلة وصواريخ ‘سام 7’ وقاذفات صواريخ ‘آر.بي.جي’، وأكثر من 100 لغم مضاد للدبابات، ومتفجرات سيمتكس القاتلة التشيكية الصنع”.
وأضافت التقارير أن “تفجير طائرة فوق لوكربي ألقى بظلاله على علاقة ليبيا بالغرب، وتحديدا بالولايات المتحدة وبريطانيا، لاسيما بعد فرضهما عقوبات اقتصادية على الدولة الليبية عام 1992، مما دفع بالقذافي إلى الانتقام من بريطانيا التي سبق واستخدمتها الولايات المتحدة كنقطة لقصف العاصمة الليبية طرابلس عام 1986، والاعتراف العلني بدعمه للجيش الجمهوري الأيرلندي بالسلاح والأموال في الفترة الممتدة بين 1985 – 1990”.