أمينة خيري
من قال إن الساسة وحدهم هم المختلف عليهم؟ ومن ظن أن الفنانين دون غيرهم القابلة أعمالهم وإبداعاتهم للتقييمات الشخصية والانحيازات غير القابلة للفهم أو الخاضعة للمنطق؟ ها هو الشيخ محمد متولي الشعراوي يفجر ينابيع الاحتقان، ويؤجج براكين الصراع الدائرة رحاه بين فريق “المتدينين” طبقاً لمقاييس نسخة التدين التي ذاع صيتها في سبعينيات القرن الماضي في مصر، وصارت اليوم ثقافة وأسلوب حياة، ويسمون أنفسهم “ملتزمين” من جهة، وفريق المجاهدين من أجل فك الاشتباك بين الدين والدولة ومظاهر الحياة فيها، ويسمون عملهم “تنويراً”.
نيران صديقة
“التنويريون” أنفسهم كانوا السبب هذه المرة في إحراز هدف في مرماهم، إنها النيران الصديقة، فقبل يومين، ذاع تصريح منقول عن مدير المسرح القومي التابع للدولة المصرية الفنان إيهاب فهمي بأنه جار الإعداد لتقديم سيرة الشيخ الراحل في مسرحية، وأن الفنان كمال أبو رية سيلعب دور الشعراوي، وأن العمل الفني المسرحي يتناول سيرته ونشأته وحياته، وأبرز المواقف في حياته وأثره في المجتمع.
أثر الشعراوي في المجتمع واضح وضوح الشمس، إن لم يكن عبر صوره المطبوعة الضخمة التي تحجب نوافذ السيارات وخلفياتها في تحد كامل وتام لقوانين المرور، فعبر برامجه المسجلة بالأبيض والأسود التي تذاع مراراً وتكراراً على قنوات التلفزيون التابعة للدولة، وكذلك دعاء ما بعد الأذان.
وإن لم يكن هذا أو ذاك فعبر قنوات “يوتيوب” التي تغذيها قواعد المريدين والمحبين والتابعين له على مدار الساعة بآرائه ومواقفه ومقولاته، أو باستشهاد القاعدة العريضة من المصريين والمصريات بما قاله في هذا الموقف أو ذاك، حيث “شوف الشعراوي قال إيه واعمله” (ابحث عما قاله الشعراوي في شأن المال أو العلاج أو الزواج أو المرأة أو غير المسلمين وغيرها واتبعه).
نهج الرجل
اتباع نهج الرجل الذي شغل منصب وزير الأوقاف فترة وجيزة، ودرس اللغة العربية في جامعة الأزهر، وأبدع في فنونها وملكاتها من نحو وصرف وشعر وخطابة، وهو ما مكّنه من الاجتهاد في العلوم الشرعية، وتأسيس مدرسة له في عالم التفسير، أمر جدير بالبحث الاجتماعي والتحليل النفسي والتقصي في علوم الاجتماع السياسي والاقتصاد الديني والإعلام بأجنحته المختلفة.
الاختلاف على الشيخ وتفسيراته وأسلوبه وهيمنته على العقل الجمعي المصري تزامناً، وربما تحالفاً أو تضامناً أو إمداداً أو تدعيماً، لموجة تدين السبعينيات التي غزت المجتمع المصري، بدءاً من قاعدته العريضة مروراً بطبقاته المختلفة، وإن بدرجات متفاوتة ظل أقرب ما يكون إلى المحرمات.
قائمة التحريم والتكريه والتوجيه التي بثها الشيخ الراحل في المجتمع المصري عبر دروسه التي كان يتربع فيها على مقعد مرتفع، ويجلس الرجال حوله على أرض المسجد، وينقلها التلفزيون وتسري في ربوع البلاد وتلقى آذاناً مصغية وقلوباً متفاعلة وعقولاً مستسلمة طويلة، وأهميتها ليست في الطول، بقدر الأثر الباقي والمتحكم في المجتمع المصري حتى اليوم.
رأي الإمام
اليوم حين يسأل أحدهم عن حكم تهنئة المسيحيين بأعيادهم وهو أحد مكونات التشدد والتطرف اللذين عصفا بالمصريين على مدار نصف قرن، يهرع المجيب إلى بث ما قاله “إمام الدعاة” عبر برنامجه التلفزيوني، يقول، “يلزم علينا أن نستعيذ بالله من أن نقوم بتصرف يرضي عنا كلاً من اليهود أو النصارى.
ومعنى ذلك أنه عند القيام بتصرف يرضي اليهود أو النصارى فإنه حكم من الله على من اتبع دينهم، لأن الله قال في القرآن “وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ”.
وقال إنه يجب التفرقة بين الرضا والتعايش، حيث “التعايش يلزم أن تتحمل فعل قالب، لكن لا بحب قلب، إنما الرضا هو أن تفعل الشيء فعل القالب بحب القلب”.
وحين يسأل أحدهم عن حكم التبرع بالأعضاء البشرية في ضوء القوانين، التي تجري صياغتها بهدف تنظيم التبرع وإنقاذ الأرواح، يهرع كثيرون إلى بث المقطع الذي ينفعل فيه الشيخ الجليل، موضحاً أن “أعضاء الإنسان ليست ملكه حتى يتصرف فيها، لا تعتقد أنها (الأعضاء) لك (للإنسان)، لكنها ستظل أعضاؤه ملكه يبقيها على حالها، يحفظها، يصيبها بآفة، أو يعطلها فالأشياء النافعة لابن آدم يخلقها الله ويجعلها ثم يملكها لك، لكن ذات الإنسان، وأبعاد الإنسان خلقت لله وجعلت من الله، وتظل مملوكة لله، ولو أن الإنسان ملك ذاته وأبعاضه (أجزاءه) ليتصرف فيها لما حرم الله الجنة على المنتحر، فلا يأخذ الحياة إلا من يملكها”.
وقال الشيخ ساخراً موجهاً حديثه إلى من يطالبون بالتبرع بدعوى الإنسانية: “يجب أن يتنبه الذين يدعون عاطفة الإنسانية لخلق الله، فيخلعون عيناً ليضعوها في إنسان، ويخلعون كلية ليضعوها في إنسان، ويخلعون طرفاً ليضعوه في إنسان، متبرعين بها دون مقابل، فلا يجوز التبرع ولا الشراء، لأن التبرع بالشيء فرع الملكية له، وبيع الشيء فرع الملكية له، وما دمت لا تملك ذاتك ولا أبعاضك فلا يصح أن تتصرف فيها لا بالتبرع ولا بالبيع”.
غاية القول إن الشيخ، الذي يحتفي بذكرى وفاته في كل عام الأزهر الذي يلقبه بـ”إمام الدعاة”، أحل التبرع بالدم “حيث لا خلاف فيه لأنه يعوض”، أم “هذا الفعل (التبرع بالأعضاء) كفر بالله”.
“كادت قريبتي أن تعلنني كافراً خارجاً عن الدين”، هكذا حكى “مصطفى. م”، وهو حائر بين الضحك والبؤس، فعقب معرفته بنية وزارة الثقافة المصرية التي يظن كثيرون أنها إحدى أهم الجهات المسؤولة عن نشر التنوير بديلاً من الانغلاق والظلمات، كتب مصطفى على صفحته على “فيسبوك” منتقداً فكرة تقديم مسرحية عن الشيخ الشعراوي لأسباب كثيرة سردها، لكن أهمها أنه يحمل الرجل مسؤولية انزلاق قطاعات عريضة من المصريين في حفرة تسليم العقول لرجال الدين دون نقد أو مراجعة أو تفكير، ولأن الشيخ الراحل نفسه كان العامل الرئيس في إقناع، وحث عديد من الفنانين على اعتزال الفن، وتبرؤ بعضهم من مسيرته الفنية، وعديد من الفنانات على الحجاب، وأحياناً النقاب، وبالطبع الاعتزال والاختفاء.
وتساءل في ما كتب، “كيف نقدم مسرحية فنية فيها تمثيل وربما موسيقى ومن يعلم ربما نساء لتوثيق رحلة من حرم كل ما سبق؟!” فوجئ مصطفى بإحدى قريباته تشن عليه حرباً شعواء في تعليق لها اتهمته فيها بالبعد من الدين، ومحاربة المتدينين، وإشاعة الخلاعة، وذيلت حربها الكلامية بـ”حبيبي أنت يا رسول الله (ص)، حبيبي أنت يا إمام الدعاة”.
مصاف القديسين
“إمام الدعاة” صار مكوناً رئيساً في المجتمع المصري، وبين الأجيال التي ولدت بعد وفاته في عام 1993، وربما من لم يتابع له درساً أو يعرف عنه معلومة باستثناء أنه “إمام الدعاة” بين من يضعونه في مصاف “القديسين”.
وبين أعضاء الفريق المضاد والمطالب بتنقية الفكر المصري مما علق به من أفكار متشددة وقيم متطرفة يعزون الجانب الأكبر منها للشيخ الراحل من يتجاوز في حق الرجل عن قصد أو من دونه، وهو ما يؤجج الاحتقان بين الفريقين في كل مرة ينشأ فيها خلاف حول الرجل وما أكثرها.
أكثر ما أزعج الفريق الذي يطلق على نفسه “متنورين” أو “مطالبين بتطهير الخطاب الديني” أو “داعين إلى فصل الدين عن السياسة والقانون والاقتصاد والاجتماع” هو أن فكرة المسرحية نبعت مما يفترض أنه “معقل التنوير”.
معقل التنوير أو وزارة الثقافة، فتحت أبواب جهنم على نفسها، فمنذ إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين، الذي لعب فيه “المثقفون” والكتاب والأدباء ووزارة الثقافة نفسها دوراً كبيراً، والأعين والقلوب والعقول المتشوقة لإعادة الرونق الفكري والفني والثقافي للمجتمع تنتظر دوراً هماماً وفكراً مقداماً لا يخشى للإسلاميين هجوماً، ولا يحسب لدعاة التطرف والانغلاق حساباً، لكن طال الانتظار.
ويبدو أن وزارة الثقافة انتظرت قليلاً قبل أن تتحسس ردها وتفكر في ما تفعله أمام الهجوم الجارف والزاعق والغاضب، وإن ظل الأقل عدداً مقارنة مع الجموع الغفيرة التي يفصلها عن تقديس الشيخ خطوة أو خطوة ونصف.
ما جرى على الأثير العنكبوتي من القلة، التي تسمي نفسها “دعاة تنوير” جدير بالتأمل، البعض عبر، على غير العادة، عن غضب عارم لتبني الدولة، ممثلة في المسرح القومي التابع لوزارة الثقافة، مزيداً من الإعلاء دون انتقاد أو مراجعة للرجل الذي دفع المجتمع دفعاً صوب التشدد ومعاداة التسامح ورفض الآخر والاستعلاء استناداً إلى خانة الديانة، وضمن هذا الفريق من بذل جهداً خارقاً للتنقيب عن آراء الشيخ وفتاواه وحكاياته التي رأوها “مهينة للمرأة”، ومعتبرة إياها “إناء نكاح”.
الفائض من النساء
آلاف التدوينات والتغريدات ومقاطع الفيديو تدور رحاها حالياً على الأثير وتثير العراك والاتهامات بين الفريقين على خلفية مكانة المرأة في فكر الشيخ الراحل وتفسيره، أبرز ما يجري تداوله على خلفية مسرحية توثيق وتكريم الرجل يتعلق بما قاله عن أن التعدد وارد لأسباب كثيرة بينها “وجود فائض من النساء، لأن عدد ذكور كل نوع من الأنواع أقل من عدد الإناث، وضربنا المثل من قبل في النخل، وكذلك البيض عندما يتم تفريخه، فإننا نجد عدداً قليلاً من الديوك والبقية إناث، إذاً فالإناث في النبات وفي الحيوان وفي كل شيء أكثر من الذكور”، متسائلاً عن مآل الفائض من النساء في حال اكتفى كل رجل بواحدة “إما أن تعف الزائدة فتكبت غرائزها وتحبط، وتنفس في كثير من تصرفاتها بالنسبة إلى الرجل وإلى المحيط بالرجل، وإما أن تنطلق.
تنطلق مع من؟ إنها تنطلق مع متزوج، وإن حدث ذلك فالعلاقات الاجتماعية تفسد”.
يشار إلى أن أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المعلنة في يوليو (تموز) الماضي تشير إلى أن نسبة الذكور في مصر 51.5 في المئة في مقابل 48.5 في المئة من الإناث، وبلغت نسبة النوع 106 ذكور لكل 100 أنثى.
كما يتداول المعارضون لأفكار “إمام الدعاة”، والمطالبون بشرح ملابسات وأسباب تقديم سيرته في مسرحية ما قاله عن تفضيل أن يترك الرجل اليتيمة ولا يتزوجها، “ما دامت النساء غيرها كثيرات مخافة أن يظلمها لأن اليتيمة ضعيفة”، إضافة إلى ما أكده من أنه كان على السيد أن يطعم الجارية مما يأكل ويلبسها مما يلبس أهل بيته.
لكنه أشار إلى أن شيئاً ما سينقصها، ثم شرح “ينقصها إرواء إلحاح الغريزة، بخاصة أنها تكون في بيت لرجل فيه امرأة، وتراها حين تتزين لزوجها، وتراها تخرج في الصباح لتستحم، والنساء عندهن حساسية لهذا الأمر، فتصوروا أن واحدة مما ملكت يمين السيد بهذه المواقف؟ ألا تهاج فيها الغرائز؟”.
وأضاف، “حين يبيح الله للسيد أن يستمتع بها، وأن تستمتع به، فإنه يرحمها من هذه الناحية، ويعلمها أنها لا تقل عن سيدتها امرأة الرجل فتتمتع مثلها”.
الغريب أن حرب التنقيب الجارية عن آراء الشيخ الشعراوي تجري من طرف الفريق المناهض له والمتبحر في قراءة ومشاهدة إنتاج الشيخ بعقل يدعون أنه “نقدي”.
أما الفريق الآخر، فأداته الوحيدة في المعركة هي الهجوم الدفاعي، حيث لا أثر لرد على آراء الشيخ المثيرة للجدل هنا أو فتح باب نقاش لشرح أسباب الانصياع لما يقول هناك، فقط دفاع مستميت عن الشيخ حيث لا مجال للانتقاد أو مساحة للتفنيد أو فرصة للنقاش.
تعطيل العقل
وبينما فريق “المتنورين” يتهم الفريق الآخر بتعطيل العقل وتقديس الشيخ والتلذذ بالظلام والغرق في الرجعية، ويزهو فريق “الملتزمين” بأنهم كالقابضين على الجمر في زمن يحاول فيه الملاعنة وأعداء الدين والشواذ ودعاة الفجور وادعاء التحضر النيل من رمز من رموز التاريخ الإسلامي والعالم الإسلامي والدين الإسلامي، خرجت وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني في إطلالة نادرة منذ توليها مقاليد الوزارة في أغسطس (آب) الماضي، لتنفي نية تقديم مسرحية تجسد سيرة الشيخ الشعراوي، مضيفة أن “الشيخ عليه تحفظات كثيرة”.
ومما قالت إن المسألة كانت مجرد اقتراح مقدم من مدير المسرح القومي بتنظيم أمسيات عن عدد من الشخصيات في رمضان، وليس عملاً مسرحياً، وأن المقترح لم يعرض على اللجنة المتخصصة بعد، وهي اللجنة المنوط بها الموافقة على الأعمال، بحسب معايير وشروط، لكنها عادت وقالت إن أحد الأسماء المطروحة كان الشيخ الشعراوي،
وأضافت، “لا بد أن يكون هناك اختيار للشخصيات التنويرية المؤثرة في المجتمع، التي يترك اختيارها أثراً إيجابياً من الناحية التنويرية لمكافحة الفكر المتطرف”.
بين “المتنورين” و”المتطرفين”
الفكر المتطرف أو المتشدد في المجتمع يدين بالكثير لمشايخ ورجال دين، من بينهم الشيخ الراحل، حسبما يؤكد مراراً وتكراراً أعضاء الفريق المنتقد له ولآرائه وآثاره والسكوت على استمرارها، بل ودعمها والاستمرار في بثها عبر قنوات رسمية.
أحد أولئك الإعلامي الكاتب إبراهيم عيسى المثير للجدل أيضاً، الذي تحدث غير مرة مستنكراً “حال التبجيل والتكريم للرجل الذي له أفكار شديدة التطرف والتسلف (من السلفية)”، إضافة إلى رأيه بأن الشيخ كان ضد العلم.
وفي السياق نفسه، يداوم الطبيب الكاتب خالد منتصر المثير كذلك للجدل على تفنيد آراء ومواقف “إمام الدعاة”، وأثرها في المجتمع المصري، وتحدث غير مرة أيضاً عمن ماتوا بسبب أمراض الكبد مفضلين عدم الخضوع لعمليات زرع كبد من متبرعين، وأن “حقهم في رقبة الشيخ الراحل (الشعراوي) بعد ما أفتى بحرمانية زراعة الأعضاء وتسبب في موتهم”.
ومن على الجبهة ذاتها، عاودت نائبة البرلمان الإعلامية فريدة الشوباشي هجومها على الشعراوي، مؤكدة أنها لا تتفق مع الشيخ الشعراوي في عديد من توجهاته، لا سيما بعد ما سجد شكراً لله لهزيمة مصر في حرب يونيو (حزيران) عام 1967 (كما قال)، وأضافت أن مثل هذا الموقف يضرب أسس الوطنية والمواطنة لدى الشباب، وانتقدت إصرار القنوات التلفزيونية بما فيها قنوات الدولة على بث برامج الشيخ وآرائه “التي تتناقض ورؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي مثل رفضه لتنظيم الأسرة مثلاً”.
ومن نكسة 1967 إلى “انتصار” نوه عنه المخرج محمد العدل في تدوينة عبر فيها عن الوهم الذي كان واقعاً فيه من أن تقوم وزارة الثقافة بدور تنويري ينقذ الناس من التطرف والتشدد، وأضاف، “لكنى كنت مخطئاً، إذا كانت وزارة الثقافة والمسرح القومي يقدمان سيرة الشيخ الشعراوي، ماذا تركتم لوزارة الأوقاف؟ لقد كان الشعراوي على الشط (الضفة) الآخر من الفن والفنانين، وكان ضدكم وضد ثقافتكم، كان يرفضكم جميعاً، اليوم نعلن انتصار الشعراوي عليكم وعلى ثقافتكم وعلى كل تاريخ معالي وزيرة الثقافة، فهو بالتأكيد لم يكن مع الباليه أو الأوبرا أو الموسيقى (المعازف)، ولا أي فرع من فروع الثقافة، المسرح القومي يقدم سيرة من سجد شكراً على هزيمة 67، اليوم نعلن بكل ارتياح هزيمتنا ومبروك عليكم ذلك الانتصار”.
وتساءل الباحث الكاتب سامح عسكر، إن كانت مسرحية الشعراوي ستتعرض لتحريض الشيخ على قتل تارك الصلاة، وتحريم فوائد البنوك ونقل الأعضاء، وكذلك دعوته لإقامة الخلافة والغزو الإسلامي وتطبيق شريعة “طالبان” وفتاواه ضد المرأة.
صكوك الغفران
وعن فتاوى الشيخ الراحل انتفضت الإعلامية عزة مصطفى غضباً في ضوء “مسرحية الشعراوي”، وتساءلت مستنكرة، “هل ستعرضون صلاة الشكر التي صلاها لله تعالى حين انهزمت مصر في 67؟ ما الذي تريدون أن تصدروه لنا؟ ما الذي يفترض أن نصدره عبر المسرح، لا أتحدث عن غناء ورقص حتى لا يشغلني أحد (يتصيد الأخطاء)، لا أتحدث عن خواطر الشعراوي، بل فتاواه التي أصبحت متجذرة في ذهن ووجدان منطقته التي استحوذ عليها في الريف والمحافظات (قاعدته الجماهيرية)”.
وانطلاقاً من المسرحية وإيماءً إلى هذه القاعدة الجماهيرية، أعادت الكاتبة سحر الجعارة نشر مقالة لها عنوانها “الشعراوي وزير صكوك الغفران الأسبق” يعود إلى عام 2017، وذلك في إطار ردها على المسرحية، وجاء في المقالة أن “الشعراوي كان يمنح “صكوك الغفران” لمن يشاء، ويفتى بقتل من يشاء، لأن “إمام الدعاة” الذي تحول بعد وفاته إلى “شبه إله” لا يجوز نقده أو الاقتراب من ضريحه المقدس.
وكما هو متوقع تماماً، انتقضت القاعدة الجماهيرية المؤيدة والمحبة والتابعة والمريدة للشيخ الشعراوي دفاعاً عنه عبر الهجوم على كل منتقد والنيل من كل ممتنع عن المضي قدماً في مسرحية إمام الدعاة، الانتفاضة تتسم بنعت المعترضين بـ “العلمانيين” (وهي الكلمة التي يعتبرونها سبة)، و”الليبراليين” (المصنفة باعتبارها وصمة).
الطريف أنه لم تمض ساعات على إعلان قيام الفنان كمال أبو رية بدور الشعراوي، ثم تفجرت براكين غضب “التنويريين” ودفاع “الملتزمين” حتى بادر إلى إعلان “اعتذاره” عن الدور بسبب انشغاله في مسلسل آخر.
وعلى الوجه المقابل دافع الأزهر عبر مركزه العالمي للفتوى الإلكترونية عن الشعراوي، بعد تصريحات وزير الثقافة المصرية التي اعتبرت فيها الشيخ “عليه تحفظات كثيرة”، مؤكداً أنه “مثال للعالم الوسطي المستنير”.
ونشر المركز، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، السيرة الذاتية للشعراوي، مبرزاً فيها أن الراحل كان له مواقف وطنية مشرفة ضد قوى الاحتلال، وجهود موفقة في رد الشبهات عن الإسلام والقرآن ورسول الله، وتقديم ردود عقلانية ومنطقية عليها من خلال لقاءات إعلامية وميدانية مع شرائح المجتمع المختلفة، لا سيما الشباب منهم.
كما دافع مستشار الشؤون الدينية للرئيس المصري أسامة الأزهري عن الشعراوي، واصفاً إياه بأنه “باب من الرحمة” حمى المصريين “من التطرف، وأعاد جمع شملهم على تذوق القرآن”، وقال الأزهري، “في السبعينيات كنا نعاني من هجمة كبيرة وشرسة، وفي ظل هذا برز صوت عاقل وحكيم أعجب به الناس وهو صوت الشيخ الشعراوي”.
نقلاً عن “اندبندنت عربية”