كريتر نت – عربي بوست
رغم اقتراب حرب أوكرانيا من دخول عامها الثاني، لا يزال الغرب، وخاصة ألمانيا، يسعى لتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا، فكيف يمكن أن ترسل برلين دبابات ليوبارد لكييف؟
كان الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه “عملية عسكرية خاصة” بينما يصفه الغرب بأنه “غزو عدواني غير مبرر”، قد بدأ يوم 24 فبراير/شباط 2022، أي أنه يقترب من إتمام عامه الأول، ويتعرض الجيش الروسي لضغوط داخلية متصاعدة لتحقيق نجاحات في ساحة المعركة، رداً على التقدم الأوكراني، الذي بدأ منذ سبتمبر/أيلول الماضي.
ويقدم الغرب، بقيادة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، دعماً عسكرياً ضخماً لأوكرانيا، لمساعدتها على التصدي للقوات الروسية الأكثر عدداً وتسليحاً، لكن القلق من أن تتحول الحرب إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا يظل حاضراً طوال الوقت، ويتحكم إلى حد كبير في نوعيات أنظمة السلاح التي يتم إرسالها إلى كييف.
ألمانيا.. لماذا تخشى تسليم دبابات ليوبارد لأوكرانيا؟
في الوقت الذي قالت فيه مصادر غربية إن بريطانيا تدرس حالياً تزويد أوكرانيا بالدبابات لأول مرة منذ بدأت الحرب، أبدى المستشار الألماني أولاف شولتز مخاوف بلاده من إرسال دبابات إلى كييف.
فرغم إعلان ألمانيا، الأسبوع الماضي، أنها ستزود أوكرانيا بعربات قتالية من طراز ماردير، للمساعدة في صد القوات الروسية، فإن شولتز قال الإثنين، 9 يناير/كانون الثاني 2023، إنه لا يزال مقتنعاً بضرورة تنسيق تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا مع الحلفاء.
وكان المستشار الألماني يرد على تصاعد الضغوط على برلين لإرسال دبابات ليوبارد 2 إلى كييف، إذ قال شولتز، الذي شدد في كثير من الأحيان على أهمية عدم تصعيد الصراع في أوكرانيا أو إعطاء روسيا سبباً لاعتبار ألمانيا طرفاً في الحرب، إن الحلفاء الغربيين أمضوا “وقتاً طويلاً في التحضير والمناقشة والتنظيم لهذا”.
وفي تجمع لحزبه الديمقراطي الاشتراكي، قال المستشار الألماني: “لن تتحرك ألمانيا بمفردها… ستبقى ألمانيا دائماً متحدة مع أصدقائها وحلفائها… وأي شيء آخر سيكون غير مسؤول في مثل هذا الوضع الخطير”، بحسب رويترز.
تصريحات شولتز تعتبر أحدث تعبير عن المعضلة بالغة التعقيد التي يواجهها الغرب، والتي تتمثل في كيفية دعم أوكرانيا بدون تجاوز “الخطوط الحمراء” بالنسبة لروسيا وزعيمها فلاديمير بوتين، وبالتالي تفادي مواجهة مباشرة بين حلف الناتو وروسيا، حسبما يرى الكاتب والمحلل الألماني أندرياس كلوت.
ويقول كلوت، الذي رأس في السابق تحرير صحيفة “هاندلسبلات” الاقتصادية الألمانية، في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، إن هذ يطرح سؤالاً هو: كيف تتم مساعدة أوكرانيا على الانتصار بدون التسبب في اندلاع حرب عالمية ثالثة؟
وربما يبدو استمرار هذا السؤال حتى بعد مرور أكثر من 10 أشهر على اندلاع أكبر حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية غريباً لأكثر من سبب، أولها هو أن الغرب يقدم بالفعل دعماً عسكرياً واقتصادياً ولوجيستياً غير مسبوق في حجمه واستمراريته منذ بدأت الحرب، وثانيها هو أن موسكو تدرك ذلك جيداً، فالأسلحة الغربية تتدفق طوال الوقت على أوكرانيا. كما أن هذه الحرب هي في حقيقتها مواجهة غير مباشرة بين الجيش الروسي وحلف الناتو.
كيف تراجعت خطوط روسيا الحمراء؟
منذ بدأ الصراع، كان الرئيس الروسي واضحاً تماماً في تهديده بأن موسكو ستستخدم أسلحتها النووية إذا ما تدخل حلف الناتو في الحرب، فالهدف من تلك “العملية العسكرية الخاصة” هو منع الحلف العسكري الغربي من ضم أوكرانيا، وهو ما يمثل تهديداً للأمن القومي الروسي، بحسب وجهة النظر الروسية.
وتمتلك روسيا الترسانة النووية الأكبر في العالم، ليس فقط من حيث عدد الرؤوس النووية، بل أيضاً من ناحية أدوات إيصالها إلى أهدافها، سواء براً أو جواً أو بحراً، وبالتالي فإن حشر موسكو في الزاوية سيؤدي على الأرجح إلى اشتعال حرب نهاية العالم، بحسب ما يجمع عليه المسؤولون والمحللون الغربيون أنفسهم.
لهذه الأسباب، كان هناك تردد واضح من جانب الغرب في بداية الحرب في تزويد أوكرانيا بأنواع معينة من أنظمة التسليح، أو المخاطرة بإرسال طائرات إلى كييف عبر القواعد العسكرية التابعة للناتو، أو حتى الولايات المتحدة، كما حدث في قصة طائرات ميغ التي عرضت بولندا إرسالها إلى أوكرانيا لكن إدارة بايدن رفضت الأمر في نهاية المطاف.
لكن منذ سحبت روسيا قواتها من غرب أوكرانيا وتركز القتال في الأقاليم الشرقية والجنوبية، اختلفت الأمور تماماً، وتخلى الغرب عن كثير من محاذيره، وتدفقت الأسلحة الغربية المتطورة، من أنظمة دفاع جوي وذخائر ودفاعات مضادة للمدرعات والدروع وغيرها، إضافة إلى مشاركة معلومات عسكرية مهمة تسببت في تحقيق القوات الأوكرانية سلسلة من الانتصارات الميدانية الهامة.
ورغم أن بوتين كرر تهديداته النووية فإن ذلك لم يمنع تدفق المساعدات الأمريكية والأوروبية على أوكرانيا، بل استضاف بايدن نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض مؤخراً، وتمت الموافقة على منح كييف أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية الأكثر تطوراً (الباتريوت)، في مؤشر واضح على إصرار واشنطن وحلفائها على استمرار الحرب واستنزاف روسيا.
واتخذت الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا مؤخراً خطوة كبيرة إلى الأمام، حيث أعلنت الدول الثلاث أنها ستقدم للأوكرانيين أنواعاً جديدة من الدبابات. فالأمريكيون سوف يرسلون مركبات قتالية مدرعة من طراز برادلي، وسوف يقدم الألمان مركباتهم المماثلة من طراز ماردر، وسيقوم الفرنسيون بإرسال مركبات مماثلة طراز إيه إم أكس-10.
لكن وصف هذه المركبات بأنها دبابات هو وصف مطاط فنياً، فمركبات البرادلي والماردر بها أسلحة ومسارات، لكن هدفها الرئيسي هو توصيل جنود المشاة حيثما تكون هناك حاجة إليهم، ومركبات إيه إم إكس- 10 لها عجلات بدلاً من المسارات، وتقوم أساساً بجمع المعلومات الاستطلاعية، أي أنها عربات نقل جنود وليست دبابات.
لماذا يخشى الغرب إرسال دبابات حديثة لأوكرانيا؟
رغم أن أوكرانيا في حاجة ماسة لهذه المركبات، لكنها تحتاج أيضاً إلى ما يسمى بـ”دبابات المعارك الرئيسية”، مثل إم1 أبرامز الأمريكية، أوليوبارد 2 الألمانية، أو لوكلير الفرنسية. فتلك هي الوحوش الثقيلة التي تنفث النيران والتي يمكنها اختراق الخطوط الروسية واستعادة الأراضي الأوكرانية.
مركبات برادلي وماردر وإيه إم إكس- 10 قد تحقق تحولاً في ساحة الحرب، فهذه المركبات أكثر من أي أسلحة أخرى أرسلها الغرب لأوكرانيا، كما أنها تتخطى الخط الغامض ما بين المركبات الحربية الدفاعية والهجومية، وهو فارق غالباً ما تتضاءل أهميته في أرض المعركة.
وقال كلوت لموقع دويتش فيله، إن ذلك يمثل اختلافاً كبيراً في الاستراتيجية، معتبراً أن زعماء غربيين، مثل المستشار الألماني، قد أخطأوا حتى الآن فيما يتعلق بالحذر، الذي حددوه بتزويد أوكرانيا بأسلحة دفاعية فقط.
وتشمل هذه الأسلحة دبابات غيبارد الألمانية، المتخصصة في إسقاط طائرات العدو أو صواريخه أو طائراته المسيرة، وإيريس- تي وهي أيضاً منظومة دفاع جوي، وأضاف كلوت أن الأمريكيين سيقومون بإرسال منصات إطلاق صواريخ باترويت، كما سيضيف الألمان بطارية باتريوت ثانية من مخزوناتهم.
والواضح حتى الآن هو أن بوتين والرأي العام الروسي لا يعتبرون إمداد الأسلحة الدفاعية لأوكرانيا تجاوزاً للخطوط الحمراء، فمنظومة إيريس- تي للدفاع الجوي تطلق النار فقط على أهداف روسية، إذا ما بدأ الروس بإطلاق النار على المدن الأوكرانية.
أما على المستوى التكتيكي، فيتحطم الفارق بين الدفاع والهجوم، ولن تستطيع أوكرانيا تحقيق الانتصار، إذا لم يستطع الأوكرانيون نقل المعركة للعمق الروسي، وهو ما يعني عملياً تحول الصراع إلى مواجهة مباشرة بين روسيا والغرب، وهذا هو السبب الرئيسي الذي يمنع تقديم دبابات القتال الرئيسية وغيرها من الأسلحة التي تطلبها كييف.
وبالتالي فإنه من وجهة النظر الغربية، هناك شرط وحيد وهو أنه يتعين على الأوكرانيين عدم استخدام الأسلحة الغربية لشن هجوم مضاد على الأراضي الروسية، وأنه ربما يتعين عليهم كبح أنفسهم عن مهاجمة الأراضي الروسية تماماً. فإذا كان للكرملين خط أحمر يستحيل تجاوزه، فهو أن استهداف أراضي الاتحاد الروسي سيكون تجاوزاً لذلك الخط، كما تنص العقيدة النووية الروسية.
وفي هذا السياق، وعلى الرغم من أن ألمانيا أصبحت بالفعل واحدة من أكبر الداعمين العسكريين لأوكرانيا، فإن منتقدين يقولون إن شولتز والحزب الديمقراطي الاشتراكي الحاكم بطيئان للغاية، وينتظران أن يتحرك الحلفاء أولاً، بدلاً من أن تتحمل ألمانيا المسؤولية وحدها، باعتبارها القوة الغربية الأقرب إلى أوكرانيا.
وحتى الآن يقول الكرملين إن الأسلحة الجديدة التي يرسلها الغرب إلى أوكرانيا “ستعمق معاناة الشعب الأوكراني”، لكنها لن تؤثر على نتيجة الصراع. لكن السؤال هو: ماذا إذا حققت الدبابات الغربية انقلاباً في ساحة الحرب لصالح كييف؟ كيف سيكون رد بوتين؟ ومن سيكون هدف روسيا الأول؟