كريتر نت – متابعات
استجابت الحكومة المصرية على مضض لأصوات معارضة طالبتها بالتقشف لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتصاعدة، واتخذت حزمة إجراءات تستهدف إرجاء بعض المشروعات القومية، والاكتفاء باستكمال ما يتم تنفيذه لإرضاء رأي عام غاضب من أدائها العام حيث زادت المطالبة مؤخراً بإقالتها من قبل سياسيين وبرلمانيين.
وبدلا من طمأنة الشارع أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن مجموعة من القرارات التي تستهدف ترشيد الإنفاق العام، وشملت تأجيل تنفيذ أيّ مشروعات جديدة لم يتم البدء في تنفيذها ذات “مكون دولاري واضح”، في وقت يقول فيه مراقبون إن هذا التأجيل الاضطراري القلق من الحكومة سيثير قلقا أكبر.
وتضمنت القرارات التي تم الكشف عنها الاثنين، ونشرت في وقت سابق بالجريدة الرسمية، ترشيد جميع أعمال السفر المرتبطة بالجهات الحكومية والهيئات العامة والاقتصادية إلى خارج البلاد “إلا للضرورة القصوى وبعد موافقة رئيس الوزراء”.
ولا يسري هذا الترشيد على وزارات الصحة والداخلية والدفاع وديوان عام وزارة الخارجية ولا على الجهات القائمة على تدبير السلع التموينية والمواد البترولية والغاز.
وأظهر تقرير لخبراء صندوق النقد الدولي صدر الثلاثاء أن مصر التزمت بمرونة العملة ودور أكبر للقطاع الخاص ومجموعة من الإصلاحات النقدية والمالية عندما توصلت إلى اتفاق على حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع الصندوق.
ومن بين تعهدات الحكومة إبطاء وتيرة الاستثمار في المشروعات العامة، بما في ذلك المشروعات القومية، وذلك للحد من التضخم والحفاظ على العملة الأجنبية، دون تحديد المشروعات التي ستخضع لذلك.
وباتت الدوائر الرسمية مقتنعة بأن الاستمرار في الإعلان عن تلك المشروعات والتسويق لها باعتبارها من إنجازات الحكومة غير مقنع للرأي العام الذي بدأ يتوجس من أوجه الصرف عليها مع زيادة الديون الخارجية إلى معدلات غير مسبوقة، إلى جانب حاجة المواطنين إلى قرارات تخفف عن كاهلهم الأوضاع المعيشية الصعبة.
وبموجب خطاب النوايا، قالت مصر إنها ستسمح لأسعار معظم منتجات الوقود بالارتفاع حتى تتماشى مع آلية مؤشر الوقود في البلاد لتعويض التباطؤ في مثل هذه الزيادات خلال السنة المالية الماضية.
وقالت فريدة النقاش النائبة بمجلس الشيوخ عن حزب التجمع (يساري) إن استمرار الحكومة في سياساتها العامة دون النظر إلى الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد المصري وما يواجهه العالم من انكماش ملحوظ لم يعد ممكناً، لأن المواطنين رسموا صورة عامة لها بأنها “في واد وهم في واد آخر ولا تعبأ بالأزمات والمشكلات اليومية التي يتعرضون لها، ما دفع إلى ضرورة تغيير هذه الصورة عبر القرارات الأخيرة”.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن هذه الإجراءات غير كافية لتهدئة المواطنين، والوضع في حاجة إلى حوار مجتمعي يجري التوافق فيه على المشروعات ذات الأهمية القصوى التي يجب أن تستمر، على أن تشارك في الحوار مؤسسات مختلفة وتحضره الأحزاب والمجتمع المدني والنقابات، بما يساعد الحكومة على تجاوز أزمتها الحالية.
وأبدى رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات رفضه لمبدأ الاستثناء الذي ورد في القرارات، معتبراً أن الجهات المستثناة تملك أموالا ومشروعات وبعضها لا يخضع للرقابة والمحاسبة بشكل مباشر، ما يتنافى مع مبدأ العدالة في الترشيد كون الحكومة وحدة مترابطة وتتحمل بأكملها فاتورة الإصلاحات والقرارات الاقتصادية.
ودعا السادات في بيان له الثلاثاء رئيس الوزراء إلى مراجعة موقف الجهات المستثناة من قرارات الترشيد ومراعاة “حتمية تحملهم لضمان تطبيق أمثل للقرارات وعدم تراخى البعض بحجة استثناء الآخرين وحتى نضرب القدوة والمثل للشعب المصري ونبدأ بأنفسنا دون فتح أيّ مجال للاستثناءات”.
وبدت القرارات متأخرة في نظر البعض من المراقبين، وكان من الواجب اتخاذها منذ بداية العام الماضي عندما بدأت ملامح احتدام الأزمة الاقتصادية تظهر، ومع بدء تنامي مشكلات عدم توافر الدولار في السوق المحلية، وأن الاستمرار لعام كامل قد يكون أجهض جزءا من محاولات الإصلاح الاقتصادي، وفي تلك الحالة تضررت بعض المشروعات ولم تتمكن الحكومة من حل الأزمة.
وتكمن المعضلة في أن العديد من المشروعات التي بدأت بالفعل في حاجة إلى المراجعة للاستمرار فيها من عدمه، في حين أن قرارات التقشف ارتبطت بما لم يبدأ بعد، وبالتالي فأوجه الصرف على المشروعات القائمة مستمرة.
وأوضح القيادي في حزب الدستور الليبرالي خالد داوود أن الغموض يحيط بالقرارات التي اتخذها رئيس الوزراء، لأنه ليس معلوماً ما هي المشروعات القومية التي لم تبدأ وتلك التي يتم العمل بها، وما هي أوجه الإنفاق عليها، ومن وجهة نظر الكثيرين فإن بعض المشروعات التي تنفذها الحكومة “تشكل هدرا للمال العام، وقد تكون مفيدة مستقبلاً لكنها حاليا في حاجة إلى المراجعة”.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن حديث الحكومة عن التقشف والقيام بتحركات عكس ذلك قد يُرسل إشارات متعارضة، وإذا كانت جادة في توجهها عليها وقف كافة مظاهر البذخ، ووقف زيادة الاستثناءات التي تفرّغ جهودها من مضمونها، ومع ذلك فالخطوة أفضل من لا شيء، وتؤكد على صواب ما تذهب إليه المعارضة.
وأكد داوود أن الحكومة مضطرة لاتخاذ مثل هذه القرارات لأن التوسع في المشروعات القومية لا تقابله زيادة في رؤوس الأموال والاستثمارات التي تعوض ما يتم صرفه عليها، حيث تأثرت مصر كثيرا من الأزمة الاقتصادية العالمية التي تقود إلى الانكماش، كما أن عدم القدرة على تحديد سعر ثابت لصرف الدولار منذ شهر مارس الماضي جعل المستثمرين يفكرون جيدا قبل ضخ أموالهم في السوق المصرية.
وتناولت خطة ترشيد الإنفاق التي أعلنت عنها الحكومة المصرية حظر الصرف على الخدمات الاجتماعية والرياضية لغير العاملين والإعانات لمراكز الشباب، وحظر صرف المنح التدريبية والمنح الدراسية في الداخل أو الخارج والجوائز والأوسمة.
وتسري أحكام القرارات الجديدة على كافة موازنات الجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة، سواء الجهاز الإداري أو الإدارة المحلية، والهيئات العامة الخدمية، والهيئات العامة الاقتصادية، حتى نهاية يونيو المقبل.