على حافة الانهيار، تتواصل الجهود الأممية لإنقاذ اتفاق السويد للسلام في اليمن، بعد سلسلة تعثرات، آلت إلى عدم تطبيق فعلي على الأرض لأي من بنود الاتفاق الذي ألقى اليمنيون بآمال كبيرة عليه لإحلال الاستقرار المفقود منذ 4 سنوات.
بندان رئيسان: الأول انسحاب الحوثيين من مدينة الحديدة وتسليمها لإشراف قوة أممية، والثاني عقد صفقة لتبادل الأسرى. البند الأول جاء لتحييد مدينة الحديدة عن خيار حرب مدمرة بين الحوثيين والقوات الحكومية، والبند الثاني لترطيب الأجواء بين أطراف الصراع تمهيدًا لاتفاق سلام شامل يقوم على مراحل أخرى من الاتفاقات.
لكن هذين البندين لم يطبقا حتى الآن؛ فلم ينسحب الحوثيون، ولم تحدث صفقة تبادل، وبات الاتفاق بأكمله على المحك.
التوقف عن الحوارات يعني الانهيار، ولهذا تواصل الأمم المتحدة عبر مبعوثها للسلام في اليمن مارتن غريفيث التشبث بخيط اتفاق السويد بعدما خُيّل لليمنيين أنه جسر السلام الشامل.
داخل سفينة في عرض البحر، وفي العاصمة الأردنية عمان، جولتان جديدتان من الحوارات لتنفيذ البندين الرئيسين في اتفاق السويد.
جولة الأردن: هل هي الأخيرة؟
تنعقد، الثلاثاء، أولى جلسات الحوار بين الحوثيين والحكومة اليمنية، حول ملف اتفاق تبادل الأسرى.
وقال بيان صادر عن الأمم المتحدة: “إن اللجنة الإشرافية المعنية بمتابعة تنفيذ اتفاق الأسرى ستجتمع في عمان، وتضم ممثلين عن حكومة اليمن وعن الحوثيين، برئاسة مشتركة من مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن واللجنة الدولية للصليب الأحمر”.
ومن المقرر أن يشارك كل من المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، ورئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بيتر مورير، في جانب من اليوم الأول لاجتماعات اللجنة، وفقًا للبيان.
وأوضح البيان أنه “خلال هذه الجولة من الاجتماعات الفنية، ستقوم اللجنة الإشرافية المعنية بمتابعة تنفيذ اتفاق الأسرى بمناقشة الخطوات المتخذة من الأطراف للوصول لقوائم الأسرى النهائية؛ للمضي قدمًا لتنفيذ الاتفاق”.
وقال غريفيث، إن الاجتماع -الذي يستمر ليومين- يهدف إلى “وضع اللمسات الأخيرة على قائمة السجناء والمعتقلين الذين سيطلق سراحهم”.
ونقلت قناة الحدث عن مصادر أن الاجتماع سيبحث تبادل كشوف بأسماء نحو 2000 معتقل وأسير، بينهم 600 أسير حوثي لدى الحكومة الشرعية جرى تأكيد وجودهم، إضافة إلى 1200 معتقل وأسير لدى ميليشيا الحوثي، وذلك تمهيدًا للإفراج عنهم خلال الأيام القادمة، فيما ستحال بقية الأسماء التي لم يجر التأكد منها إلى لجنتي تبادل الجثامين والبحث عن المفقودين، وذلك بعد جولة أولى عقدت في 16 يناير/كانون الثاني في الأردن أيضًا.
إلا أن الأمور لن تجري بسهولة كما يبدو، بل على العكس يتوقع أن تكون المباحثات معقدة، وخيارات الفشل فيها حاضرة بقوة.
وقال مسؤول بارز في اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن الخلافات حاضرة بشأن القوائم المقدمة.
وجاء على لسان دومينيك ستيلهارت، مدير العمليات في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن ثمة مشكلة أساسية تتمثل في أن كلًا من الجانبين شكك في القائمة المقدمة من الطرف الآخر.
ويرى مراقبون أنه في حال فشل الجولة الأردنية، فإن ذلك سينعكس بشكل مباشر على اتفاق الانسحاب من الحديدة، المتعثر أصلًا، في ظل انعقاد المباحثات داخل سفينة في عرض البحر، بسبب منع الحوثيين دخول هيئة الإشراف الأممي إلى المدينة.
جولة السفينة
وبالتزامن مع جولة الأردن، تجري مباحثات بين الحوثيين وممثلي الحكومة اليمنية على متن سفينة في عرض البحر الأحمر قبالة ميناء الحديدة، في حين كان من المفترض أن تجري داخل الميناء الذي كان يجب أن يكون تحت سيطرة أممية بموجب الاتفاق، لكن الحوثيين يرفضون تسليمه.
وتبحث الجولة مسألة إعادة الانتشار الأممي داخل مدينة الحديدة ومينائها لتنفيذ خطة إنسانية في المدينة المدمرة وباقي المدن، كون الميناء يشكل أبرز مدخل للمساعدات القادمة لليمن، إلا أن السيطرة الحوثية جعلته ممرًا للسلاح، حسب الحكومة اليمنية وقوات التحالف العربي.
ويرى مراقبون أن المماطلة الحوثية في الانسحاب ستستمر، الأمر الذي يهدد بانهيار الاتفاق والعودة لخيار القتال.
ويرجع المراقبون هذا الرفض الحوثي إلى مناورة سياسية تهدف لاستخدام ورقة الانسحاب في تمرير اتفاق شامل يسمح ببقاء سيطرة الحوثيين على المحافظات الشمالية، في وقت كان من المقرر أن تتبع اتفاق الحديدة مباحثات للسلام الشامل، وكان من الممكن أن تمهد لعودة الحكومة لتسلم زمام الإدارة في البلاد، كون السيطرة الحوثية جاءت عبر انقلاب عسكري.
وبحسب مراقبين، فإن استمرار الحرب في اليمن سيكلف البلد المنكوب الكثير؛ إذ سلط مشروع برنامج “ACLED” الدولي، المتخصص بجمع بيانات مناطق النزاع حول العالم وتحليلها، الضوء على تأثير الألغام الحوثية في السكان المدنيين في اليمن.
وتؤكد بعض التقديرات التي أوردها المشروع أن الحوثيين زرعوا أكثر من مليون لغم أرضي، منذ بدء الحرب، ما جعل اليمن “أكبر دولة ملغومة”، منذ الحرب العالمية الثانية.
ووثق “ACLED” مقتل 267 مدنيًا بفعل الألغام الحوثية في 140 حالة جرى الإبلاغ عنها منذ العام 2016، وهذا الرقم يشمل الأسماء المسجلة رسميًا فقط. وتشير التقديرات إلى أن عدد المقتولين بفعل الألغام يتجاوز 920 مدنيًا، فضلًا عن آلاف الجرحى.
وازدادت حدة الانفجارات الناجمة عن الألغام الحوثية منذ بدء تحالف من القوات اليمنية المشتركة بحملة عسكرية في محافظة الحديدة الغربية، التي وقع فيها حوالي 60% من مجموع الوفيات المدنية المرتبطة بالألغام التي زرعها الحوثيون في عام 2018. كما ازدادت حوادث الألغام تدريجيًا خلال العام الماضي، وبلغت ذروتها في ديسمبر/كانون الأول 2018 ويناير/كانون الثاني 2019، هما الشهران الأكثر دموية منذ أن بدأ “ACLED” بتوثيق أحداث العنف في اليمن.
المصدر / صحيفة اليوم الثامن