كريتر نت / القدس العربي
اشتغل كتاب «ديانة اليمن السرية ـ ألوهية الحكيم الفلاح في الموروث الشعبي»، الصادر مؤخراً عن «أروقة للنشر» في القاهرة للكاتب والباحث اليمني أحمد العرامي، على الأدب الشعبي الزراعي اليمني المتداول شفاهاً وبالتواتر عبر أجيال، ويقارن هذا الأدب مع أدب زراعي مفترض يعود لما قبل الإسلام.
ويقول المؤلف إن «أهمية ذلك تكمن في كونه يردم فجوة معرفتنا بأدب اليمن القديم الذي لم يصلنا من خلال النقوش ومصادر تاريخ اليمن القديم المعروفة… ويردم ذلك من خلال الاشتغال على الثقافة الشفاهية، كأحد المصادر التي لم يتم الاشتغال عليها سابقاً».
وارتكزت دراسة الكتاب، الصادر في أكثر من 400 صفحة، على فرضية أن ما يتناقله اليمنيون، بإعجاب وتقدير استثنائيين، عبر أجيال من أقوال متصلة بالزراعة وشؤون الحياة، وتُنسب لمن يعرفون في الأوساط اليمنية بالحكماء الزراعيين، إنما هي أصداء لأدب زراعي ديني يعود لما قبل الإسلام. ووفق الدراسة فإن أولئك الحكماء وغيرهم أمثال (علي ولد زايد، والحُميد بن منصور، وشرقة بن أحمد، وأبو عامر، وحزام الشبثي، وسعد السويني) ليسوا سوى شخصيات أسطورية.
وحسب الكتاب فإن «ما يُنسب إلى هؤلاء إنما هو أصداء لملاحم دينية زراعية تفككت، أما شخصياتهم فإنما هي بقايا أو ظلال لشخصيات آلهة أو أنبياء أسطوريين زراعيين تنكروا». وتعد ظاهرة «الحكيم الفلاح» أو الحكماء الزراعيين من أبرز ظواهر الأدب الزراعي في الثقافة الشعبية في اليمن، وفق الكتاب. وأشار العرامي إلى أن «فرضية وجود أدب زراعي يمني قديم من شأنها أن تدعو إلى إعادة النظر في الفكرة السائدة حول اقتصار الأدب العربي القديم على ما عُرف بالجاهلية مكانياً وزمانياً. كما من شأن استمرار أدب يمني قديم وعلى هذا النحو شفاهياً وحتى أيامنا هذه أن يمثل نموذجاً لمقاومة الثقافة الشعبية لأنساق الهيمنة».
وتوزعت الدراسة «في ثلاثة فصول بدءاً من قراءة النصوص من الناحية الأسلوبية والرمزية ودلالاتها الاجتماعية، ومن ثم مقارنتها من خلال افتراض علاقة المناقضة بين طابعها الزراعي والأدب العربي الكلاسيكي (الجاهلي) ذي الطابع البدوي ومقارنتها، أيضاً، بما وصل إلينا من نماذج أدبية من اليمن القديم أو نماذج أخرى من ثقافة الشرق والغرب القديمين».
وبخصوص فكرة الكتاب يوضح أحمد العرامي أنها جاءت في إطار اهتمامه بشكل عام بالثقافة الشعبية،» لكن قضائي وقتا طويلا في دراسة هذه الظاهرة والتفكير فيها انطلاقاً من سؤال معرفي محض يبحث عن أصولها وطبيعتها ووظيفتها الاجتماعية ودلالاتها الأدبية أوصلني إلى هذه الفرضية وعليه فقد قمت بدراستها وبمنهح تكاملي يستعين بالمقاربة والمقارنة والتحليل».
الكتاب يمثل فاتحة علمية في مجاله على مستوى اليمن، وبقدر ما يثير من أسئلة فهو يفتح الطريق لدراسات أخرى تنطلق من رؤى واعية وضمن منهجية تبحث عن إجابات لأسئلتها ضمن سلسلة لا تنفك في إطار تفكيك تراث غني في الثقافة الشعبية… كما يمثل دعوة لاتجاه علمي واضح يُعيد دراسة التراث الشعبي وفق أسئلة وفرضيات ومنهجية تمثل نتائجها إضافات وفتوحات جديدة.