كريتر نت / كتب – محمد علي محسن
ما يحسب للقس الألماني لوثر كنج ، هو أن حركته الإصلاحية الدينية ، حررت شعوب كاثرة في أوروبا المسيحية ، من اضطهاد وهيمنة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وكهنتها الثيوقراطيين المتسلطين على رؤوس العباد .
فسبب احتكار الكهنة لحق الشعوب المسيحية في الإيمان وحتى التوبة والغفران ، وفي احتكارها للحق الإلهي المطلق ، والتحدث انابة عنه ، ومقاومة الأفكار الداعية للتحرر والانعتاق من التبعية العمياء ؛ ظلت تلك المجتمعات قابعة في دياجير تخلفها وفقرها وبؤسها وتناحرها الطائفي ..
قد يسأل احدكم : ماذا فعل القس كي يخرج شعوب أوروبا من ظلام الجهل والتخلف والتبعية ؟ الإجابة : لم يشغل ذهنه وجهده كثيراً في إصلاح الاخلاق والسلوك الحياتي ، وانما ركز طاقته في إصلاح العقيدة الفاسدة .
فبرغم تأثره بشخصيات دينية سبقته في مضمار البحث والتعليم إلَّا أنه مع ذلك لم يقلدهم أو يجاريهم ، فهؤلاء تم اعدامهم ولمجرد أنهم خالفوا الكنيسة وكهنتها .
إما القس لوثر فذهب في دعوته إلى أبعد من نقد السلوكيات ، إذ دعا صراحة لأن المعضلة كامنة في صلب العقيدة المسيحية التي تعرضت طوال قرون لأبشع تشويه ، ما يتوجب التصحيح لمجمل الطقوس والاعتقادات الخاطئة ..
ومن هنا بالضبط ولدت حركة الإصلاح ، معلنة وبدءاً من منتصف القرن السادس عشر ، ميلاد عصر النهضة الأوربية التي مازالت مهيمنة وكائنة الى اللحظة ..
نعم، البروستانتية كمذهب مغال ومتزمت الآن في تأويله للنص المقدس ، كان في جوهره مذهباً وسطياً يحسب له انقاذ أوروبا من صراعات رجال الدين ومن افهامهم وممارساتهم وتاويلاتهم الخاطئة المنتهكة لروح العلاقة بين الإنسان وخالقه .
طبعاً ، ما كانت حركة لوثر كنج ستنجح لولا فضل دعاة سبقوه ، ولولا ان دعوته أثَّرت ببعض الأمراء والقادة الذين قدر لهم حماية صاحب الدعوة ، ورفض تلك الأوامر الصادرة من الملك شارل الخامس ، الذي في نهاية المطاف رضخ للواقع معلناً استقلالية تلك الأقاليم الألمانية عن ارتباطها بروما وكنيستها المسيطرة قروناً ..
نعم ، سحقت تلك الحركة عسكريا فيما بعد وعقب وفاة قائدها ، وبرغم ما حدث لها من نكسة بقت الحركة حيَّة ، كما وقدر لها الانتشار في عموم الأقطار المسيحية ،والفضل في ذلك للأفكار الإصلاحية الثورية المناهضة للعبودية والاستغلال البشع للمقدس .
فمن أهم مبادئ الحركة اللوثرية الإصلاحية هي تلك الحقوق الأساسية المتمثلة ، بحق الإنسان في الحياة ، والحرية ، والاعتقاد ، فهذه الثلاثة المبادئ يحسب لها نهضة أوروبا صناعياً واقتصاديا وعلمياً وحضارياً ، وتبديل وجهة مجتمعاتها كلياً ، وصولاً للصورة المشاهدة اليوم في أوروبا وامريكا واستراليا ..
شخصياً ، أرى أن كثيراً من تخلفنا ومآسينا مرده استخدام المقدس ، وبشكل فج وبشع ومنتهك لرسالة السماء التي جوهرها الأساس تحقيق العدالة بين البشر ، على اعتبار أن المساواة من الله بينما التمييز صناعة بشرية دنيوية .
السؤال الملح الان هو : هل مجتمعاتنا العربية والإسلامية إزاء حالة مكررة عاشتها المجتمعات الأوروبية أم أن تخلفنا لا علاقة له البتة بالدين وتفسيراته وتأويلاته وحتى صراعات طوائفه المتناحرة حتى اللحظة ؟ ..