كريتر نت – متابعات
في أكتوبر الماضي وعلى هامش مؤتمر الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، قال ما شاو شو نائب وزير الخارجية الصيني إن “الاستعداد للقتال هو سمة روحية للدبلوماسية الصينية”.
وقد تردد صدى حديثه لأنه جاء بعد مرور أيام قليلة على اشتباك عناصر الأمن مع محتجين أمام قنصلية الصين بمدينة مانشستر البريطانية في تصرف غير دبلوماسي، ليمثل إشارة جديدة إلى تزايد النزعة العدوانية للصين على الصعيد الدولي.
ولكن يبدو أن الأمور تغيرت في الصين، وأصبح هناك ميل واضح إلى تبني مواقف تصالحية. ففي خطابه بمناسبة السنة القمرية الجديدة تخلى الرئيس الصيني شي جين بينغ عن اللهجة العدائية العنيفة، عندما أشار إلى تايوان بالقول “الناس على جانبي مضيق تايوان أعضاء في عائلة واحدة”.
أما وزير الخارجية المعين شين جانغ فقال في مقال وداعي نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية بمناسبة انتهاء عمله كسفير لبلاده في الولايات المتحدة إن العالم “واسع بما يكفي لكي تنمو وتزدهر فيه الصين والولايات المتحدة”. كما تم إبعاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصيني شاو ليغيان المعروف بتصريحاته المتشددة عن منصبه الرفيع.
وتساءلت المحللة والكاتبة الأميركية كلارا ماركيز عما إذا كان في مقدور الصين أن تحقق تقدما في تعديل سياستها الخارجية والذي تحتاجه بشدة لتعزيز النمو الاقتصادي المطلوب؟
لقد كانت دبلوماسية الذئب المحارب السمة المميزة للسياسة الخارجية الصينية خلال السنوات الأخيرة. وهي تناسب التحسن في القدرات الاقتصادية والعسكرية، والأكثر أهمية أنها تناسب سياسات شي الداخلية القوية، بما في ذلك أسلوبه في التعامل مع هونغ كونغ وطموحاته في التجديد الوطني.
ولم تعد الصين تشعر بأنها ملزمة بمقولة الزعيم الصيني الراحل دينغ سياو بنغ “اخف قدراتك واختبر وقتك”؛ فالفيل لا يستطيع الاختفاء خلف شجيرة كما قالت صحيفة “الشعب” اليومية الحكومية في الصين ذات مرة.
وخلال السنوات الماضية كانت انفجارات الغضب الشخصي وخوض المعارك عبر الإنترنت سمة واضحة للدبلوماسية الصينية. وكان الدبلوماسيون الصينيون يرون في كل حادث فرصة أو مباراة لمغازلة الحشود في الداخل. كانت هناك ثقة مفرطة في قدرات الصين وإيمان راسخ بتحلل الغرب، عززتهما المواجهة مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وجائحة كورونا.
وكان شاو المتحدث باسم الخارجية “ذئبا محاربا” على موقع تويتر. وتبنى آخرون مواقف أشد صلابة حيث قال غوي كونغيون سفير الصين لدى السويد عام 2019 “نقدم لأصدقائنا النبيذ الفاخر … لكن لأعدائنا لدينا البنادق”.
لكن المشكلة بحسب كلارا ماركيز أن دبلوماسية الذئاب المحاربة لم تنجح، بالعكس كانت لها تداعياتها السلبية على الصين. فالنمو الاقتصادي والسياسة الخارجية العدوانية للصين حققا بالفعل بعض النفوذ لكنهما خلقا الكثير من الأعداء. ومحاولات التغطية خلال الأيام الأولى لجائحة كورونا لم تساعد الصين كثيرا.
هذا التأرجح في السياسة الخارجية الصينية ليس جديدا؛ لكن السؤال هو إلى أي مدى سيصل تأرجح السياسة الخارجية الصينية خلال العام الحالي وما بعده؟
وتقول ماركيز إنه في ربيع 2020 تردد أن معهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة -وهو مركز بحثي تابع لأعلى جهاز مخابرات في الصين- قدم تقريرا إلى كبار القادة يشير إلى وصول مشاعر العداء للصين في العالم إلى أعلى مستوياتها منذ مذبحة ميدان السلام السماوي (تيانانمن) عام 1989.
وأشارت نتائج استطلاع رأي لمعهد بيو الأميركي إلى حقيقة مماثلة. وتدهورت العلاقات الصينية – الأوروبية، خاصة بعد الدعم الضمني الصيني للغزو الروسي لأوكرانيا، الأمر الذي بدد ثقة الأوروبيين في بكين. كما دخلت معظم دول آسيا المجاورة في ترتيبات وتحالفات أمنية مناهضة للصين التي حاولت كثيرا تجنب هذه السيناريوهات.
لذلك تبدو الصين كأنها قررت المضي في مسار تصحيحي لسياستها الخارجية. ولا يوجد تفسير واضح لإبعاد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المتشدد شاو عن منصبه. لكن التحركات الأخيرة تقول إن بكين تسعى لاستعادة النبرة التصالحية على الصعيد العالمي، بما في ذلك رفع القيود على حركة السفر واللقاء التصالحي بين شي ونظيره الأميركي جو بايدن على هامش قمة مجموعة العشرين في منتجع بالي الإندونيسي والزيارة المنتظرة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بكين.
وهذا التأرجح في السياسة الخارجية الصينية ليس جديدا؛ ففي عام 1972 التقى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ مع الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون بعد الثورة الثقافية أو الانفتاح الاقتصادي في ظل قيادة آخرين مثل جيانغ زيمين وهو خينتاو بعد مذبحة تيانانمن، والأزمة التي فجرها سقوط الشيوعية في أوروبا. لكن السؤال هو إلى أي مدى سيصل تأرجح السياسة الخارجية الصينية خلال العام الحالي وما بعده؟
تقول ماركيز إن المتوقع حدوث تغيير في لهجة بكين وليس في رسالتها. وكما بدأ شي ولايته الثالثة، ستكون النزعة القومية أكثر مركزية في سياساته.ولن يكون هناك تغيير بالنسبة إلى تايوان، ولا رفض واضحا لسياسات موسكو. كما أن الكثير من الذئاب المحاربة مازالت موجودة، لكنها مقيدة.