ماهر فرغلي
كاتب مصري
لا تنتهي معارك التيار السلفي المدخلي البينية بين مشايخه وتلاميذه وفرقه المختلفة، من منطلق مفهوم الجماعة المسلمة، والحاكم المتغلب والخوارج المبتدعة في الدين، لتصل إلى التكفير والتفسيق والتبديع والمنابزة، وهي الاسم الخاص الذي يطلقونه على خصومهم، ومن أمثلة ذلك ما دار بين (الحجورية) نسبة إلى يحيى الحجوري، و(الحدادية) نسبة إلى محمود حداد، الذي اختلف مع (الرسلانيين) التابعين للشيخ سعيد رسلان، ثم المعارك التي جرت بينهم في اليمن وليبيا، ووصلت إلى القتال المسلح.
معركة المارقين
يُصنّف أتباع المدخلية مخالفيهم، ويبدعونهم دائماً، ويتهمونهم بالضحالة الشرعية، ومن أهم المعارك التي وقعت بين رموز هذا التيار في هذا المضمار، هي ما بين فالح بن نافع الحربي، وربيع بن هادي المدخلي، رغم أنّ الثاني هو أستاذ الأول، وبقي الأول ملازماً له عدة أعوام، وألّف كتاباً عنه هو (صدُّ العدوان الشَّنيع عن فضيلة العلامة الشّيخ ربيع)، ثم انشقّ عنه بعد (30) عاماً من اتّباعه، وبدأ بمهاجمته، وألف عدة كتب للردّ عليه؛ منها (الصارم المصقول لمقارعة الصيال على الأصول)، و(القول الجلي في كشف إرجاء المدخلي)، و(النقض المثالي في فضح مذهب ربيع المدخلي الاعتزالي)، قال فيه: “إنّه يتكلم بلا علم، ولم يلتزم نصوص الشرع، أو يرجع إلى أصول الدين وقواعده العظيمة المتينة، إنّه الذي ضلّ وأضلّ وفُتن وفَتن، وما يزال يفتح أبواب الشر والفتنة، ويوقع الناس في الشك والالتباس في أصول دينهم، فضلاً عن الفروع، وهو إمّا أنّه يفعل ذلك عن سوء اعتقاد وجهل، وإمّا لاختلال عقل وخرف”، وكلّ ذلك بسبب رأيه في الشيخ المصري سعيد رسلان.
*لقد شملت المعارك في التيار المدخلي، ليس المكان الذي تأسس فيه فقط، بل الوطن العربي كله، وكانت هناك معركة كبيرة مع “الفركوسية” بالجزائر*
كان فوزي المدخلي الأثري البحريني أيضاً مقرّباً من ربيع المدخلي، وموافقاً له في المنهج، ثم انقلب عليه بسبب قضية تم استدعاؤها من القرون الوسطى الهجرية، وهي (الأسماء والصفات)، وكتب مجموعة من الردود فيها بيان فساد اعتقاده ومنهجه، ومنها كتابه (انقضاض أسد الغابة لنهش المدخلي لطعنه في الصحابة)، وكل ذلك لأنّه ارتأى أنّه زاغ عن منهج السلف، وجهل بتوحيد الأسماء والصفات، ووافق المعطلة من الجهمية والأشاعرة والمعتزلة.
الشيخ سعيد رسلان
كما كتب كتاباً أطلق عليه (السيوف المسلولة المكللة لقطع دابر ربيع المدخلي لتعطيله صفة الهرولة)، وآخر بعنوان: (نصب الهجاء لقمع الفرقة الربيعية الحدادية الداعية إلى الإرجاء)، والأخير بعنوان (كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات ربيع المدخلي الموصوف زوراً بالعلّامة)، وهذا ما حدا بالشيخ ربيع بن هادي المدخلي بتأليف كتاب أطلق عليه: (كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي المدخلي الموصوف زوراً بالأثري).
معركة الحجورية
من أهم المعارك في التيار المدخلي معركة (الحجورية)، نسبة إلى يحيى الحجوري اليمني المدخلي، وقد بدأت حين قام زعيم التيار ربيع المدخلي بتبديع نائبه السابق في اليمن يحيى الحجوري، مطالباً أتباعه بفراقه، وحدثت واقعة غريبة أفردت لها المنتديات السلفية الحديث، حين رفض أحد الأخوين أن يتّبع ربيع المدخلي، وأن يقول بقوله ويبدّع الحجوري، فأوصاه المداخلة بهجر أخيه لأنّه صار مبتدعاً، وهجر الأخ أخاه، ولم يراع فيه أمّه، وكان يخرج عندما يأتي أخوه لزيارة أمّه، ولا يقبل أن يبقى معه تحت سقف واحد، ولا يرضى أن يكون معه في دار، حتى أتى أمر الله، وتوفي الأخ المهجور، ورفض أخوه الصلاة عليه وحضور جنازته، وحتى قبول التعزية فيه.
وكذلك قام ربيع بن هادي المدخلي بتبديع محمد بن هادي المدخلي، وقال عنه إنّ الجمهور انفضوا عنه بسبب هذا التبديع، فما كان من أتباع محمد بن هادي إلّا أن قاموا بتصوير فيديو يحوي محاضرة لشيخهم والجمهور يملأ المسجد!، فردّ عليهم أتباع ربيع بتبديعهم لأنّهم ارتكبوا حرمة التصوير.
ومن الأمور اللافتة أنّ تلاميذ الشيخ يحيى الحجوري اعتمدوا ما يطلق عليه امتحان الأشخاص بالأشخاص؛ أي قياس نسبة انتمائهم إلى منهج الفرقة الناجية بمدى قربهم من رموز التيار، سواء كان الباعث على ذلك العداوة مع الشخص الذي يقاس عليه الحال، من التيارات المخالفة للحجورية، أو الإطراء على المنتسبين أو الموافقين لمنهجهم، ويجعلون ذلك معياراً لما يطلق عليه التجريح أو التبديع والتحذير، وهو ما يمكن أن تراه في المساجلات الفكرية بينهم على مواقعهم ومنتدياتهم التي لا تخلو من السباب.
*تشتهر الحدادية باتهام العلماء بالجهل وتحقيرهم ورميهم بأنّهم أصحاب ضلال، وامتدّ ذلك من وصف العلماء المعاصرين إلى الطعن في رموز التيار السلفي نفسه*
ويكون الامتحان بوضع شخص من العلماء مقياساً للصحة، كما هو الحال في وضع الحجوري، فإذا كنت موافقاً لرأيه ومنهجه، كنت من الفائزين بدخول الفرقة الناجية، وإذا كانت ميولك لشيخ آخر من معارضيه، خرجت من هذه الدائرة، وصرت من المبتدعة، وهو ما اتضح في معركته مع تلاميذ الشيخ ربيع، أو حينما بدأت الردود عليه من الجزائر بعدما بدأ في تحريم الدراسة في الجامعات الإسلامية، ومنها الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، التي قال عنها: “أمّا الآن، فالجامعة الإسلامية جامعة حزبية، ولهذا توقفنا، وتركنا أن نزكي إليها، حرام إعانة الطلاب على المنكر وعلى الحزبية”.
وبسبب هذه المعارك المتواصلة تفتتت الحجورية إلى أكثر من (14) فرقة، أبرزها فرقة عبدالرحمن العدني الذي وقعت بينه وبين الحجوري ملاسنات أقلها التبديع، وكذلك أيضاً خالد الغرياني صاحب شبكة العلوم.
معركة الحدادية
ومن أكبر المعارك بين أتباع المدخلية معركة الحدادية، نسبة إلى محمود المصري الحدادي، من مصر، وهو الذي انقلب على شيخه سعيد رسلان، أحد أقطاب المداخلة، واعتبره من “أهل البدع”، وهو أكثر المصطلحات التي يستخدمها أتباع هذا التيار الذي تخصص في الجرح والتعديل على علماء السلف والخلف.
*وصل الحال ببعض الغلاة من هذا التيار إلى حرق كتاب فتح الباري بسبب عدد يسير من مخالفات ابن حجر لمنهج السلف*
يقول الصحفي المختص في السلفية المدخلية محمد يسري في مقال له: إنّه رغم الأصول السلفية للحدادية إلّا أنّهم يتميزون بالغلو في ضوابط علم “الجرح والتعديل”، وهو أحد علوم الحديث التي تبحث في معرفة أحوال الرجال من الرواة ونحوهم، وتشددوا في تطبيقه على علماء السلف خاصة المعاصرين، وامتدّ تطبيق هذا الغلو إلى الإمام ابن حجر العسقلاني صاحب كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ووصل الحال ببعض الغلاة من هذا التيار إلى حرق كتاب فتح الباري، بسبب عدد يسير من مخالفات ابن حجر لمنهج السلف، والقول بآراء الأشاعرة في عدد من المسائل التي لا تتجاوز (20) ورقة من المؤلف الكبير.
ويشتهر الحدادية باتهام العلماء بالجهل وتحقيرهم ورميهم بأنّهم أصحاب ضلال، وامتدّ ذلك من وصف العلماء المعاصرين إلى الطعن في رموز التيار السلفي نفسه كابن أبي العز الحنفي شارح العقيدة الطحاوية، وابن القيم، وابن تيمية، وغيرهم، وردّ عليهم أتباع التيار في رسالة بعنوان “النصائح المنيفة للردّ على الحدادية الطاعنين في أبي حنيفة”.
*تلاميذ الشيخ يحيى الحجوري اعتمدوا ما يطلق عليه امتحان الأشخاص بالأشخاص، أي قياس نسبة انتمائهم إلى منهج الفرقة الناجية*
وقد تصدى زعيم “الرسلانية” محمد سعيد رسلان للردّ عليهم في محاضرته “اللوازم الشداد في الرد على محمود الحداد”، وكتب ربيع المدخلي رسالة بعنوان “الفرق بين الحدادية والسلفية”.
وصل الحال بأتباع هذا التيار في وصف كل من يعارضهم أنّه من “الحدادية”، فاعتبر هشام البيلي الشيخ رسلان أنّه من هذه الطائفة، وردّ الأخير عليه في إصدار مرئي بعنوان: “الكذب والبهتان في كشف كذب البيلي الحدادي الجبان”.
وقد انتقلت المعارك إلى مواقع التواصل الاجتماعي “أنا السلفي”، و”منتدى السحاب”، و”منتدى أهل الحديث السلفية”، وغيرها من المواقع الأخرى.
معركة الفركوسية
لقد شملت المعارك في التيار المدخلي ليس المكان الذي تأسس فيه فقط، بل الوطن العربي كله، وكانت هناك معركة كبيرة مع “الفركوسية”، نسبة إلى الجزائري الشيخ علي فركوس، الذي أثار الجدل بعد فتوى نشرها ضمن “كلمته الشهرية” أواخر كانون الثاني (يناير) 2018، فاجأ فيها كثيرين بإقصاء مجموعات إسلامية عديدة من نطاق أهل السنّة والجماعة.
هاجم فركوس الشيخ ربيع المدخلي، وفي المقابل اعتبره أتباع هذا التيار زعيماً من زعماء الحدادية، ممّا دعاه للاستقالة.
أثار الشيخ “فركوس” الجدل بفتاوى كثيرة غريبة، منها فتواه الشهيرة بتحريم “الزلابية” عشية رمضان العام 2008، التي اضطر إلى نفيها بفتوى أخرى، وأفتى بعدم جواز أكل أيّ مادة بها “ملوّن” أحمر، بسبب ما قال إنّها مادة مصنوعة من مسحوق الخنافس.
الأهم أنّه أخرج جماعات سلفية كثيرة من أهل السنّة، وقال في فتواه: “إطلاق مصطلح أهل السنّة، بالمعنى الخاص، فإنّما يراد به ما يقابل أهل البدع والأهواء، فلا يدخل في مفهوم أهل السنّة، إلا من يثبت الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنّة، دون أصحاب المقالات المحدثة من أهل الأهواء والبدع”.
في الختام، لن تهدأ أو تنتهي المعارك البينية بين أتباع التيار المدخلي؛ إذ إنّ أساس منهجهم هو تبديع الآخرين، ورفض احترام المذاهب الأخرى، وتكفير الفرق الإسلامية والصوفية، وتحريم الحزبية والديمقراطية، رغم أنّهم يدّعون أنّهم أتباع السلف، وهم أبعد الناس عن منهج السلف، وينبذون التعصب وهم أشد الناس تعصباً، وينبذون الحزبية وهم أشد الأحزاب تحزباً، ويدَّعون اتّباع الكتاب والسنّة، وهم يتبعون أشخاصاً لا يخرجون عن فتاواهم قيد أنملة.
المصدر حفريات