حميدة أبو هميلة
لا أحد يعرف متى ستأتي اللعنة على وجه التحديد، وكيف سيكون التحول من النقيض إلى النقيض، من حياة لامعة ومسيرة حافلة محط أنظار الجميع إلى البؤس التام والغرق والضياع، فحينما يكون هناك لاعب شهير أو ممثل معروف ومحاط بالأضواء،
والفرص تأتيه من كل حدب وصوب والتألق حليفه، ثم يدير ظهره لكل هذا ويختار طريق اللاعودة، يكون الأمر محيراً ومربكاً للمتابعين والمراقبين، بينما يمتلك صاحب الشأن مبرراته دوماً، التي قادته من أعلى قمة النجاح إلى حياة حزينة معدمة لا يتمناها أحد.
لكن، في كل الأحوال تتحول نظرات الإعجاب والدهشة إلى شفقة وصدمة، وبحر من الأسئلة التي لا تنتهي، بخاصة أن النجوم المعروفين حينما يصل بهم الوضع إلى تلك المأسوية يفضلون دوماً إلقاء اللوم على غيرهم، وعلى ظروف خارجة عن إرادتهم،
ويفضلون أن ينسبوا ما جرى إلى مؤامرة ما، بينما قليلون فقط هم من يعترفون بالخطأ، وإن كان هذا يحدث غالباً بعد فوات الأوان، وبعد استنفاد كل وسائل المساعدة من المحيطين.
مشرد أم جامع التبرعات؟
أحد من ينطبق عليهم هذا السيناريو الحزين لاعب كرة القدم الدولي السابق بول جيمس (59 سنة)، المولود في كارديف الويلزية، ويحمل الجنسية البريطانية، وكذلك الكندية، ولديه تاريخ مليء بالإنجازات، مدرباً ولاعباً مهماً، لكنه بات الآن محوراً للحديث، باعتباره مشرداً في شوارع العاصمة الإنجليزية لندن، حيث ترك شقته المتواضعة بأحد أحيائها، بعد أن سكنتها الفئران، وافترش الرصيف في هذا البرد القارس، محاولاً أن يستجدي المارة إعطاءه المال.
بول جيمس نجم جديد سقط في اختيارات خاطئة، وبات غير قادر على مساعدة نفسه، ولا حتى إثبات أنه يستحق مساعدة الغير، حيث يلوم على من حوله بأنهم عاملوه بطريقة غير لائقة، وليس أدل على ذلك من قوله مثلاً في حوار سابق له إنه ترك كندا قبل ثلاث سنوات تقريباً لأنه يشعر بأنه يتعرض للتميز والعنصرية فيها لأنه يدمن الكوكاكين.
اللاعب السابق، الذي يحمل درجة الماجستير في إدارة الأعمال وتلقى تعليماً جيداً بجامعة ليفربول حصل على الجنسية الكندية ولعب لمنتخبها القومي لكرة القدم ووصل مع الفريق إلى المربع الذهبي في مونديال المكسيك 1986، وكان لديه مسيرة مشرفة في التدريب في كندا، سواء لمنتخبات الشباب أو الفرق النسائية.
صحيفة “ديلي ميل”، أخيراً، سردت قصته الحزينة، وخلال تصريحاته رفض أن يسمي نفسه متشرداً ومتسولاً، لكنه فقط مجرد جامع للتبرعات ليستعيد حياته الطبيعية، على حد تعبيره، حيث إن بول عاطل من العمل منذ 13 عاماً، وقد نبذته عائلته بسبب استهتاره، كما أنه تورط في نهاية عام 1986 في رشوة بعالم كرة القدم أنهى معها مسيرته الدولية، وعلى رغم عدم استسلامه لهذا الأمر، فإن المخدرات هزمته.
عبقري الشطرنج الذي طردته بلادته
مسيرة بول جيمس استدعت على الفور أزمة الأميركي بوبي فيشر، لاعب الشطرنج الأكثر موهبة في التاريخ، وصاحب لقب بطل العالم الذي انتزعه من ملوك اللعبة على الدوام، وهم الروس، إذ كان فيشر من أدوات الحرب الباردة في مطلع سبعينيات القرن الماضي، ونجح في أن يهزم بوريس سباسكي، لاعب الاتحاد السوفياتي في البطولة التي أقيمت في أيسلندا عام 1972.
فيشر الذي امتلك عقلية فذة في الشطرنج وكان مؤلفاً له أسلوبه المميز، أدخلته عبقريته التاريخ، لكن أيضاً درامية حياته جعلته فصلاً غامضاً في عالم المشاهير، فالرجل الذي لم يغادر الحياة معدماً، بل ترك ثروة لحبيبته اليابانية بلغت مليوني دولار أميركي، حينما توفي عام 2008، عاش تخبطاً غير مفهوم جعله يعتزل اللعبة، وهو في أوج نجاحه، ولا يستمتع بماله أبداً، حيث كان مهووساً بنظرية المؤامرة.
وعداؤه للسياسة الخارجية لبلاده جعله يبدي سعادته بهجوم الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 على برجي مركز التجارة العالمي، كما أعلن مراراً عن معاداته للسياسة الإسرائيلية، وأصبح مطلوباً في الولايات المتحدة، فتنقل بين دول عدة، بينها اليابان التي قبض عليه فيها بسبب جواز سفره المنتهي، ولم ينقذه من السجن إلا موافقة البرلمان الأيسلندي بعد ضغط جماهيري على منحه جنسية البلاد، وذلك قبل ثلاث سنوات من وفاته، حيث دفن هناك.
ولم يحضر جنازة فيشر سوى شخصين فقط، فيما كان شوهد مراراً وهو كهل بملابس رثة يسير هائماً في الشوارع بعدما ظل مطارداً لوقت طويل، كما أنه رفض العلاج من أمراض الكلى لعدم اقتناعه بالعقاقير، ففارق الحياة متأثراً بمضاعفات المرض، وهو في الـ64 من عمره. ذاق فيشر معنى الحضيض بالفعل، وعاش منبوذاً عقوداً، وقرر في عز تألقه أن يدير ظهره للأضواء، ويعيش منزوياً تاركاً حياة الترف.
قصة حزينة متكررة
الحظ العثر ربما يواجه عدداً من المشاهير الذين لا يمتلكون آليات التعامل مع بعض الظروف، ويضعفون أمام مشكلات عائلية ونفسية، وربما جسدية، وهو أمر تكرر كثيراً في مسيرات نجوم الرياضة، مثل مايك تايسون ومارادونا ومحمد علي كلاي.
لكن، بخلاف ذلك هناك مشاهير سقطوا بشكل مروع، وانقلبت دنيتهم تماماً من قمة الشهرة والرفاهية إلى التجول من دون مأوى وفي حالة يرثى لها، وبينهم عارضة الأزياء والممثلة الأميركية لوني ويلسون، التي لا تزال في مقتبل الـ40 من عمرها، لكنها تبدو بحسب آخر ظهور لها قبل أكثر من عامين، وكأنها تقترب من الـ70، حيث تعاني تساقطاً شديداً في الأسنان، وتسير حافية القدمين بملابس ممزقة.
والموديل التي كانت تتصدر صورها كبرى مجلات الموضة العالمية، انفصلت عن زوجها المثل والمطرب جيرمي جاكسون قبل 10 أعوام، واختفت عن الأضواء بعدها، قبل أن تظهر في شوارع كاليفورنيا تضع متعلقاتها على عربة تسوق، وتحاول أن تبحث عن الأكل في مقالب القمامة، وتدخن السجائر، وتعيش بلا مأوى وبلا عائل.
وكانت الفنانة الأميركية قد عانت طوال سنوات إدمان العقاقير المخدرة والكحول، وفشل المقربون منها في إقناعها بضرورة دخول مصحات إعادة التأهيل، وهي حاليا تعاني أزمات نفسية وعقلية وتدهوراً عاماً، بسبب الإدمان بعدما كانت ملء السمع والبصر.
مشاهير عرب خانتهم النجومية
الحالة تكررت عربياً أكثر من مرة أيضاً، فبخلاف قصة الفنان عبدالفتاح القصري الشهيرة، حيث مات معدماً في منزل متواضع يعاني الفقر والمرض، لكن أيضاً في السنوات القليلة الماضية شهدت الساحة أكثر من حالة، أبرزها الممثل المصري عبدالعزيز مكيوي، الذي شارك في أفلام مهمة مثل “لا تطفئ الشمس”، و”القاهرة 30″، و”لا وقت للحب”، ومسلسل “العائلة”، وكان وجهاً معروفاً وموهبة جيدة، حيث التقطت له صور مشرداً بشوارع مدينة الإسكندرية المصرية، قبل أن تتكفل نقابة المهن التمثيلية برعايته وإيداعه في دار مسنين، كما تلقى الرعاية بأحد المستشفيات النفسية، وذلك قبل فترة قصيرة من وفاته عام 2016.
ومنذ عامين أيضاً أثارت قصة المطرب الكويتي عباس البدري الرأي العام، حينما أعلن أنه لم يعد يجد مكاناً يعيش به بعد تأزم العلاقة بين وبين أقاربه، وأصبح يقيم في سيارته، مبدياً أسفه على ما وصلت إليه حاله بعدما كان من أشهر رواد الأغنية الكويتية، لكن بعد فترة قصيرة استجابت وزارة الشؤون الاجتماعية بدولة الكويت للنداء، ووفرت له مأوى.
المصدر “اندبندنت عربية”