كريتر نت – متابعات
تتسع ظاهرة الاتجار بالبشر في العراق بأشكالها المختلفة ما بين استغلال الأطفال للتسول وإجبار النساء على العمل في شبكات الدعارة وتجارة الأعضاء البشرية بسبب تزايد الفقر والبطالة، وغياب القانون وضعف دور الأجهزة الأمنية في استتباب الأمن بالبلاد.
وتفاقمت أزمة الاتجار بالبشر بعد سنوات طويلة من الصراعات السياسية والحروب في العراق، وهي إحدى نتائج المشاكل الاقتصادية وارتفاع حالات الفقر وتفشي الفساد والميليشيات المسلحة، وتراوحت التجارة بين الذين اضطروا لبيع أعضائهم البشرية، وبين من راحوا ضحية لعصابات هذه التجارة دون أي قرار منهم.
وغالبا ما يرفض الضحايا الناجون من الموت الحديث عما تعرضوا له، في حين أن آخرين يروون قصصهم لتوعية الناس لعدم الوقوع في أيدي العصابات، كما يقول لؤي (اسم مستعار).
وأفاد لؤي بأنه كتب مناشدة للحكومة العراقية لمساعدته بمبلغ مالي من أجل إجراء عملية لوالدته المصابة بالسرطان، فوصلته رسالة من أحد الحسابات الوهمية، وبعد التواصل لأيام عديدة قابل رجلا أبلغه بأنه يمكنه مساعدته في حال موافقته على بيع إحدى كليتيه.
شخصيات حكومية متورطة في هذه الشبكات توقع ضحاياها من خلال نفوذها في المؤسسات الأمنية
وأقنعه بالسفر من بغداد نحو السليمانية حيث أجرى العملية في إحدى مستشفيات السليمانية (الواقعة شمالي العراق)، بمبلغ حوالي عشرة آلاف دولار أميركي.
وأضاف لؤي أن العصابات استغلوا حاجته للمال، وكاد أن يفقد حياته نتيجة مضاعفات العملية.
ظاهرة منتشرة
بدأ انتشار ظاهرة الاتجار بالبشر في العراق بعد عام 2003 بأشكاله المختلفة ما بين استغلال الأطفال للتسول وإجبار النساء على العمل في شبكات الدعارة وتجارة الأعضاء البشرية.
ونتيجة لذلك أقر البرلمان العراقي قانون رقم (28) عام 2012 والذي عرف الاتجار بالبشر بأنه “تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم، بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر، بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية”.
ولا ينسى أهالي مدينة الصدر جنوب العاصمة بغداد في العراق صباح السابع والعشرين من نوفمبر قبل عامين، عندما استيقظوا على خبر انتشال جثة شاب من الطمر الصحي مفرغا من أحشائه الداخلية وكان ذووه قد أبلغوا عن اختفائه مطلع الشهر وهذه الجريمة ليست الأولى بين أزقة هذه المدينة الفقيرة وحتما ليست الأخيرة.
ويقول مراقبون إن اتساع ظاهرة الاتجار بالبشر في العراق بسبب تزايد الفقر والبطالة، وضعف الأمن، وقوة الميليشيات التي تقوم بدعم الشبكات الإجرامية والانتفاع منها ماديا، كما أدى غياب القانون وضعف دور الأجهزة الأمنية في العراق لانتشار الجريمة المنظمة وسيطرة العصابات وتنفذها، الأمر الذي جعل بغداد في قائمة أسوأ المدن للعيش في العالم نتيجة انتشار عصابات الاتجار بالبشر والميليشيات المسلحة المتنفذة في الدولة والتي تمتلك الحصة الأكبر من شبكات الاتجار وتوفر لها الحماية الأمنية والقانونية.
◙ وسام نصيف الزبيدي: أعلى نسب الاتجار بالبشر في العراق هو ببغداد وأربيل، وتجري هذه التجارة في الغالب في قاعات النوادي الليلية
وأكد المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر أن “الأطفال دون السادسة عشرة يشكلون ثلثي الضحايا”. وأشار إلى أن “شخصيات حكومية متورطة في هذه الشبكات توقع ضحاياها من خلال نفوذها في المؤسسات الأمنية”.
وقال مدير مكافحة الاتجار بالبشر في جانب الكرخ من بغداد العميد وسام نصيف الزبيدي، إن “أعلى نسب الاتجار بالبشر تجري غالبا في القاعات الليلية“.
وأكد الزبيدي أن البيانات المتوفرة لديهم تشير إلى أن أعلى نسب الاتجار بالبشر في العراق، هو ببغداد وأربيل، وتجري هذه التجارة في الغالب في قاعات النوادي الليلية حيث يتم الاحتيال على الناس.
وفي الغالب فإن ضحايا تلك العمليات هم من النساء والأطفال، وأوضح الزبيدي أن الكشف عن هذه الجرائم يتم بالاعتماد على الجهود الاستخبارية، مشيرا إلى اكتشاف 30 عملية اتجار بأعضاء بشرية و60 عملية اتجار بالبشر، قبل إتمامها خلال عام 2022.
وأفاد تقرير لوزارة الخارجية الأميركية في عام 2020 أن الحكومة العراقية لا تفي بشكل كامل بالمعايير الدنيا للقضاء على ظاهرة الاتجار بالبشر، ولكنها تبذل جهودا كبيرة لتحقيق ذلك، حيث أظهرت الحكومة العراقية جهودا متزايدة بشكل عام، وذلك مع الأخذ في الاعتبار تأثير جائحة فايروس كورونا.
ويرى الزبيدي أن الحد من هذه الجرائم يتطلب حملة إعلامية توعوية، وأنهم تمكنوا من السيطرة على الوضع لحد ما، وبلغوا مستوى متقدما في التصدي لتلك الجرائم.
استغلال لوضع كارثي
استغل المتاجرون بالبشر أزمة كورونا العالمية، مستفيدين من خسارة الناس للدخل وزيادة الوقت الذي يقضيه البالغون والأطفال على الإنترنت، وبالطبع ونظرا للأثر الاقتصادي السلبي الذي تركته هذه الأزمة التي أدت إلى ارتفاع ظاهرة الاتجار بالبشر في العراق.
وإحدى الحالات هي شيرين (19 عاما) هربت من منزلها في محافظة البصرة أقصى جنوب العراق بعد إقناعها من قبل أحد السماسرة التابعين لشبكات الدعارة في بغداد بتوفير السكن وفرصة عمل في شركة أهلية يدعي امتلاكها وبعد الوصول أسكنها في شقته ومضى الأسبوع الأول باهتمام مبالغ ثم كانت المفاجأة بعدها حيث قام بإحضار صديقين معه إلى الشقة.
ونقلت تقارير وسائل إعلام محلية عن شيرين قولها “جاء معه في آخر الليل رجلان بعمر الثلاثين إلى الشقة وأعطاني كيسا يحوي على ثياب نوم مغرية وطلب مني لبسه والخروج لقضاء الليلة معهما وهددني بالطرد إن رفضت ذلك”. ثم استرسلت “توسلت إليه كثيرا لدرجة تقبيل قدميه لكنه هددني بالطرد ولم يكن لي مأوى آخر والعودة إلى منزلي بمثابة انتحار فرضيت بأن يتم اغتصابي لمدة 4 ساعات متواصلة فقدت على إثرها عذريتي وتكرر هذا الأمر لمدة شهر حتى قرر أخيرا بيعي إلى أحد بيوت الدعارة بمبلغ 10 ملايين دينار أي ما يعادل 8000 دولار تقريبا ومازلت حتى اليوم أعمل به كعبدة”.
ويعاني غالبية ضحايا الاتجار بالبشر من ظروف اقتصادية سيئة إذ يفتقر أغلبهم للموارد المالية ولا يمتلكون دخلا ثابتا، مثل شيرين، مما يجعلهم عرضة للاستغلال من جانب تجار البشر الذين يعدونهم بتوفير سبل الرفاهية وفى حالات أخرى، دفعت الظروف الاقتصادية اليائسة بعض الأسر لبيع أبنائها لتجار البشر.
وأحد أسباب تفشي الاتجار بالأعضاء البشرية هو سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والافتقار إلى الوعي القانوني بتلك القضايا.
عمليات الاتجار بالبشر تكثر في المناطق الأكثر فقرا في بغداد والوسط والجنوب، وأيضا في محافظات غرب وشرق العراق
وذكر الناشط في حقوق الإنسان عباس الدراجي أن “هناك مشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي وفنانين كذلك متورطين في شبكات للمتاجرة بالبشر نشاطها الرئيسي في بغداد والأنبار وأربيل وقد تمت تصفية مشاهير آخرين بدأوا بالكشف عن نشاط هذه الشبكات وهرب آخرون خارج العراق بعد تهديدهم بالتصفية”.
وكشفت منظمة حقوقية عراقية عن أرقام صادمة حيال ظاهرة الاتجار بالبشر التي تُسجل تناميا في البلاد مع اتساع رقعة الفقر والبطالة وتصاعد الجريمة المنظمة.
وقالت مديرة منظمة “المصير“، المعنية بالملف الحقوقي في العراق، إيمان السيلاوي إن البلاد سجلت 300 حالة اتجار بالبشر خلال عام 2021.
وأكدت السيلاوي “تعرض جميع الأعمار للاتجار سواء كانوا أطفالا أو نساء أو شبابا“، متحدثة عن تسجيل زيادة في تورط النساء بهذا النوع من الجرائم، وتحديدا المتاجرة بالفتيات والأعضاء البشرية.
وأوضحت أن “عدد المختطفين خلال 2021 بلغ 125 مختطفا، وأغلب عمليات الاختطاف وقعت لغرض الحصول على مبالغ مالية أو الاعتداء الجنسي وضحاياها من النساء والشباب والأطفال، وتصدرت بغداد أيضا باقي المحافظات بعمليات الاختطاف ثم بابل وديالى وذي قار“.
ومازالت تتم المحاكمة وفق قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969 خصوصا ما يتعلق بالاستغلال الجنسي للضحايا، إضافة إلى افتقار المؤسسات الحكومية لوجود تعريف موحّد لمفهوم الاتجار بالبشر.
وأحد جوانب هذه الظاهرة المخيفة في العراق، العوز المادي الذي أجبر بعض الأهل على الاستغناء عن أولادهم للتخلص من تكاليفهم المادية، حيث سمح ضعف تطبيق القانون بنشأة عصابات للاتجار بالبشر عن طريق شراء الأطفال أو خطفهم.
مسألة معقدة ومتشابكة
ويقول ناشطون إن الفئات الأكثر عرضة للاتجار بالبشر هم الأطفال عبر استخدامهم للتسول، والفتيات وخاصة القاصرات منهن والشابات، عبر تزويجهن لأشخاص لا يعرفن شيئا عنهم، أو تسفيرهن إلى خارج البلاد.
وهناك تبدأ عملية الاتجار بهن، من خلال العمل في بيوت الدعارة أو بيع أعضائهن الداخلية، وكذلك الحال مع الشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يتعرضون للاتجار عبر خطفهم أو بيع أعضائهم الداخلية.
وتؤكد الناشطة آلاء الياسري على أهمية “إطلاق حملة لمكافحة هذه الجريمة المنظمة، التي بدأت تكثر في محافظات دينية مثل كربلاء والنجف، وكذلك في بغداد وفي محافظات الوسط والجنوب، لذلك يجب أن تكون هناك متابعة مستمرة خاصة في قضية تزويج القاصرات والمتسولين عبر استخدام الأطفال الصغار والرضّع”.
وهذا ما ذهب إليه أيضا مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون بالقول إن “عمليات الاتجار بالبشر تكثر في المناطق الأكثر فقرا في بغداد والوسط والجنوب، وأيضا في محافظات غرب وشرق العراق، فضلا عن أن تلك العمليات تستهدف الأطفال دون سن 18 وحديثي الولادة”.
وتمثل ظاهرة الاتجار في البشر مسألة معقدة ومتشابكة تتداخل فيها عدة عوامل ومسببات، مما يتطلب تضافر جميع أجهزة الدولة المعنية لمواجهة تلك الظاهرة. وبنفس الوقت يجب على الحكومة العراقية الشروع في اتخاذ بعض الإجراءات الفورية التي قد تساهم في الحد من تفشي تلك الظاهرة، وإجراءات صارمة لمنع تجنيد الأطفال من قبل الجماعات المسلحة، بما في ذلك وحدات الحشد الشعبي والميليشيات المستقلة، وتقديم الخدمات والحماية والتأهيل اللازم للجنود الأطفال الذين تم تسريحهم.
كما يجب على الأجهزة الحكومية العمل على تحديد هوية الضحايا بشكل استباقي وإحالتهم إلى خدمات الحماية ودعمهم من خلال توفير الاستشارات النفسية والاجتماعية، والرعاية الطبية، والمأوى طويل الأجل، والمساعدة القانونية، وخدمات إعادة الإدماج، والتدريب على العمل، والمساعدة المالية.
وينبغي على الحكومة العراقية أيضا العمل على تعديل قانون مكافحة الاتجار بالبشر للتأكد من مقاضاة المتاجرين المتورطين وإدانتهم وإصدار أحكام صارمة ضدهم، بما في ذلك المسؤولين الحكوميين المتواطئين.
ويجب العمل على تحسين الوضع الاقتصادي المزري وتوفير المزيد من فرص العمل للشباب، خاصة الفتيات اللواتي يمثلن أبرز ضحايا ظاهرة الاتجار بالبشر.