كريتر نت – متابعات
مطلع الشهر الحالي تداول ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة للافتة ضخمة نصبتها جماعة الحوثي على أحد شوارع صنعاء تحمل صورة لقائدين عسكريين، أحدهما إيراني والآخر عراقي.
كانت اللافتة تضم صورة قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى جوار صورة لنائب قائد مليشيات الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، إحياءً للذكرى الثالثة لتصفيتهما بصاروخ أطلقته طائرة أمريكية بدون طيار على سيارتهما بالقرب من مطار بغداد في يناير من عام 2020م.
الضربة التي أمر بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وصفت حينها بأنها أشبه بزلزال عنيف ضرب النظام الإيراني ولا تزال هزاته الارتدادية مستمرة حتى اليوم، بالنظر إلى ما كان يمثله سليماني لهذا النظام القائم على فكرة تصدير “الثورة الإسلامية” بقيادة “الولي الفقيه” إلى دول المنطقة، بعباءة المذهب الشيعي أو برداء السياسة.
وفي إطار هذه المهمة، اتجه النظام الإيراني الذي يقوده “مرشد الثورة” علي خامنئي إلى خلق أذرع من المليشيات المسلحة التابعة له في المنطقة، وكانت البداية مبكرة مع تشكل حزب الله خلال الحرب الأهلية اللبنانية مطلع الثمانينات، والذي أصبح رأس حربة للمشروع الإيراني في المنطقة العربية، ليوكل خامنئي مهمة استنساخ التجربة الى ما يسمى بـ”فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، وتعيين سليماني على رأسه عام 98م.
وهو ما تحقق مع سقوط النظام العراقي عام 2003م، لتسقط البلاد في قبضة المليشيات الشيعية المسلحة الموالية لإيران، وتوسع نشاطها مع التدخل الإيراني لصالح النظام السوري ضد المعارضة المسلحة عام 2011م، لتصبح 3 دول عربية تحت نفوذ إيران، وتنضم لها لاحقاً اليمن بعد سقوط صنعاء بيد جماعة الحوثي عام 2014م.
مشهد جعل سليماني يصبح الرجل الثاني بعد “خامنئي” كما قال مسئول عراقي في تصريح له لوكالة “رويترز” عقب حادثة اغتياله، حيث قال: لا يسبقه في تسلسل القيادة سوى الزعيم الأعلى (خامنئي)، عندما يحتاج الأموال يحصل عليها وعندما يحتاج الذخيرة يحصل عليها وعندما يحتاج العتاد يحصل عليه.
ومن هنا أتت خطورة أن تنجح أمريكا في تصفية الرجل الثاني داخل إيران، ما يعكس حجم الانكشاف والاختراق الذي يعاني منه نظام إيران، ويؤكد ذلك نوعية وعدد العمليات التي نفذتها إسرائيل ضده، من استهداف قادة مليشياته وعملائه في بعض الدول، إلى استهداف برنامجها النووي.
وجرت بعض هذه العمليات بالداخل الإيراني بضربات بطائرات مسيرة صغيرة لضرب منشآت نووية، بل وصل الأمر إلى تدبير الموساد الإسرائيلي لعملية تصفية محسن فخري زاده الذي يُوصف بأنه “مهندس البرنامج النووي”، والذي قتل في أحد شوارع طهران أواخر 2020م بسلاح قنص يتم التحكم به عن بُعد.
لم تتوقف تداعيات مقتل سليماني عند معركة النظام الإيراني مع الخارج، بل مع معركته ضد الشعب بالداخل، فمن بين المهام القذرة التي كان تُوكل للرجل من قبل “خامنئي” هي إدارة عمليات التصفية للمعارضين بالداخل والخارج والإشراف على قمع أي تحرك شعبي ضد النظام، وهو ما يُفسر قوة الاحتجاجات الراهنة والتي تضرب مدن إيران منذ أشهر.
وتتمثل قوة هذه الاحتجاجات في حجم الصوت المرتفع ضد النظام الإيراني وضد رأسه المتمثل بـ”خامنئي” تحديداً، والهتاف بالموت له، كما أن أبرز ما يميز هذه الاحتجاجات هو قيام عدد من الشباب الإيراني بإسقاط ما تعرف بالعمامة من على رأس رجال الدين في الشوارع، وهو ما يمثل رسالة بالغة بإسقاط المشروعية الدينية التي يقوم عليها نظام ولاية الفقيه.
كما يمكن ملاحظة تأثير اختفاء سليماني من المشهد، بالهزائم السياسية التي تعرض لها وكلاء إيران في كل من العراق ولبنان بالانتخابات البرلمانية التي جرت في البلدين العام الماضي، والتي عكست السخط الشعبي المتزايد ضد وكلاء إيران، وليس الحال بأفضل منه لدى وكيلها في اليمن والمتمثل بجماعة الحوثي.
فالجماعة تعيش اليوم مأزقاً سياسياً وشعبياً وعسكرياً، فبعد 8 سنوات من إشعالها الحرب في اليمن، باتت اليوم محشورة في ثلث مساحة البلاد وبثلثي السكان، تستجدي من الوسيط العُماني الحصول على صفقة تحفظ لها ماء الوجه، وتحصل من خلالها على حصة من عائدات النفط والغاز مع رفع القيود عن المطارات والموانئ التي تسيطر عليها.
تعرض الجماعة الحوثية مقابل ذلك منح السعودية ضمانات أمنية تصل إلى اجتزاء مساحة بمئات الكيلومترات من معقلها في صعدة على الحدود مع السعودية كمنطقة منزوعة من السلاح، بعد 9 سنوات من تهديدها باجتياح مليشياتها للرياض وإسقاط النظام السعودي.