كريتر نت – متابعات
أثار تخلف الإخوان المسلمين المفاجئ عن المشاركة في الاحتجاجات الاجتماعية التي عصفت بالأردن مؤخرا تساؤلات بشأن الهدف من ذلك، خاصة وأن الجماعة دأبت على الاستثمار في الأزمات لإظهار قدرتها على التعبئة وإحراج السلطة.
ولاحظ مراقبون للشأن الأردني عدم انخراط الإخوان المسلمين بكثافة في الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المملكة مؤخرا بسبب الترفيع في أسعار المحروقات واقتصارهم على إصدار بيانات باهتة بشأن ضرورة الاستماع لمطالب المواطنين، بينما ألقت الجماعة بثقلها الاجتماعي خلف الاضطرابات في القدس وخرجت في مسيرات حاشدة دفاعا عن الوصاية الهاشمية على القدس.
وفسر المراقبون سلوك الإخوان المسلمين هذا بمحاولة الجماعة استعطاف السلطة أملا في إعادة تدويرها سياسيا في الداخل وتقديم نفسها على أنها حريصة على الاستقرار الداخلي ويمكن التعويل عليها في تخفيف أي أزمات داخلية مقبلة وهو ما قد تلتقطه السلطة التي حظرت نشاطها وحاصرتها سياسيا.
ويشير هؤلاء إلى أن الحراك الاجتماعي وقدرة الجماعة على التعبئة الشعبية أكثر ما يحرج السلطة الأردنية ويثير مخاوفها، إلا أن الجماعة لم تستخدم هذه الورقة داخليا بل فضلت استخدامها ضمن سياق خارجي وهي رسالة مزدوجة للقيادة الأردنية.
ولم يبد الإسلاميون، على غير عادتهم، طموحا لاستغلال الاحتقان الاجتماعي وملفات حساسة مثل الملفات المعيشية والاقتصادية بل خيروا الاستعراض في الملفات الخارجية وهذا تكتيك يتساءل محللون عن أبعاده وثمنه السياسي.
لم يبد الإسلاميون طموحا لاستغلال الاحتقان الاجتماعي وهذا تكتيك جديد يتساءل محللون عن أبعاده
واعتاد الإسلاميون، منذ أن خسروا في الانتخابات التشريعية السابقة وفقدوا ثقلهم التشريعي، على استثمار الاحتقان الشعبي جراء الأزمة الاقتصادية ومحاولة كسب تأييد الشرائح الشعبية الأردنية من أجل إحراج السلطة وتأليب الرأي العام ضد خططها.
وفقدت جماعة الإخوان المسلمين تأثيرها التشريعي في البرلمان الأردني بعد أن منيت بهزيمة قاسية في الانتخابات الفارطة، وبالتالي باتت عمليا خارج المعادلة البرلمانية.
وحصل الإسلاميون في الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في نوفمبر 2020 على 5 مقاعد ضمن التحالف الوطني للإصلاح، من أصل 130 مقعدا يتألف منها البرلمان.
ويرى مراقبون أن عدم نجاح جماعة الإخوان في الانضمام إلى اللجان جعلها على الهامش في المجلس، ولن تكون لها القدرة على التأثير خاصة من الناحية التشريعية.
ويعد البرلمان المنفذ الوحيد لجماعة الإخوان من خلال وجود نواب لذراعها السياسية، حزب جبهة العمل الإسلامي، لكن الوضع تغير، ولم يعد لهذا الحزب اليوم أيّ تأثير نيابي، فضلا عن قرارات قضائية تلاحق الجماعة مطالبة بحلها.
ويعاني الإسلاميون من انشقاقات في تنظيمهم منذ سنوات استطاعوا التكتم عليها وتجاوز تداعياتها السياسية، إلا أن ذلك لم يعد متاحا اليوم بعد أن استنزفوا جميع أشكال المناورة والمخاتلة وباتت أطروحاتهم غير مقنعة حتى داخل القيادات أنفسهم.
الحراك الاجتماعي وقدرة الجماعة على التعبئة الشعبية أكثر ما يحرج السلطة الأردنية ويثير مخاوفها
وأمام هذا الواقع لم يبق للجماعة، حسب مراقبين، إلا تعبئة الشارع والرهان على ثقل اجتماعي تغذيه العشائرية للظهور في موقع قوة قادرة على ضبط الوضع العام، والإيحاء بأن السلطة ستكسب الود المجتمعي إذا عولت عليها.
وتقاطع الحكومة الأردنية جماعة الإخوان، لاسيما بعد قرار صادر من أعلى هيئة قضائية في المملكة يقضي بعدم شرعيتها. وتشير دوائر سياسية إلى أن هناك قرارا من أعلى هرم في السلطة وهو العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بالتعاطي بمرونة مع مختلف الأطياف السياسية داخل المملكة وهو ما يعكس مشاركة جبهة العمل الإسلامي في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
وتنشد جماعة الإخوان أن تأتي الإصلاحات السياسية بما يتماشى مع مساعيها لتهيئة المناخ لحكومات برلمانية، وهو طلب لطالما تمسكت به باعتباره السبيل الوحيد بالنسبة إليها للمشاركة في سلطة القرار.
وتسعى الجماعة لذلك عن طريق مغازلة السلطة من ناحية انخراطها في دعم توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية من جهة، وتحشيد الرأي العام الأردني عبر الإيهام بأنها عنصر مساهمة في التطوير السياسي وليست قوة جذب إلى الوراء.
عدم نجاح جماعة الإخوان في الانضمام إلى اللجان جعلها على الهامش في المجلس
ويقول وزير الإعلام الأردني الأسبق طاهر العدوان إن “الإسلاميين لا همَّ لهم سوى الحفاظ على وجودهم أمام موجة الإلغاء والإقصاء السائدة ضدهم”.
وكانت الأسرة الهاشمية تتعامل دائما مع الإخوان بحذر وتقترب وتبتعد عنهم بمواقيت ومناسبات مختلفة، واعتبرت أنهم تيار سياسي “فلسطيني” في الأردن، لكن الإخوان تمكنوا من إحداث اختراقات حقيقية في المجتمع الأردني.
ورغم أن السلطة فتحت قنوات تواصل مع الإخوان المسلمين من خلال اللجنة الملكية لتحديث الحياة السياسية، إلا أن محلّلين يؤكدون أن الأمر لا يعني أن هناك نية لاستيعاب الجماعة مجددا في المشهد السياسي.
وتقول دوائر سياسية إن الانفتاح الرسمي على الإخوان مجددا بعد قطيعة طويلة نسبيا هو تمشٍّ تكتيكي في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها المملكة، والتي تفرض تحييد أي أصوات معارضة قد تعمل على تأزيم الأوضاع أكثر.
وتؤكد مصادر سياسية أردنية أن الإسلاميين وفي إطار مناوراتهم المعهودة قد تخلوا عن جزء كبير من تحفظاتهم التي تتعارض مع ثوابتهم الأخلاقية والسياسية تمهيدا لإعادة التموقع داخل الخارطة السياسية الجديدة بما يسمح لهم أن يكونوا مشاركين ومؤثرين في اتخاذ القرارات الوطنية.
ويشير هؤلاء إلى أن الإسلاميين يراهنون على التقاطع بين السياسي والاجتماعي، إذ يدعمون الوصول إلى حكومات برلمانية وعدم عرقلة ذلك خلف الستار ومن خلال التوافقات البرلمانية مقابل اللعب على التحشيد الاجتماعي وتحفيز القاعدة الاجتماعية عبر المكون العشائري الوازن من خلال إثارة قضايا التطبيع ومواجهة العدو الإسرائيلي، وهي محفزات انتخابية ينتظر أن تؤثر في تشكيل الرأي العام الانتخابي.