كريتر نت – متابعات
لا يقتصر النشاط العسكري الإيراني في الجوار الأوروبي على دعم الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، حيث تنخرط طهران في سلوك انتهازي عبر مناطق الصراع بتحويل نفسها من مستورد للأسلحة إلى مُصدّر لها.
وكانت لطهران بصمة من أوكرانيا إلى المناطق المتوترة والهشة، مثل البلقان. وركزت في سياق اهتمامها بسوق الأسلحة في البلقان على قطاع الطائرات المسيّرة. وكان الحرس الثوري الإيراني الفاعل العسكري الرئيسي المتورط في انتشار برنامج إيران للطائرات المسيّرة المحلي.
وتقول المحللة سيني أوزكاراشاهين في تقرير لمؤسسة جيمس تاون “إن ذلك يفتح الباب أمام تدخل الحرس الثوري الإيراني عبر الجناح الجنوبي الشرقي لحلف شمال الأطلسي (الناتو)”.
وتضيف أنه في خضم سباق التسلح المتصاعد والتوترات السياسية القائمة، سيكون دخول إيران إلى المنطقة بمثابة بطاقة بديلة يمكن أن تؤدي إلى زيادة التقلبات الجيوسياسية، حيث تعمل طهران على تعطيل البيئة الأمنية في المنطقة من خلال شن هجمات إلكترونية ضد بعض حلفاء الناتو الإقليميين، كما تعمل بالتوازي مع ذلك على تعزيز علاقاتها مع صربيا.
من ناحية أخرى يظل الدين أيضا قاسما مشتركا يمكن لطهران الاستفادة منه إلى جانب السياسة. فعلى الرغم من أن أغلب مسلمي البلقان هم من السنة، فإن بعض الطوائف الدينية غير الأرثوذكسية لا تزال مفتوحة أمام النفوذ الإيراني. وزُعم أن الحرس الثوري الإيراني أرسل في الماضي أطنانا من الأسلحة والذخيرة لدعم القوات الحكومية البوسنية، وتُبرز هذه الأمثلة أن منطقة البلقان ليست محصنة ضد النفوذ الإيراني، وأن طهران مستعدة لاستغلال أي نقاط ضعف، بما في ذلك من خلال توسيع برنامج الطائرات المسيّرة ليشمل البلقان.
وتنتشر الطائرات المسيّرة الإيرانية بسرعة مع استمرار الطلب من الكرملين وتوسيع الشبكة العالمية لخطوط تصنيع هذه الأسلحة. ويبرز هذا أكثر في البيئات الهشة وخلال الحروب، مثل ما يقع في اليمن وأوكرانيا. وتُظهر طهران اليوم أن سلوكها انتهازي، وهي منخرطة في تبادلات كالمقايضة مع روسيا، حيث تحصل إيران على أنظمة أسلحة متطورة ومتنوعة مقابل إمدادها “السخي” بالطائرات دون طيار (وربما الصواريخ الباليستية أيضا).
وتشير معلومات استخباراتية إلى أن احتمال أن تتمكن موسكو من تحويل 24 طائرة مقاتلة كانت موجهة إلى مصر في البداية إلى طهران هو احتمال وارد جدا. وتقول بعض المصادر إن إلغاء القاهرة للمشتريات كان بسبب العقوبات المفروضة على روسيا.
ودخلت دول البلقان في سباق تسلح بقيادة بلغراد وزغرب وسط تصاعد التهديدات، مع عدد متزايد من صفقات الشراء في جميع أنحاء المنطقة. وبينما تختار كرواتيا وألبانيا والبوسنة الحلول الغربية ترحب دول أخرى، مثل صربيا وأرمينيا في القوقاز، بالأنظمة غير الغربية.
لذلك، ترى المحللة أن دخول إيران إلى سوق أسلحة البلقان يمكن أن يحفز أيضا سباق تسلح مستمر في البلقان وربما يؤدي إلى صراع في أوروبا الشرقية.
على الجانب الآخر، تتصاعد التوترات في كوسوفو بين السكان الصرب في البلاد وسلطات الدولة، مع تسجيل العديد من الاشتباكات. وقد يؤدي الخطاب القومي المتطرف الصادر عن السياسيين المحليين الصرب إلى تأجيج المزيد من الاشتباكات. وسيعطل دخول إيران إلى سوق الأسلحة في البلقان التوازن الدقيق للصراع المجمد وسيزيد التصدعات القائمة. وهذا ما يخلق حاجة ملحّة إلى احتواء نفوذ طهران في المنطقة قبل أن تترك بصمة دائمة في المشهد العسكري الأمني في البلقان.
يبرز هذا الخطر أكثر في التبادلات الإيرانية الأخيرة مع صربيا وأرمينيا. ويُزعم أن البلدين قد أعربا عن اهتمامهما بالطائرات دون طيار الإيرانية. وعلى الرغم من أن للصرب برنامج طائرات دون طيار محليا خاصا بهم، فإن انخفاض التكاليف والأداء الذي أثبتته الطائرات الإيرانية دون طيار في القتال يجذبان بلغراد. إضافة إلى ذلك، يمكن لإيران أن تساعد صربيا عبر صفقة إنتاج محلية يمكن أن تقلل تكاليف برنامج الطائرات دون طيار الخاص بصربيا. وتعد محفظة الطائرات المسيّرة الإيرانية جذابة للغاية، مع تلك بعيدة المدى مثل “آرش 2″ و”مهاجر 6”.
وتقول سيني أوزكاراشاهين “إن بيع طهران للطائرات دون طيار المحتمل إلى صربيا يعدّ مهما لسببين إضافيين. أولا، يشير هذا إلى توسع نفوذ إيران في المناطق المضطربة التي خرجت من الصراع، مثل البلقان والقوقاز؛ فبدافع الرغبة في مواجهة النفوذ الغربي والتركي، يمكن أن تكون الطائرات دون طيار الإيرانية عاملا مزعزعا للاستقرار من شأنه أن يدعم التدافع نحو سباق التسلح. ثانيا، يمكن أن يؤدي التهديد المتزايد بالعدوان من جانب صربيا على كوسوفو واتجاه ‘التحرر’ المستمر في البلاد إلى تصاعد التوترات بين بلغراد وكوسوفو وكذلك البوسنة والهرسك. وستصبح بلغراد أكبر مشغل عسكري للطائرات دون طيار في البلقان إذا نجح إتمام الصفقة مع إيران. وستكون لتزويد صربيا بالأدوات اللازمة لإلحاق خسائر كبيرة بالخصم في فترة قصيرة تداعيات خطيرة على حرب افتراضية مع كوسوفو أو البوسنة والهرسك”.
وبسبب الطلب المتزايد وسياسات التصدير البراغماتية لإيران والصين اكتسبت الحلول غير الغربية بالفعل حصة كبيرة في سوق البلقان. ففي 2021 اشترت صربيا مجموعة كبيرة من المعدات العسكرية الروسية، بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز ” ميكويان ميغ 29″ وطائرات هليكوبتر من طراز “مي 35″ و”مي17” ودبابات “تي – 72 أم أس” وأنظمة صواريخ “بانتسير – أس1” المضادة للطائرات.
ووقّعت صربيا في 2022 صفقة مع الصين لشراء طائرات دون طيار مسلحة من طراز “سي إتش 92” وصواريخ مضادة للطائرات. وفي نهاية 2022 باعت روسيا لبلغراد مرة أخرى صواريخ موجهة مضادة للدبابات من طراز “كورنيت”. وتتطلع صربيا أيضا إلى اكتساب المزيد من التكنولوجيا والمعرفة الصينية (تشيناميل، 20 سبتمبر 2018). وتواجه الولايات المتحدة بذلك اختبارا صعبا في ما يتعلق بإستراتيجيتها في البلقان مع تسليح كل من موسكو وبكين لبلغراد.
وتؤكد المحللة أن الغرب تتوفر أمامه فرصة جيدة لتعديل سياسته في البلقان لتجنب تشكيل معسكر موال لإيران، بدأ يتشكل بالفعل. وتتمثل إحدى طرق واشنطن لعكس هذا الاتجاه في تعزيز العلاقات مع حلفائها في المنطقة، مثل البوسنة والهرسك وكوسوفو. وتُعدّ إقامة حوار في الوقت الحالي، خاصة مع البوسنة، أمرا حاسما نظرا إلى مستوى الدعم العالي لحرب فلاديمير بوتين في أوكرانيا ضمن الجزء الذي يسكنه الصرب.
وقد تلعب تركيا، بصفتها جارا مباشرا لمنطقة البلقان، دورا رئيسيا في تحسين العلاقات بين واشنطن ودول المنطقة. ويمكن لأنقرة أن تبني الحوار وأسس التعاون التي أصبحت ملحة وسط صعود الشعبوية في العديد من دول البلقان، مثل صربيا، ويتزامن هذا مع انخفاض الدعم عبر الأطلسي الغربي في بعض البلدان الإقليمية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أيضا، مثل بلغاريا.
الطائرات المسيّرة الإيرانية تنتشر بسرعة مع استمرار الطلب من الكرملين وتوسيع الشبكة العالمية لخطوط تصنيع هذه الأسلحة
وستنشئ دول البلقان في أحد السيناريوهات المحتملة شراكة اقتصادية وسياسية وعسكرية وثيقة لتقليل اعتمادها على روسيا وتعزيز الثقة والتعاون مع الغرب.
كما أن للوجود الإيراني المتزايد تداعيات على الاستقرار الأوسع في المنطقة. ويجب الحفاظ على الوضع الأمني لتجنب التأثير غير المباشر وفراغ السلطة الذي يمكن أن تستغله بلغراد لاستخدام “ألعابها” الجديدة القادمة من مصادر صينية وإيرانية. وانتهك الصرب بالفعل مبادرة شنغن المفتوحة (التي هم من الأعضاء المؤسسين لها) من خلال إغلاق الطرق وتحصين الحدود الصربية – الكوسوفية. لذلك، سيستفيد الغرب من وضع صربيا تحت المراقبة عن كثب لتجنب زيادة التوترات في وضع أمني متقلب بالفعل.
وستحول الأسلحة الإيرانية والصينية التي تتدفق إلى سوق البلقان المنطقة أيضا إلى نقطة ساخنة جديدة، حيث تدخل أسلحة الكتلتين (الغربية والمناهضة للغرب) في مواجهة مباشرة. ومع ملء ألبانيا وكوسوفو ترساناتهما بالطائرات دون طيار التركية والمركبات المدرعة، تتطلع صربيا وأرمينيا إلى أنظمة إضافية من إيران والصين وروسيا. وعلى الرغم من أن معدل التسلح لا يزال أقل من الحد المتفق عليه كما هو مذكور في خارطة طريق التحكم في الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة لغرب البلقان، فإنه يتحرك بسرعة نحو الحد الأقصى.
وتقول المحللة التركية إن الخدمات اللوجستية والتجارة ستكونان طريقة أخرى للحد من مساعي إيران في المنطقة، حيث تمتلك طهران مواقع إنتاج مختلفة في جميع أنحاء العالم، لكن معظم أجزاء طائراتها المتطورة دون طيار تعتمد على المكونات الغربية. وإذا تمكن الناتو والغرب من استغلال هذه الثغرة الأمنية، فسيكون لذلك تأثير هام على تقليل نجاح إيران في إنتاج وتصدير الطائرات دون طيار.