كريتر نت – متابعات
عكست مذكرة التفاهم للتعاون في المجال الدفاعي التي وقعتها السعودية مع تشاد رغبة المملكة في البحث عن دور في منطقة حيوية بأفريقيا جنوب الصحراء التي تشهد صراعات على النفوذ بين دول كبرى، وفي نفس الوقت نشاطا متزايدا للتيارات الجهادية.
يأتي هذا في وقت لا يمكن للسعودية الاعتماد فيه كليا على السودان الذي يعيش وضعا متوترا ولا يمكن الجزم بوضع المؤسسة العسكرية فيه، كما أن مصر لا يمكن التعويل عليها لتكون البديل الذي تبحث عنه المملكة وهو ما أثبتته حرب اليمن.
وتوجد تشاد بدورها في وضع معقد ومثير للقلق، ففي شمالها وعلى حدودها مباشرة الأزمة الليبية بكل تعقيداتها الإقليمية وامتداداتها الدولية، وعلى مقربة منها نيجيريا ومالي وأفريقيا الوسطى والنيجر، وهي دول باتت بؤرا لأنشطة الجهاديين، ويمكن لأيّ دور تلعبه الرياض أن يجلب لها متاعب.
لكنّ مراقبين يقولون إن السعودية تبحث عن لعب دور في منطقة تبدو بعيدة عنها في ظل الغموض الذي يسيطر على الوضع في السودان، فالمؤسسة العسكرية التي تمثل حليفا تقليديا للملكة يمكن أن تفقد نفوذها في المستقبل عندما تقبض القوى المدنية على السلطة في الخرطوم وفقا لاتفاق إطاري يخول لها ذلك، وحتى لو استمرت قيادة الجيش في السلطة فسوف تكون حسابات الرياض مرهونة بما يتعرض له هؤلاء من ضغوط سياسية وعقبات أمنية متشعبة في الداخل.
◙ الاتفاق مع تشاد يعطي الفرصة للرياض لاختبار تحالفات أخرى وسط أفريقيا وغربها
كما أن مصر، وهي حليف إستراتيجي مهم للسعودية، أخذت تلاحقها علامات استفهام مصحوبة بتوتر مكتوم بسبب امتناعها عن الانخراط في حرب اليمن تحت قيادة الرياض في ظل موقف مصري لا يريد استعداء إيران.
وعكس توجه المملكة مؤخرا نحو وقف المنح والمساعدات والمعونات للقاهرة جانبا من التباين الواضح بين الجانبين، وهو وضع من المنتظر أن يدفع السعودية إلى البحث عن تنويع البدائل حتى لا ترتهن إلى أيّ جهة، خاصة أن وجودها في تشاد سيعطي إيحاء بتعاظم دورها الإقليمي وفي نفس الوقت السعي لمحاربة الإرهاب بعيدا عن أراضيها.
ولا شك أن الاتفاق مع تشاد سيعطي الفرصة للرياض لاختبار فرص تحالفات أخرى وسط أفريقيا وغربها بالتزامن مع علاقاتها في شرق القارة.
وشملت مذكرة التفاهم التي جرى توقيعها في الرياض الاثنين عددًا من المجالات الدفاعية، أبرزها تطوير التعاون في مجالات التدريبات والتمارين العسكرية، والمساندة الإمدادية، والخدمات الطبية العسكرية، والتوعية في مكافحة الإرهاب.
وتتوقف الفائدة التي يمكن أن تحققها الرياض من هذا التحرك على تحويل مذكرة التفاهم إلى اتفاق نهائي يتم تطبيقه عمليا. وربما لم تشأ المملكة الإعلان عنه مبكرا، لأن رئيس المجلس العسكري الحاكم في تشاد محمد إدريس ديبي لا زال يحكم بصورة مؤقتة، وعندما تستقر الأمور السياسية له يمكن الإعلان عن خطوات عملية تعزز العلاقات.
ويقول مراقبون إن سعي السعودية للقيام بدور إقليمي يستلزم ركائز في مناطق متفرقة، وأعمدتها الرئيسية في أفريقيا (مصر والسودان) يصعب التعويل عليهما أو الرهان على التعاون معهما بالطريقة التي تريدها، ومن هنا جاء الوصول إلى عتبة تشاد محسوبا، بعد أن حققت الرياض تقدما في توثيق علاقاتها مع إثيوبيا.
وإذا مضت مقاربة السعودية في المجال العسكري مع تشاد إلى أبعد مما هو معلن بشأن مذكرة التفاهم، فالرياض سوف تبرز كلاعب إقليمي يتجاوز دوره الفضاء الخليجي، والذي أكدت تطورات بعض النزاعات أن هذه المنطقة غير منفصلة عن غيرها ولو بعدت عنها آلاف الأميال، فهناك حلقات وصل واحدة يمكن أن تقود إلى نتيجة واحدة، ومن الضروري الذهاب إليها قبل أن تأتي إفرازاتها.
وقال الخبير في الشؤون الأفريقية حمدي عبدالرحمن إن السعودية تستثمر حالة الارتباك الراهنة في المنطقة، والتداعيات التي أدت إليها الحرب الروسية – الأوكرانية، وأدت إلى منح القوى المتوسطة في النظام الدولي هامشا أوسع للحركة، خاصة أن الرياض لها مصالح جيوإستراتيجية في منطقة الساحل والصحراء ويهمها استقرار تشاد.
وأضاف لـ”العرب” أن توطيد السعودية لعلاقاتها مع تشاد يأتي مكملا لوجودها في شرق أفريقيا، وليس بالضرورة أن يكون بديلا عن مصر أو السودان، لكن التقدم نحو الجديد قد يتقاطع مع نفوذ تركيا في ليبيا، ودور قطر في عملية المصالحة في تشاد.
وتكمن المشكلة في الوقت الذي ستستغرقه الرياض لتكون جاهزة لتطبيق مشروعها الخارجي، والذي ظهر البعض من ملامحه في شكل تصورات جديدة تتخطى القوى التقليدية، وقد تصبح تشاد أول حجر يُلقى في المياه التي تعتزم الرياض التجديف بسفينتها فيها الفترة المقبلة.
كما أن هذه النوعية من المبادرات لن تمر بسهولة ما لم يكن التنسيق فيها عاليا ومحكما، والتوافق مع القوى الكبرى قويا، لأن هناك منهجا إقليميا تعمل به بعض الدول المتضررة من المشروعات الطموحة يقوم على التفنن في تخريبها.