كريتر نت / صحتك
يعدّ البحث في العلاقة التفاعلية بين البلاستيك والغذاء موضوعا بالغ الأهمية والخطورة يتطلب منا الانتباه والحذر؛ فنحن أينما ننظر نجد المواد البلاستيكية تحيط بأطعمتنا؛ لذلك من الضرورة بمكان أن نفهم طبيعة هذه العلاقة وإطارها، بحيث نتمكن من وضع حدود فاصلة بين ما هو مسموح وما هو ممنوع.
في الواقع يعد مجال الصناعات الغذائية واحداً من أكبر القطاعات الصناعية من حيث الحجم، إذْ تتعدد أصناف وأشكال الأطعمة والأشربة سواء المصنّعة منها أو المحفوظة، بدءاً بمنتجات الألبان والعصائر، وليس انتهاء باللحوم والخبز.
* مزايا المواد البلاستيكية
وقد كانت هناك عدة أسباب شجعت المصنّعين للاعتماد على المواد البلاستيكية في تعبئة وتغليف المواد الغذائية بدلاً من استخدام المواد الأخرى؛ فالمواد البلاستيكية تتميز بأنها خفيفة الوزن، وغير قابلة للانكسار، وسهلة التشكل إذا ما قورنت بالمواد الزجاجية أو المعدنية أو الخشبية، ولعل أهم خاصية توفرها المواد البلاستيكية هي قدرتها على الحفاظ على جودة المنتج الغذائي وحمايته من العوامل التي قد تتسبب في فساده وذهاب نكهته، فهي تصنع جداراً يمنع حدوث أي تبادل غازي ما بين الوسط المحيط والمادة الغذائية.
لكن في مقابل هذه الميزات لا بد من القلق بشأن المخاطر المحتملة من تلوث الأغذية لدى تغليفها وحفظها بالمواد البلاستيكية.
* أنواع المواد البلاستيكية
تختلف أنواع المواد البلاستيكية حسب المادة الأساس في تصنيعها، وهو ما يعرف بالمونومير (أي الجزيء الصغير الذي يرتبط مع جزيئات أخرى لصنع مركب أكبر اسمه البوليمير)، وبالتالي تختلف تطبيقات تلك المواد بناءً على مواصفات المنتج النهائي وإمكانية تشكيله باستخدام طرائق تشكيل المواد البلاستيكية المعروفة.
وتأتي مواد عديد الألوفينات وعديد الستايرين وعديد الاستر من أهم المواد البلاستيكية التي تصنع منها مواد تعبئة وتغليف الأطعمة؛ حيث تتميز كل منها بالخصائص والتطبيقات الآتية:
– عديد الألوفينات
تتميز بكونها خاملة كيميائياً ومقاومة بشكل جيد للرطوبة، لذلك تستخدم في حفظ وتغليف وتعبئة الأغذية بشكل منفرد أو على هيئة طبقات مركبة.
– أما عديد الستايرين
فتمتاز بشفافيتها وقدرتها على العزل الكهربائي، لذلك تستخدم في صنع الصحون والأطباق البيضاء والملاعق وأكواب شرب الشاي والقهوة.
– عديد الإستر
تمتاز المواد المصنوعة من عديد الإستر بثباتها الحراري، وجودة خصائصها الميكانيكية والضوئية مثل الشفافية، ولذلك تستخدم في صنع قوارير المياه المعبأة والمشروبات الغازية.
* إضافات قد تكون ضارة
وقد تتطلب صناعة المواد البلاستكية أحياناً إضافة بعض المواد الكيميائية الأخرى إليها (مثل كلوريد الفينيل وثلاثي فينيل الفوسفات)، وذلك لجعلها مناسبة لمختلف التطبيقات.
لكن قد تُشكلُ بعض هذه الإضافات أحياناً خطراً على الصحة والبيئة، خصوصاً عند تحررها نتيجة تأثير ظروف بيئية قاسية مثل ارتفاع درجة الحرارة صيفاً أو تعرضها للأشعة فوق البنفسجية الموجودة في أشعة الشمس، ومن ثم انتقالها إلى المواد الغذائية التي تحويها.
* المواد المهاجرة تلوث الغذاء
لقد تمّ الكشف عن تلوث الغذاء بالمواد البلاستيكية منذ عام 1970، وكانت أول مادة يتم الكشف عنها هي عديد كلوريد الفينيل المعروف اختصاراً بــ (PVC) التي تصنف ضمن المواد المسببة لمرض السرطان؛ ثم توالت الأبحاث وازداد القلق حول تلوث الغذاء ببعض مكونات المواد البلاستيكية التي تغلفه من خلال ما أطلق عليه العلماء مصطلح (الهجرة) الذي يقصد به عملية الانتقال المجهري للمكونات الداخلية المختلفة لمادة التغليف البلاستيكية إلى الغذاء.
* أهم المواد المهاجرة
وسنستعرض فيما يأتي أهم المواد المهاجرة من مواد التغليف البلاستيكية إلى الأغذية مع تبيان الأضرار الصحية الناجمة عن كل منها:
– أولاً: الملدنات
وهي مواد تضاف للمواد البلاستيكية لتسهيل عملية تشكيلها، حيث يصنع منها الأكياس والعبوات، ومن أشهر الملدنات الأديبات والفثالات، والتي تعتبر غير محبذة نظراً لارتفاع درجة سميتها، وقد أوضحت بعض الدراسات أنها مسرطنة وتؤثر على الإخصاب لدى الإنسان.
– ثانياً: المثبتات الحرارية
وهي تستعمل بكثرة في مجال الصناعات البلاستيكية بهدف جعل المادة البلاستيكية مستقرة كيميائياً عند درجات الحرارة المرتفعة نسبياً، ومن أشهر هذه المثبتات زيت فول الصويا الإيبوكسي، لكن تكمن خطورة هذه المثبتات بأنها تحوي على بقايا من مادة أوكسيد الإيثيلين عالية السمية التي يصنع منها الإيبوكسي.
– ثالثاً: الستايرين
يعتبر الستايرين مادة بلاستيكية ذوابة بشكل جيد في بعض الأوساط الغذائية كالزيوت والقهوة التي يضاف إليها مادة مبيضة؛ لذلك فهناك احتمال كبير لهجرة مكوناتها إلى الغذاء حيث يستقر في الأنسجة الدهنية في جسم الإنسان كالدماغ والحبل الشوكي، وقد صنف الستايرين على أنه مادة من المحتمل أن تتسبب بالسرطان عند الإنسان.
– رابعاً: كلوريد الفينيل
تعتبر مادة كلوريد الفينيل عالية السمية، لذلك لا بد من ضبط كمياتها في المواد البلاستيكية المستخدمة في تعبئة وتغليف الأغذية.
– خامساً: راتنجات الإيبوكسي
تستخدم مركبات الإيبوكسي في الطلاء الداخلي لعلب الأغذية المعدنية وكذلك في حفظ الطعام، ولكن يجب مراقبة هجرتها لأنها عوامل قلوية قد تتسبب في تسمم السيتوبلازما في الخلايا الحية، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع معدل انقسام الخلايا.
– سادساً: الإيسوسيانيت
يستخدم الإيسوسيانيت في صناعة عديد اليوريثين وهو ذو سمية عالية، وتوصي بعض هيئات مراقبة تلوث الغذاء بمواد التعبئة والتغليف بألا تتجاوز بقاياه في المادة البلاستيكية مستوى 1 ملليجرام/ كيلوجرام.
– سابعاً: الكابرولاكتام
يصنع من هذه المادة بعض أوعية الطعام، وتشير الدراسات إلى إمكانية هجرتها إلى الماء المغلي، وهي لا تعد سامة بحد ذاتها، إلا أنها قد تجعل طعم الغذاء مراً وغير مستساغ.
إضافةً للمواد البارزة السابقة يمكن لبعض الشوائب أن تهاجر إلى الأغذية أيضاً، وذلك بسبب تفكك وتحلل بعض المواد المضافة والمونوميرات والمواد الطيارة مثل البنزين، والملوثات البيئية مثل النفتالين.
* آلية هجرة المواد البلاستيكية
أما بخصوص آلية هجرة مكونات المادة البلاستيكية إلى الغذاء والعوامل المؤثرة فيها فهي تمرّ بثلاث مراحل:
– الأولى هي الانتشار في حدود الشبكة الداخلية للمادة البلاستيكية.
– الثانية هي ذوبان مكونات المادة البلاستيكية عند السطح البيني الواقع بين المادة البلاستيكية والغذاء.
– الثالثة هي انتشار مكونات المادة البلاستيكية داخل المادة الغذائية.
وقد تسهم بعض العوامل البيئية أو الممارسات الخاطئة بزيادة معدل الهجرة مثل درجة الحرارة، إذْ يعمد الكثير من الناس لدى جلب الأطعمة الساخنة من المطاعم والمخابز وغيرها من المحلات التجارية، إلى وضع تلك الأطعمة في حاويات بلاستيكية سواءً كانت كيسا أو طبقا أو غير ذلك، الأمر الذي يزيد من معدل هجرة المكونات البلاستيكية إلى الطعام.
لذلك من الخطأ وضع الخبز الساخن بكافة أنواعه في كيس بلاستيكي، أو جلب الفول الساخن في طبق عديد الستايرين الأبيض، وإنما يجب وضع الخبز في كيس ورقي أو الانتظار حتى يبرد، أما الأطعمة الساخنة كالفول والحساء فيجب وضعها في حوافظ طعام مصنوعة من المعدن أو الزجاج.
لذلك يجب الانتباه والحذر لدى تغليف أو تعبئة المواد الغذائية بالمواد البلاستيكية، والابتعاد تماماً عن الدمج بين الغذاء الساخن والبلاستيك.