كريتر نت – متابعات
مرت الأربعاء الذكرى الثانية عشرة لثورة يناير والحادية والسبعين لعيد الشرطة في مصر وكلاهما له أنصار رأوا أنهم الأحق بالاحتفاء بهذه الذكرى وبين الرؤيتين شريحة صامتة كل ما يهمها أن يستمر الأمن والاستقرار وتُرفع الغمة الاقتصادية.
ويتجدد اللغط كل عام حول ما إذا كان الـ25 من يناير عام 2012 ثورة للشباب أم هو عيد الشرطة عام 1952، بينما الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يميل إلى أن الذكرى لعيد الشرطة، وأحيانا يشير إلى أنها ثورة فتحت المجال للعنف.
وتقديرا للشرطة واعترافا بأهمية دورها، بعث السيسي برسائل تحدى فيها التنظيمات المتطرفة بتأكيده على إقامة احتفالية في سيناء للإعلان عن تطهيرها كاملة من الإرهاب، وعودة الحياة إلى طبيعتها، ومضاعفة المشروعات التنموية، لتنتهي السنوات التي خاضتها أجهزة الأمن في الحرب على الإرهاب بتحقيق النصر.
وقال أمام حشد من القيادات الأمنية الاثنين، إن الحكومة ستنظم احتفالية في العريش والشيخ زويد (شمال سيناء) قريبا للإعلان بشكل نهائي عن الخلاص من الإرهاب، وتطهير سيناء بعد أن دفع رجال الجيش والشرطة ثمنا لتكريس الأمن والاستقرار.
وقام رئيس الحكومة مصطفى مدبولي وعدد من الوزراء مؤخرا بزيارة سيناء لتعزيز فكرة النجاح في الحرب على الإرهاب، وكانت طائرته أول طائرة تحل بمطار العريش منذ ثمانية أعوام حيث كانت الجماعات الإرهابية تمثل تهديدا كبيرا له.
وبدت رسائل السيسي عن نجاح الدولة في القضاء على الإرهاب كأنها محاولة حشد جديدة للمصريين خلفه وسط شعور عام يميل نحو الإحباط من الأزمة الاقتصادية، والإيحاء بأن الدولة قادرة على مواجهة التحديات بفضل جيشها وشرطتها.
وقدمت مصر نحو ثلاثة آلاف شهيد وثلاثة عشر ألف مصاب في الحرب ضد الإرهاب من الجيش والشرطة لحماية أمنها القومي بعد ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013.
ويرى مراقبون أن العبرة في نجاح إستراتيجية القضاء على الإرهاب تظل مرتبطة بعدم وقوع حوادث في مناطق بعيدة عن سيناء، لأن التنظيمات المتطرفة لن تستسلم أو ترفع الراية البيضاء بسهولة، وهناك شواهد على إصرارها على توجيه ضربات في مناطق حضرية، لأن الإعلان عن تطهير مصر من الإرهاب مع وقوع حوادث متفرقة بعيدا عنها سيضع مصداقية النظام على المحك.
وتبنى تنظيم داعش مؤخرا هجوما على قوات الجيش بمنطقة شرق قناة السويس، القريبة من سيناء، أسفر عن مقتل عشرة جنود وضابط.
وتعتقد دوائر سياسية أن الإعلان عن القضاء رسميا على الإرهاب في سيناء يفرض على السيسي الكثير من الأعباء، ويجعل نظامه مطالبا باتخاذ إجراءات أمنية مرنة، حيث جرى توظيف ملف الإرهاب للتنصل من مسؤوليات سياسية واجتماعية وتبرير الإخفاقات الاقتصادية، وهو ما تحمله الشارع على مضض مراعاة للظروف العامة.
ودرج الرئيس المصري على التلميح إلى أن ملف الإرهاب كان سببا رئيسيا في تعطيل بعض دواليب الدولة ومنعها من التقدم في مجال الحريات العامة، ومع زوال هذا التحدي من المفترض تصويب المسارات الأمنية والسياسية التي حالت دون ذلك.
ويأمل سكان سيناء في أن تتغير أحوالهم المعيشية وترفع عنهم القيود التي فرضت على تحركاتهم في نطاق العمليات الأمنية، وحالت دون تنقلهم بين المحافظات المختلفة، لأن استمرار العراقيل والتعامل مع سيناء على أنها منطقة ملتهبة سوف يثير الشكوك حول واقعية الانتصار في المعركة على الإرهاب.
وظل العبور إلى سيناء مغامرة غير محسوبة العواقب لقطاع كبير من المواطنين، حيث اشترط الأمن على من يريد دخولها أن يحتفظ ببطاقة هوية تثبت أنه من سكان سيناء أو يحمل جواز مرور أمني، أو نسخة من وثيقة حجز بأحد الفنادق.
ويرى خبراء عسكريون أن القضاء على الإرهاب يسهل مهمة الحكومة في تنمية سيناء عبر توطين البشر، وهو تحدي يواجه الدولة، إذ تحولت المنطقة بؤرة لمتطرفين وتنظيمات مسلحة استغلت الفراغ السكاني الكبير والصحراء الشاسعة في سيناء.
وتستهدف الحكومة إعادة توزيع السكان وتوطين ثمانية ملايين شخص لتعزيز دمجها في النسيج الوطني وزيادة جاذبيتها للاستثمار ووضعها على الخارطة الاقتصادية.
وأخفق الخطاب السياسي في إقناع سكان العديد من المحافظات للعيش في سيناء، رغم الحوافز التي أعلنت عنها الحكومة على مستوى توفير الأراضي والوحدات السكنية، فالصورة الذهنية لدى الناس أن سيناء لا تزال تعج بالإرهابيين وغير آمنة.
وأكد اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية الأسبق وعضو مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) أن إعلان سيناء خالية من الإرهاب يسهل عملية تعميرها بالبشر، ويرسخ ارتباطها بالوطن، ويكرس استقرارها أمنيا واجتماعيا، لأن تطهيرها من التنظيمات المتطرفة وتركها بلا سكان يغريان المتشددين على العودة.
وأضاف لـ”العرب” أن المشروعات التنموية التي تنفذها الحكومة دليل مصداقية على أنها أصبحت خالية من الإرهاب، وهذا توجه يستهدف تشجيع سكان مناطق أخرى على الاستقرار فيها بشكل آمن، وبالتالي من المستبعد أن تظل سيناء بها ندرة سكانية.
صورة
ويرى حقوقيون أن القضاء على الإرهاب يُحمّل القاهرة مسؤولية مراجعة قراراتها التي اتخذتها في أوقات عدم الاستقرار الأمني جراء الحوادث الإرهابية المتكررة، لاسيما ما يرتبط بالحريات السياسية والتضييق على ناشطين معارضين، لأن البلاد لا تتحمل توترات داخلية تستدعي اتخاذ تدابير استثنائية.
ودأبت الحكومة على فرض أمر واقع بشأن ملف حقوق الإنسان انطلاقا من خصوصية الحالة المصرية بحكم ما تعانيه الدولة من تحديات أمنية وتهديدات من تيارات متطرفة فرضت تقييد الحريات لتضييق مجال الحركة على المتشددين، وها هي الآن تتحدث عن انتصارها في المعركة.
وقال الحقوقي نجاد البرعي لـ”العرب” إن زوال الإرهاب يسرّع من حدوث انفراجة في المناخ العام، وهذا مرتبط بالإرادة السياسية، بحيث يتفق الجميع على هدف وطني للوقوف أمام كل التحديات التي تهدد الاستقرار، لافتا إلى أن الانتصار في الحرب على التنظيمات المتطرفة يجب أن يوازيه انتصار آخر للحريات السياسية.
ومددت السلطات المصرية أكثر من مرة العمل بقانون الطوارئ في سيناء أمام استمرار التهديدات الأمنية، وتوسعت في تطبيق قوانين مكافحة الإرهاب، التي شملت معارضين سياسيين، ما يفرض تصويب المسارات الأمنية والسياسية، طالما أن الأسباب والدوافع والمبررات التي كانت تستند عليها تلاشت ولم تعد موجودة.