وضاح الجليل
أثارت قرارات حوثية جديدة بمنع التنزه في صنعاء غضب اليمنيين، حيث اتهموا الميليشيات بتقليد نهج التنظيمات الإرهابية من جهة، ومحاولة دفعهم لارتياد المتنزهات التابعة للقيادات الحوثية، وذلك بعد أن أصدر مكتب الأشغال الذي تديره الجماعة قراراً بمنع العائلات من التنزه بالقرب من مجرى السيول، وسط العاصمة صنعاء.
وعلقت الميليشيات الحوثية على واجهات المباني المطلة على مجرى السيول، المعروف باسم «سائلة صنعاء»، لافتات تطالب العائلات بعدم الجلوس على مقربة من «السائلة»، في توجه عدّه السكان تعدياً جديداً على حريتهم في الحركة، وحقهم في التنزه.
وكتب أحد الساكنين بالقرب من «السائلة»، على «فيسبوك»، مستنكراً تضييق مجال الحركة والتنزه على المواطنين، وقال إن الميليشيات تدفع السكان للبقاء في بيوتهم، أو تحمل تكلفة وعناء التنزه في الأرياف التي لا يخلو الانتقال إليها من مضايقة نقاط التفتيش. وأضاف أن نافذته تطل على «السائلة»، متمنياً ألا يجبروه على إغلاقها، أو دفع رسوم الإطلال منها.
واشتكى ملاك المحلات من هذا الإجراء الحوثي، ووصفوا ممارسات مكتب الأشغال الذي تديره الميليشيات بأنها تضيق عليهم مصادر إيراداتهم، حيث يحيط بـ«السائلة» كورنيش تم بناؤه منذ عقدين، وأصبح متنفساً لسكان صنعاء، وسوقاً للباعة المتجولين، وافتتحت على جانبيه العديد من المقاهي والمحلات الترفيهية.
ويقول صاحب محل لبيع الحلويات إنه اضطر لإغلاق محله لبعض الوقت، بسبب الإتاوات التي فرضتها الميليشيات على المحلات، وعدم قدرته على دفعها، وحين استطاع إعادة فتح المحل، فوجئ بالقرار الجديد للميليشيات بمنع العائلات من التنزه في المنطقة، وهو ما يهدد إيراداته بالتدني وعدم قدرته على الوفاء بالتزاماته.
وعمّت السخرية مواقع التواصل الاجتماعي بسبب صيغة التعميم الذي نشرته الميليشيات عبر اللافتات التي علّقتها، والأخطاء الإملائية فيها، حيث جاء في التعميم: «كتب الله أجر الجميع، عفواً لطفاً… ممنوع جلوس العوائل على ظفاف (ضفاف) السائلة»، وطالب رواد هذه المواقع الميليشيات بتعليم أتباعها الكتابة والإملاء.
وتساءل آخرون عن علاقة مكتب الأشغال العامة بالآداب، ومَن سمح له بممارسة مهام الرقابة على الأخلاق العامة؟ مشيرين إلى أن الميليشيات أعطت صلاحيات هذه الرقابة لجميع أفرادها، وسمحت لهم بانتهاك حقوق وحريات المواطنين، وفقاً لرؤيتهم وتفسيرهم للأنشطة العامة، وممارسة الأفراد لعادات حياتهم اليومية.
ووفقاً للإعلامي اليمني، عبد الولي المذابي؛ فإن جميع الحوثيين يصدرون الفتاوى، وفتوى «(ظفاف) السائلة» أصدرها مكتب الأشغال الذي يلاحق الباعة المتجولين صباحاً، والعائلات عصراً، وفي الليل يقوم بمهام المباحث الجنائية، كما جاء في منشور له على «فيسبوك».
ونشر شاب صورة له وهو جالس بالقرب من «السائلة»، وعلّق عليها: «من (ضفاف) السائلة قبل أن تتحول إلى (ظفاف) السائلة، فيما علَّق آخر: «للنهر ضفاف، وللسائلة (ظفاف)، هكذا يكون تجديد اللغة».
واستغل أحد محلات تصميم الملابس الحدث لاستخدامه في الإعلان لمنتجاته على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ورد في أحد الإعلانات على «فيسبوك»: «يا لوسامتك وأنت تتجول في (ظفاف) السائلة بهذا المعطف».
وذهبت الكاتبة اليمنية، سهير السمان، إلى أن الخطأ الحقيقي (أو الخطيئة الحقيقية) في ذلك التعميم ليس إملائياً؛ بقدر ما هو خطأ وجودي، وخطأ القبول بحكم الميليشيات وسلبها حياة اليمنيين. وتابعت: «إنه انتهاك حقوق النساء وحق المواطنين عامة، وتمادي الميليشيات في القمع ليصل حتى إلى منعهم من التنزه».
وفي أوائل ديسمبر (كانون الأول) الماضي منعت ميليشيات الحوثي دخول الأزواج مع زوجاتهم إلى المطاعم دون وجود عقد الزواج، وتبنى القيادي محمد الوشلي المكنى «أبو مطهر» حملة للرقابة على عدد من المطاعم، جنوب العاصمة، للتأكد من عدم سماحها بدخول أي زوج مع زوجته إلا بحمل ما يثبت زواجهما.
وكان تقرير حقوقي صدر، أواخر العام الماضي، اتهم الميليشيات الحوثية بممارسة عادة الجماعات الإرهابية وقطاع الطرق؛ في التعدي على النساء واختطافهن في خطوط السفر، وإجبارهن على التنازل عن جميع أغراضهن ومجوهراتهن، إلى جانب دفع مبالغ ضخمة مقابل الإفراج عنهن، من دون أي مسوّغ قانوني.
واتهم التقرير الصادر عن كل من «تحالف نساء من أجل السلام في اليمن» و«تكتل 8 مارس من أجل نساء اليمن» و«المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر» الميليشيات الحوثية بانتهاج ممارسات نظيرة لتنظيم «داعش»؛ بانتهاك حقوق النساء في مناطق سيطرتها، والتدخل في لبس النساء المتصف أصلاً بالحشمة والوقار، وتحديد ألوانه ومقاساته.
ويفيد عدد من الناشطين بأن هذه الممارسات تهدف إلى فرض الوصاية على المجتمع وأفراده وتنميط حياتهم، إلى جانب أنها تعمل على دفع سكان العاصمة صنعاء إلى ارتياد الاستثمارات التابعة لقيادات حوثية؛ من مقاهٍ ومتنزهات، التي يُسمح فيها بالاختلاط وممارسة الأفراد حياتهم الاعتيادية دون رقابة.
وينقل أحد الناشطين شهادته لـ«الشرق الأوسط»؛ بأن الميليشيات، وبعد أن شنت حملات واسعة على المطاعم والمقاهي والمتنزهات العامة خلال الأعوام الماضية، سهلت لعدد من قادتها ورجال الأعمال التابعين لها افتتاح أنشطة استثمارية شبيهة، لتكون بديلة لتلك التي جرى إغلاقها وتقييد أنشطتها.
ويضيف الناشط الذي طلب التحفظ على بياناته أن المقاهي والمتنزهات التابعة لقادة الميليشيات تقدم خدماتها ووجباتها ومشروباتها بأسعار مرتفعة جداً، وهو ما يفسر سلوكها، حيث تعمل على إجبار الأهالي على إنفاق أموالهم في استثماراتها، بعد أن حرمتهم من الحصول على خدمات مجانية، أو بأسعار في متناولهم.
المصدر الشرق الأوسط