فكتور شلهوب
في غضون 4 أيام تبدّلت المواقف والإشارات الأميركية بشكل متسارع بين هبّة ساخنة وهبّة باردة، حول الحرب الروسية على أوكرانيا وبما رسم صورة مشوشة حول تحالفاتها وآفاقها.
بدأ المشهد يوم الجمعة الماضي، مع المؤتمر الصحافي المشترك لوزير الدفاع لويد أوستن ورئيس هيئة الأركان الجنرال مارك مايلي في قاعدة رامشتاين الأميركية في ألمانيا، على إثر انتهاء الاجتماعات هناك لكبار مسؤولي الدفاع في بلدان التحالف الدولي المساند لأوكرانيا في مواجهة روسيا.
بالرغم من لغة الإطراء على الدعم الألماني، كانت الخيبة الأميركية غير خفية من رفض برلين تزويد أوكرانيا بدبابات “ليوبارد 2″، وقد سعت الإدارة خلال عطلة الأسبوع لتلطيف موقف الحليف الذي بدا غير مستغرب طالماً رفضت واشنطن تسليم أوكرانيا الدبابة الأميركية “أبرامز ام 1” الموازية للألمانية.
بدت واشنطن وكأنها تعمل بمكيالين لغايات وحسابات حاولت حجبها بحيثيات خفيفة الوزن مثل أن دبابة “أبرامز” تحتاج إلى وقود “أكثر كلفة” وأن صيانتها وتدريباتها “أكثر تعقيداً”. الترجيح كان أن التحالف بدأ يتشقق ولو أن وزارة الخارجية أصرت على النفي. فجأة وبعد الإحاطة الصحافية أمس الثلاثاء، مررت الوزارة معلومة بأنها ستعلن اليوم الأربعاء عن “موافقة الإدارة” على تزويد أوكرانيا بـ”أبرامز”، من غير توضيح لحيثيات التراجع عن موقفها الرافض.
على الأثر سرت تكهنات بأن التغيير جاء نتيجة لعودة ألمانيا عن قرارها الرافض بخصوص إرسال “ليوبارد” إلى كييف. في الوقت نفسه كان من اللافت أن تنشر صحيفة “واشنطن بوست” فحوى مقابلة مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن حول أوكرانيا أجراها معه الاثنين، دافيد اغناشيوس أحد كتاب صفحة الرأي في الصحيفة والمختص بشؤون الأمن القومي.
أما الجديد في المقابلة فهو أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن “بدأت تخطط لإقامة توازن عسكري لفترة ما بعد الحرب، يوفر قدرة الردع لأوكرانيا بحيث لا يتكرر الغزو الروسي بعد الآن”، على حدّ قول الوزير. فيما مضى وطوال فترة الحرب التي مرّ على اندلاعها 11 شهراً، لم تنفك الإدارة عن التأكيد بأن دعمها العسكري لأوكرانيا هدفه تعزيز وضعها الميداني “لتكون قادرة على التفاوض من موقع القوة”. الآن صارت الغاية تمكينها من امتلاك قوة “رادعة” للدفاع عن نفسها. والإدارة حسب بلينكن، تنطلق في ذلك من الاعتقاد بأن “فشل روسيا في تحقيق أغراضها العسكرية ينبغي أن يشكل حافزاً للولايات المتحدة وحلفائها للبدء في التفكير بصيغة ما بعد الحرب”، التي تعتمد على تجهيز أوكرانيا “بأنظمة مدرعات ودفاعات جوية” بشكل أساسي. ونسب إلى الوزير قوله بأن هذا التوجه جاء “نتيجة شهور طويلة من النقاش حول كيفية إنهاء الحرب وبلورة مرحلة ما بعدها”.
كلامه طرح تساؤلات كثيرة. هل فعلاً ترى الإدارة الآن أن الحرب انتهت إلى الفشل وأن ترتيب مخرج التسوية لم يعد غير مسالة وقت؟ وهل الخلاف مع ألمانيا كان حول ترتيبات الردع لما بعد الحرب أم كان لتعزير وضع أوكرانيا التي طالما استنجدت بالحلفاء لتسليحها؟ وإذا كانت الدبابات مطلوبة لإقامة التوازن الجديد فلماذا حصل الخلاف الأسبوع الماضي ثم تمّ التراجع عنه؟ ثم هل التدبير الردعي مع “انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي” هو نوع من ضم مقنع وغير معلن لأوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)؟
يذكر على هامش هذه التطورات أن السفيرة الأميركية الجديدة في موسكو لين تراسي، التقت أول أمس السفير الروسي في واشنطن اناتولي انتونوف. المتحدث باسم الخارجية نيد برايس وصف أمس اللقاء بأنه يندرج في إطار التواصل الدبلوماسي مع موسكو. وكان تردد أن هناك مساعي مع الصين لتقوم بمبادرة سلمية مع الكرملين.
كما ذكرت تقارير أنه قد يكون هناك مسعى تركي جديد وجدي في هذا الخصوص. تحركات جرى الربط بينها وبين كلام الوزير بلينكن الذي أوحى بخيط ضوء في آخر النفق “الذي قد لا يكون طوله أقل من سنة” في حال سارت الأمور بهذا الاتجاه وكان الكرملين في حالة استعداد مبدئي لسلوك هذا السبيل المتوقع أن يؤدي إلى “صرف النظر عن وضع شبه جزيرة القرم” باعتبار أن استعادة أوكرانيا لها باتت غير واردة.
كل هذه التوقعات محاطة بتحفظ كبير. لكن ما حصل في الأيام الأخيرة من خطوات وتراجعات وإشارات وإن متضاربة، ترك الانطباع بانه مع قرب مرور سنة على بدء الحرب من غير المجازفة القول إنها ستدخل في طور جديد يتراوح بين تحسين التموضع وبين بدايات مساعي “هندسة المخارج”، ولمدة غير قصيرة تبقى مهددة بالانزلاقات.
المصدر العربي الجديد