كريتر نت – متابعات
لا يبدو أن التنافس الفرنسي – الأميركي غرب أفريقيا سيخدم مصلحة أيّ طرف منهما، فقد وجد الجهاديون فرصة للتمدد وملء الفراغات خاصة بعد الانسحاب غير المدروس للقوات الفرنسية الذي سمح للمتشددين بالانتشار بكثافة في المواقع التي تخلت عنها قوة برخان الفرنسية.
وتكون بوركينا فاسو هي نقطة الالتقاء الضرورية بين البلدين من أجل الحيلولة دون توسع الجهاديين وترابط مناطق نفوذهم.
ويقول المستشار السياسي الأميركي أنتوني جيه.توكارز إن هناك دولة واحدة اليوم تقف في طريق التمردين، وتعرقل توسعهم وتشتت مقاتليهم في الميدان. تلك الدولة هي بوركينا فاسو.
لكن في الأسبوع الماضي طلبت الحكومة العسكرية الحالية في بوركينا فاسو من فرنسا سحب ما تبقى من قواتها الخاصة من البلاد.
وأكد المجلس العسكري الحاكم الاثنين أنه أمهل فرنسا شهرا لسحب وحدتها العسكرية المنتشرة في البلد والمؤلفة من نحو 400 عنصر.
من جهتها، أعلنت فرنسا الخميس استدعاء سفيرها في بوركينا فاسو غداة موافقتها على طلب سحب قواتها من مستعمرتها السابقة. يأتي ذلك بعد أن طلب المجلس العسكري الحاكم في مالي مغادرة القوات الفرنسية.
انسحاب القوات الفرنسية خلال شهر حسب طلب حكومة بوركينا فاسو قد يؤدي إلى تشجيع الجماعات الجهادية العاملة في أفريقيا على مضاعفة جهودها
وكانت العملية العسكرية التي قامت بها فرنسا في عام 2014 قد حققت نجاحا في حرمان الجهاديين من مكاسبهم ومحاصرتهم في جيوب قليلة نائية في أعماق داخل البلاد.
وقد يؤدي انسحاب القوات الفرنسية خلال شهر حسب طلب حكومة بوركينا فاسو إلى تشجيع الجماعات الجهادية العاملة في أفريقيا على مضاعفة جهودها ضد الحكومات في منطقتي المغرب والساحل. ويؤكد توكارز أنه ليس من قبيل المبالغة القول إن مصير كل أفريقيا قد يكون على المحك.
جدير بالذكر أنه في عهد الرئيس بليز كومباوري، الذي تولى السلطة في بوركينا فاسو عام 1987 واستقال أثناء أزمة دستورية عام 2014، تغيرت السياسة التي كانت سائدة في بوركينا فاسو قبل توليه منصبه وحققت السلام والاستقرار في البلاد. وكان كومباوري يتمتع بعلاقات مثمرة مع التنظيمات الإسلامية في المنطقة، ونجح في تحرير الكثير من الرهائن بصورة سلمية.
ومع ذلك، عانت إدارة كومباوري من فشل في التخطيط للخلافة: فقد سعى إلى التمسك بالسلطة بإجراء تعديل دستوري ولم يضف للدستور أيّ بند لكيفية احتواء الاحتجاجات سلميا في حالة حدوث انتفاضة عامة. وفي غضون أسابيع من التغيرات المقترحة، لم يكن أمام كومباوري أي خيار سوى الاستقالة وإتاحة الفرصة لحكومة عسكرية لتولى السلطة.
وبعد استقالة كومباوري، شهدت بوركينا فاسو ست حكومات قضت كل منها فترة قصيرة في الحكم. وخلال تلك الفترة، تسبب المتنافسون على الرئاسة في عرقلة جمع أموال الحكومة وإنفاقها بسلاسة لتخفيف المخاوف المتعلقة بالمناخ وتداعياتها السياسية.
مخاوف من ترسيخ الجهاديين تواجدهم في بوركينا فاسو، ثم ينتشرون عبر توغو، ويلتحمون مع متمردي بوكو حرام
ويعتبر التسلسل الزمني الدقيق للأحداث التي وقعت بعد ذلك أمرا معقدا لكثرة عدد الجماعات المتمردة المشاركة فيها وميلها للاندماج، والانفصال، وإعادة تشكيل نفسها، ولكن النتيجة هي أن المتمردين انتقلوا إلى شمال بوركينا فاسو من مالي، مضيفين بذلك مسرحا جديدا للتمرد الإسلامي في المغرب العربي، ومعرضين دولة كانت مستقرة من قبل للخراب على يد الجماعات المسلحة الانتهازية.
من ناحية، أخرى شهدت نيجيريا – التي واجهت حربا أهلية مدمرة منذ عام 2009، عندما قامت بوكو حرام بتمردها ضد الحكومة بهدف إقامة دولة إسلامية – تصعيدا في صراعها مع بوكو حرام عندما بايعت الجماعة تنظيم داعش وخطفت 276 من التلميذات، وبدأت حملة هجمات يومية ضد المسيحيين ومسؤولي الحكومة. في ذلك الوقت استعانت عملية برخان الفرنسية بالآلاف من القوات الفرنسية والأفريقية الحليفة لصد الجماعات المسلحة. وأثبتت نجاحها حتى 2021 عندما تسبب الانقلاب في مالي في أن توقف فرنسا نشاطها وتنهي عملياتها هناك.
ويقول توكارز في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأميركية إنه بعد إعلان حكومة بوركينا فاسو رغبتها في أن يكون هناك انسحاب فرنسي كامل، يبدو الآن أن الوضع الأمني سيزداد تدهورا. ويتمثل أسوأ السيناريوهات في إمكانية قيام المقاتلين الجهاديين من منطقة المغرب العربي بتمرد لترسيخ تواجدهم في بوركينا فاسو، ثم ينتشرون عبر أراضي توغو، ويلتحمون مع متمردي بوكو حرام في بنين، ومن هناك يتدفقون إلى شمال نيجيريا.
ليست هناك حلول سهلة أو مسارات مستقبلية واضحة للأزمة الأمنية التي تزداد سوءا في غرب أفريقيا
وأفضل السيناريوهات المتوقعة استئناف الجماعات الجهادية لتنافساتها القديمة بدلا من اتحادها وبذلك تكرس المزيد من الوقت لقتال كل واحدة منها الأخرى بدلا من الاستعداد للقيام بهجمات ضد أوروبا والولايات المتحدة.
ويؤكد توكارز أنه ليست هناك حلول سهلة أو مسارات مستقبلية واضحة للأزمة الأمنية التي تزداد سوءا في غرب أفريقيا. كما أن الوضع يزداد تعقيدا بعد اتهامات الرئيس الغاني نانا أكوفو – أدو لبوركينا فاسو بأنها استعانت بمجموعة فاغنر لمساعدة بلادها في محاربة الجهاديين. وإذا صدقت هذه الاتهامات فإنه يمكن أن يعجل مثل هذا الأمر بالمزيد من التصعيد بين الغرب وروسيا.
وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الاستفادة من درس الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، وينبغي عليهم التعامل مع أيّ ارتباط عسكري طويل الأمد بحذر.
ومع ذلك، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الاهتمام باستخدام إستراتيجية واضحة لكن دون أن تجذب نفس الاهتمام كرد عسكري وتتمثل في الحوافز الاقتصادية. وحتى الآن، سعت فرنسا وشركاؤها في غرب أفريقيا إلى الحد من عدد المقاتلين الجهاديين بالطريقة الأكثر تقليدية وهي قتلهم.
ويرى توكارز أنه يبدو أن التمرد في غرب أفريقيا يمثل تهديدا مستعصيا طويل الأجل وخطرا حاليا. ومع ذلك، يتعين على الولايات المتحدة مساعدة فرنسا على وضع خطط بديلة للمشكلة لتجنب تكرار نفس الأخطاء وتوقع نتيجة مختلفة. وربما من شأن الأزمة الراهنة أن تنبه الولايات المتحدة وحلفاءها على الأقل بالنسبة إلى الأهمية الإستراتيجية لبوركينا فاسو، محور الأمن في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.