كريتر نت – متابعات
العنف الإسرائيلي يقابل بعنف مضاد، وهذه رسالة فلسطينية ردا على تصعيد اليمين الإسرائيلي الذي يريد فرض الأمر الواقع. صعود اليمين من هنا وهناك سيعني توجيه ضربات قوية لعملية السلام، وإنهاء مساراته القديمة.
وتظهر الهجمات العنيفة أن اليمين الإسرائيلي سيتخلى عن خطاب السلام الذي التزمت به إسرائيل في السنوات الماضية، وأن تعامله مع الفلسطينيين سيكون معتمدا على القوة العسكرية من أجل فرض سياسة الأمر الواقع عليهم بدلا من مفاوضات السلام العبثية.
وبالتوازي مع صعود اليمين الإسرائيلي وتخلصه من مفردات السلام، تحدث تغييرات كبيرة في الطرف المقابل أولها تهميش السلطة الفلسطينية وإنهاء دورها عمليا، وتمكين التيار المتشدد داخل الفلسطينيين من الصعود إلى الواجهة بما في ذلك داخل حركة فتح، حيث أعلنت كتائب شهداء الأقصى الواجهة العسكرية لفتح عن تبنيها للعملية التي استهدفت كنيسا يهوديا وأفضت إلى مقتل سبعة أشخاص وجرح آخرين.
وقالت الكتائب عبر حسابها على تويتر “تزف كتائب شهداء الأقصى الاستشهادي المنغمس خيري علقم (21 عاما) من حي الطور في القدس المحتلة”.
وأضافت أن علقم “ارتقى بعد أن زلزل أمن كيان بني صهيون المزعوم، وجندل بمسدسه أكثر من سبعة قتلى وكشف هشاشة منظومتهم الأمنية والعسكرية”.
وهذا يعني ببساطة أن خطاب السلام الذي قامت عليه السلطة الفلسطينية يفقد أنصاره حتى داخل حزب الرئيس محمود عباس، وهذا مفهوم لأن إسرائيل عملت على تهميش السلطة وتحويلها إلى جسم بلا مصداقية لدى الفلسطينيين، وأعطت مبررات كثيرة لصعود المتشددين في الصف الفلسطيني.
وتعمل حركتا الجهاد وحماس على استثمار الهجمات الإسرائيلية، التي يذهب ضحيتها في الغالب المدنيون، لتأكيد أن خيار السلام لم يفض سوى إلى تمكين إسرائيل من استباحة دماء الفلسطينيين.
لكن مراقبين ومحللين يقولون إن إمساك الفصائل الراديكالية بالموضوع الفلسطيني لن يزيد الفلسطينيين إلا بؤسا، لافتين إلى تاريخ المواجهات غير المتكافئة بين إسرائيل وحماس في غزة، حيث تنتهي مغامرة إطلاق الصواريخ محدودة التأثير إلى مجازر في حق المدنيين.
ويشير المراقبون إلى أن الخطر من استمرار الهجمات العنيفة يستهدف الفلسطينيين كما الإسرائيليين الذين قد يواجهون انتفاضة جديدة في مناطق حيوية بالنسبة إلى وجودهم.
وحذرت صحيفة إسرائيلية صباح السبت من إمكانية اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة حال قرر المجلس الوزاري الأمني (كابينت) تنفيذ عملية عسكرية كبرى بمدن الضفة الغربية.
وجاءت تلك التحذيرات غداة مقتل 7 إسرائيليين في عملية إطلاق نار بمستوطنة “النبي يعقوب” شمالي القدس، هي الأضخم منذ 2011، بعد يوم من مقتل 9 فلسطينيين في عملية نفذها الجيش الإسرائيلي الخميس بمخيم جنين شمالي الضفة الغربية، وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت”.
وقال المعلق العسكري بالصحيفة رون بن يشاي في تحليل بعنوان “الاختبار الكبير للكابينت اليميني”، إن عملية “النبي يعقوب هي بلا شك عمل انتقامي” ردا على العملية العسكرية في جنين والتي وصفتها السلطة الفلسطينية بـ”المجزرة”.
وأضاف أن على إسرائيل أن تمنع على الفور المزيد من العمليات مثل هجوم “النبي يعقوب وكذلك الأعمال الانتقامية من اليهود المتطرفين في القدس”.
واعتبر بن يشاي أن ذلك يمكن من خلال “إغراق المنطقة بالقوات الإسرائيلية”، مع تجنب تنفيذ عمليات عسكرية كبرى داخل المدن الفلسطينية في الوقت الراهن.
وقال إن الأحداث في جنين والقدس على مدى اليومين الماضيين “يمكنها رفع مستوى العنف الشديد، الذي تم احتواؤه نسبيا في الأشهر الأخيرة، إلى انتفاضة حقيقية تشارك فيها حشود من الفلسطينيين، ومتطرفون يهود”.
وشدد على أن المهمة الرئيسية لقوات الأمن الإسرائيلية ستكون منع مثل هذا التصعيد.
ومضى بن يشاي بقوله “اليوم، سينعقد الكابينت بتشكيلته الجديدة، حيث لا يوجد الكثير من الأشخاص ذوي الخبرة. وهو يتألف بشكل أساسي من وزراء ذوي آراء قومية متشددة، يمكنهم الضغط من أجل تنفيذ عمليات جذرية، والتي بدلاً من تهدئة المنطقة، ستؤجج النيران أكثر”.
ورأى أنه في مواجهة “الذئاب المنفردة” (يقصد الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات من تلقاء أنفسهم دون أي انتماء تنظيمي أو سياسي) “ليس من المتوقع أن تسفر عملية كبرى في المدن الفلسطينية أو في أحياء القدس الشرقية عن نتائج مهمة، وقد تؤدي فقط إلى إذكاء النيران وصولا إلى انتفاضة ثالثة..”.
وكشفت الهجمات المتبادلة أن السلطة الفلسطينية لا تمتلك أيّ تأثير داخلي أو خارجي يساعدها في التحرك لوقف العمليات الإسرائيلية أو لجم الهجمات الفلسطينية التي تعطي مشروعية أكبر للعنف الإسرائيلي، في وقت يتساءل فيه محللون سياسيون عمّا بقي للسلطة الفلسطينية للدفاع عن شعبها خاصة أن العمليات تتم في الضفة الغربية التي تقع تحت سيطرتها.
والخميس أعلنت السلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل احتجاجا على مقتل 9 فلسطينيين خلال اقتحام مدينة جنين شمالي الضفة الغربية.
كما قررت التوجه الفوري إلى مجلس الأمن لتنفيذ قرار الحماية الدولية للشعب الفلسطيني تحت الفصل السابع، ووقف الإجراءات أحادية الجانب، والتوجّه بشكل عاجل إلى المحكمة الجنائية الدولية.
الهجمات يمكنها رفع مستوى العنف الشديد إلى انتفاضة جديدة في الضفة الغربية في ظل محدودية تأثير السلطة الفلسطينية
ووجهت القيادة الفلسطينية “الدعوة الفورية لقدوم لجنة التحقيق الدولية المستمرة في مجلس حقوق الإنسان، للتحقيق وإحالة مخرجاتها بشأن مسؤولية الاحتلال عن هذه المجزرة للمحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن”.
ودعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس جميع القوى الفلسطينية إلى اجتماع طارئ للاتفاق على رؤية وطنية شاملة ووحدة الصف لمواجهة العدوان الإسرائيلي والتصدي له.
وقال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل إن قرارات القيادة الفلسطينية على محدوديتها تشكل ضغطا على إسرائيل ولكنها ليست رادعة.
وأضاف “في إسرائيل حكومة لا تدير سياسة تكتيكية بمعنى تصعيد وهدوء وعلاقات عامة، بل حكومة بأهداف توسعية بالضفة وقطاع غزة، وليست ذات أهداف موضوعية كالتخلص من مقاومة جنين أو نابلس”.
وعن الدعوة إلى اجتماع وطني يضم كافة الفصائل، يقول عوكل “نأمل أن تكون هناك خطوات عملية مختلفة عن السابق، الظروف مختلفة الآن عن أي ظرف سابق وتفرض على الكل مسؤولية وطنية للذهاب إلى اجتماع وطني وإنجاح برنامج مواجهة”.
وفي الإطار ذاته، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي إن تلك القرارات جيدة لو كانت ضمن رؤية لكيفية إدارة العلاقة مع إسرائيل.
وأشار إلى أنها (القرارات) تنسجم مع نبض الشارع الفلسطيني في ظل أحداث جسام فرضت اتخاذ هكذا خطوات.
لكنه يقول إنه من الأولى الدعوة إلى عقد مؤتمر عام للفصائل الفلسطينية تصدر عنه قرارات باتفاق مرفق ببرنامج مقاوم.
وتابع الشوبكي “لا يكفي القول إننا أوقفنا التنسيق الأمني دون أن يترافق مع برنامج واضح لإدارة العلاقة مع إسرائيل وخاصة في الملف الاقتصادي، وهناك مخاوف من أن يرتد القرار على الفلسطينيين عبر وقف تدفق أموال المقاصة (الضرائب) من إسرائيل، الأمر الذي سينعكس على تقاضي رواتب الموظفين”.
وتأتي القرارات أيضا بحسب الشوبكي لاحتواء الغضب في الشارع الفلسطيني، ولكي تقول السلطة الفلسطينية إنها موجودة وتتخذ قرارات تنسجم مع غضب الشارع، من دون أي تأثير.
ويرى أستاذ الإعلام في جامعة النجاح الوطنية فريد أبوظهير أن القرارات تكتيكية، ودق لناقوس الخطر بأن الأوضاع في الضفة الغربية وصلت إلى مرحلة متقدمة وخطيرة، واستمرارها يعني الوصول إلى مرحلة اللاعودة.
وقال أبوظهير “كثير من الأمور والقضايا التي لا يمكن ولا تستطيع السلطة الفلسطينية المضي بها دون التنسيق الأمني كوصول المساعدات الدولية، وأموال الضرائب ووصول الأمن الفلسطيني إلى المناطق (ج) مثلا”.
وأضاف “السلطة بهذه القرارات تدق ناقوس الخطر، وعلى العالم التدخل الآن قبل فوات الأوان، الوضع لا يحتمل، والمواطن يشعر بضغط شديد”.