كريتر نت – متابعات
مثلت ذكرى الهلوكوست فرصة لإبراز دور المغرب عبر التاريخ وإلى اليوم في حماية اليهود وثقافتهم، ما يجعله نموذجا في نشر قيم التسامح واحترام الاختلافات الدينية في المنطقة.
وتجد جهود المغرب في حماية التراث اليهودي في البلاد الكثير من التقدير من قبل الجالية اليهودية في المغرب والمنظمات المحلية والدولية، وهو ما عكسته مداخلات لنشطاء يهود ودبلوماسيين غربيين خلال ندوة عقدت الأحد في الدار البيضاء بمناسبة اليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست التي مثلت فرصة لإبراز دور المغرب في حماية اليهود عبر التاريخ.
وأشاد المشاركون في الندوة بالدور البارز للعاهل المغربي الملك محمد السادس في نشر قيم السلام والتسامح والحوار بين الديانات، وجهوده في الحفاظ على التراث الثقافي والديني اليهودي المغربي وتعزيز إشعاعه.
وأثنى المشاركون على الرؤية السامية والجهود الدؤوبة للعاهل المغربي في الحفاظ على الموروث العبري المغربي وفي التحديث المؤسساتي لهياكل إدارة الشؤون اليومية لأفراد الطائفة اليهودية، مؤكدين أن رؤيته المتبصرة مكنت من تقوية علاقة اليهود المغاربة المقيمين في الخارج ببلدهم الأصلي.
وتمثلت عناية الملك محمد السادس بالموروث اليهودي المغربي في ترميم المقابر والمعاهد اليهودية في المملكة، وإنشاء متحف للتراث اليهودي المغربي في الدار البيضاء، كما أدرجت وزارة التعليم تدريس الثقافة اليهودية في المناهج الدراسية معللة تلك الخطوة بأنها تأتي تماشياً مع دستور 2011 الذي ينص على وجود “هُوية متعددة الروافد، أمازيغية، وحسانية، وعبرية”.
وكانت المقررات التي تتناول المكون العبري خلال المواسم الدراسية السابقة مقتصرة على مادة التاريخ، قبل أن تضاف إليها مؤخرا مادتا اللغة العربية والفرنسية، ابتداءً من الصف الرابع الابتدائي.
وأدرجت المواضيع المتعلقة بالهوية اليهودية في 18 كتابا مدرسيا بعد أن كانت قبل سنوات في ثلاثة كتب فقط.
ويرى الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج عبدالله بوصوف في تصريح لـ”العرب” أن “المغرب يقدم اليوم نموذجا للتعايش والتسامح في ظل التوترات العالمية الحالية”، مشيرا إلى أن “الملك محمد السادس أعطى أهمية أكثر في السنوات الأخيرة للطائفة اليهودية حيث تمت إعادة تأهيل الأحياء اليهودية وتسمية شوارع بأسماء يهودية وإقامة متاحف لليهود بفاس وطنجة وتوفير محاكم للتقاضي بين اليهود، وهذه الأهمية لا نجدها في العالم، وإنما هي امتياز وخصوصية مغربية”.
وشدد بوصوف على أن تمظهرات الاهتمام الملكي ومؤسسات الدولة بالثقافة اليهودية تنهل من منهجية تركز على بناء ذاكرة جماعية منفتحة على المستقبل، وتحمل الموروث التاريخي الموجود بصفة مشتركة بين اليهود والمسلمين، وتعيش بروحه في عالم اليوم الذي يعاني من التطرف والإرهاب والكراهية والعنف.
واستحضر المتدخلون كذلك، خلال هذه الندوة المنظمة بكنيس “ببيت إيل”، جهود كل من العاهلين المغربيين الراحلين الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني، في الدفاع عن اليهود المغاربة من بطش النازيين إبان الاستعمار الفرنسي.
وبمناسبة إحياء هذه الذكرى، التي نظمتها جمعية ميمونة ومجلس الطوائف اليهودية في المغرب ومركز الأمم المتحدة للإعلام في الرباط، أبرز رئيس الجمعية السيد المهدي بودرة، في كلمة بالمناسبة، الجهود التي قام بها الملك محمد الخامس في حماية اليهود المغاربة من بطش حكومة فيشي.
وأضاف أن الملك محمد الخامس “كان شجاعا لما تصدى للنازيين، آنذاك، ولم يخضع لضغوطاتهم”، مشيرا إلى أن الجمعية المغربية، التي تأسست بجامعة الأخوين من قبل مجموعة من الشباب المسلمين، أخذت على عاتقها توعية الشباب بالموروث الثقافي اليهودي المغربي.
وبدوره استحضر سيرج بيرديغو، الأمين العام لمجلس الطوائف اليهودية في المغرب، الجهود الجبارة التي قام بها الملك محمد الخامس الذي وقف في وجه حكومة فيشي عندما كان المغرب تحت الاحتلالين الفرنسي والإسباني.
وذكّر بيرديغو بالمعاناة التي تكبدها المغاربة، مسلمين ويهودا على حد السواء، إبان فترة الاستعمار، مضيفا أن القصر الملكي رغم مضايقات نظام فيشي كانت أبوابه مفتوحة في وجه الكل من أجل الدفاع عن حقوق المغاربة وحماية ممتلكاتهم.
وعبرت ألونا فيشر كام، رئيسة مكتب الاتصال الإسرائيلي بالنيابة في الرباط، عن اعتزازها بالمشاركة في هذه الندوة التي تحيي ذكرى ضحايا الهولوكوست التي تشكل بالنسبة إليها مناسبة لاستحضار هذه المعاناة حتى تتم التوعية بمخاطر الكراهية والعنصرية.
وأبرزت في هذا الصدد الجهود التي قامت بها العائلة الملكية المغربية، منذ قرون، في حماية اليهود المغاربة من أجل العيش الكريم.
وتحافظ مدن الصويرة والدار البيضاء والرباط وفاس وتطوان ومراكش ومكناس وصفرو على معالم وأحياء “الملاح” التي عاش فيها تاريخياً اليهود في كنف التعايش مع المغاربة المسلمين، ويشاركونهم التجارة والصناعة والأملاك وجميع أمور الحياة باستثناء الزيجات.
ومن جهته، قال سفير الولايات المتحدة لدى المغرب بونييت تالوار، “إن الملك محمد الخامس استطاع أن يقف في وجه النازية ويحمي اليهود المغاربة خلال هذه الفترة العصيبة من التاريخ”، مضيفا أن “الأمر نفسه استمر مع الملك الحسن الثاني والملك محمد السادس”.
وتابع أن “المغرب يشكل بذلك نموذجا يحتذى به في المنطقة والعالم برمته”، منبها إلى مظاهر الكراهية والعنف التي بدأت تطفو مرة أخرى على السطح، مما يستوجب التصدي لها ومحاربتها.
ومن جانبها، أبرزت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في المغرب ناتالي فوستر الدور البارز لكل من الملك محمد الخامس والملك محمد السادس في حماية اليهود المغاربة والدفاع عنهم.
كما نوهت المسؤولة الأممية بالدور المتميز للمغرب في جهوده المرتبطة بحوار الأديان ومحاربة العنف والكراهية بين مختلف الديانات.
أما ميشيل كيشكا، وهو مخرج وكاتب سيناريو إسرائيلي – بلجيكي، فقد استعرض كتاباته ورسوماته المتعلقة بالتوثيق لهذه المرحلة من تاريخ الإنسانية المتمثلة في ضحايا الهولوكوست انطلاقا من تجربة أسرته، حيث كان والده من بين الضحايا.
وذكّر عبدالله بوصوف بالخصوصية المغربية في إدارة الاختلاف الديني والاثني، والتي تمثلت في التناغم الذي تميزت به علاقة اليهود والمسلمين في المجتمع المغربي، التي تجاوزت الاحترام والقبول بالآخر إلى التشارك في بعض المعتقدات بين المنتسبين إلى الديانتين، وهو ما يتجلى في زيارة بعض الأولياء (الزوايا الصوفية) من طرف اليهود والمسلمين المغاربة وأيضا مشاركة اليهود المغاربة إخوانهم المسلمين صلاة الاستسقاء عند احتباس الأمطار.
وشدد بوصوف على أنه لم يسجل على مر التاريخ في المغرب اعتداء على أماكن عبادة الطائفة اليهودية الموجودة في المغرب إلى جانب الطائفة المسيحية حتى إثر اندلاع الصراع العربي – الإسرائيلي، مضيفا أن المغرب يحترم أماكن عبادة اليهود بقدر التقديس الذي يكنه للمساجد.