رشيد الخيون
إنَّ تعدد الجيوش والحشود بالوطن الواحد يسفر عن تهشيمه، فمَن لديه عقيدةٌ وسِلاحٌ لا يخضع لغيره، وكيف إذا كان له ذراعٌ اقتصاديّة وبإشعارٍ رسميّ؟! ولنّا بسوَّار بن المُضرِّب الخارجيّ، في ولاية الحَجَّاح بن يوسف الثَّقفي على العراق(75-95هج)، فائدةٌ: «أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي/ وقومي تميمٌ والفَلاَة ورائِيا»(المُبرد، الكامل في اللُّغة والأدب). أقول: مَن لديه سِلاح بمستوى ما عند الدَّولة، وعقيدة خارجيَّة وقوة اقتصاديَّة، لا ترجو الدَّولة وطنيته. لا سَمع ولا طاعة لأحدٍ عليه، إلا لمَن يقرُّ له بالولاية.
إنَّ ولاء «الولائي» للعِراق وهمٌ مِن الأوهامِ، فمَن دخل بنية الدِّفاع ضد الإرهاب، وهو ما يليق به عنوان «الشَّعبي»، قد عاد مقاتلوه، بعد القيام بإسناد القوات المسلحة والتَّحالف الدُّوليّ، أمَّا مَن استمر فعنوانه الصَّحيح «الولائي»، وفق عقيدة ميليشياته، وتدبير أمرها ليس عراقياً. سيكون حال العِراق مع «الولائي» حال اليمن مع الحشد الحوثي، ولبنان مع حشد حزب الله، وأفغانستان مع حشد طالبان، خذوا عبث هذه الحشود تجاربَ أمامكم.
حصل في اجتماع مجلس الوزراء العِراقي (28/11/2022): «الموافقة على تأسيس شركة عامة باسم (المهندس)، برأسمال مئة مليار دينار، ترتبط بهيئة الحشد الشَّعبي». يُعد ما يُقترح باسم قادة الميليشيات قراراً، فالامتناع يعني التَّهديد المستمر، معلوم أنَّ «معزول الولائي لا يُستخدم، ومنصوبه لا يُعزل»، جاء ذلك استعارة بتصرف لصلاحيات علي الكَركي(1534)، نائب الإمام في عهد طهماسب الأول(ت: 1576)، الشَّاه الصَّفوي الثَّاني (مروّة، التَّشيع بين جبل عامل وإيران. التنكابني، قُصص العُلماء). صدر قرار شراكة الحشد في الاقتصاد، مع أنَّ وزراء يعلنون أنفسهم ضد الازدواجيَّة، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء، لكنّ مَن يعترض ينام على خطرٍ.
إذا كان الولائي يتذرع بفتوى «الجهاد الكفائي»، الأساس الذي تشكل عليه، فهذه لا عند إطلاقها، ولا بعد انتهاء المعارك، نطقت صاحبتها المرجعيَّة الدّينية باسم الحشد، أو شكرت جماعة بهذا الاسم، في كلِّ خطب الجمعة، التي ألقيت بين (2014-2017). لأنَّ تأسيس «الولائي» انطلق منذ 2003 بتفريخ الميليشيات، أما فتوى المرجعيَّة فقد اُستغلت لتأسيس الجيش الموازي. يُسافر قادته وينوب عنهم أبناؤهم لاستيراد السَّلاح، ولا اعتبار لقائد عام ولا وزير دفاع.
يقول نص فتوى «الكفائيّ»: «على المواطنين الذين يتمكنون من حمل السِّلاح، ومقاتلة الإرهابيين، دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم، عليهم التَّطوع للانخراط في القوات الأمنية»(13/6/2014). وجاء في «خطبة النَّصر» تحذير مِن مأرب تشكيل الحرس الموازيّ: «كانت نواياهم خالصة من أيَّ مكاسب دنيوية… ومِن الضَّروري المحافظة على هذه المكانة الرَّفيعة، والسُّمعة الحَسِنة، وعدم محاولة استغلالها لتحقيق مآرب سياسية، يؤدي في النِّهاية إلى أنْ يحلّ بهذا العنوان المقدس ما حلّ بغيره من العناوين المحترمة، نتيجة للأخطاء والخطايا التي ارتكبها مَن ادّعوها»(15/13/2017)، وخطايا الميليشيات بالاغتيالات تأتي في المقدمة.
بعد عبث الميليشيات، في الخطف والاغتيال، وجه سادة القادة الولائيين حشدهم إلى الجهاد النَّاعم، فأصبحوا يطلبون الإعمار، بعد أنْ أمسى وجوده العسكري فجاً. سيُذل العراقيّ تحت هذا الغطاء، فمَن تورط بدم الكفاءات والشَّباب، ودرب وأشرف على دخول الإرهابيين مِن الشَّام إلى العِراق، كي يعطي شرعية لتأسيس حشده، ليس له في الزّراعة والصّناعة.
لأجل هيمنة يريدها الولائيون لغير العِراق بعقيدة لا يخفونها، ولم يبق سوى الاقتصاد، وقد تحقق بهذه الشَّركة. لا أراها إلا بداية لمهالك جديدة. عندها ستُحكم كماشة الولائي على العِراق، باعتقاد وسلاح واقتصاد! غير أنَّ هذا الثّلاثي القاتل، تدبره نية سامة، والكلمة لمحمد صالح بحر العلوم(ت:1992): «بعض العقائد وهي غازٌ قاتلٌ/مِن نَشرها تتسممُ الأَجواءُ»(بعض العقائد: 1934).
نقلاً عن “الاتحاد” الإماراتية