كتب .. د/ عبدالعليم محمد باعباد
ما دلالة تصريح الخارجية الأمريكية اليوم اعتبار الضفة الغربية بفلسطين أراض محتلة؟
الحقيقة أن هذا الموقف يعني مباركة الولايات المتحدة الأمريكية لكل ما تقوم به دولة الاحتلال إسرائيل من أفعال تنكيل ضد الشعب الفلسطيني؛ لأن اعتبارها أرض محتلة معناه إطلاق يد إسرائيل في التحكم بكل ما يتعلق بالفلسطينيين من إجراءات إدارية و أمنية بمبرر أن لسلطة الاحتلال الحق في ذلك وفق قانون الاحتلال الحربي الذي يعتبر قانونا دوليا تقليديا.
وغني عن القول أن تاريخ الاحتلال وقوانينه تعتبر من قبيل القوانين التاريخية التي انتهت بفعل الواقع الذي دعمته قواعد القانون الدولي الجديد، و مواثيق الأمم المتحدة وإعلانات الجمعية العمومية؛ كإعلان منح الشعوب والبلدان المستعمرة استقلالها الصادر عام 1966. وهذه القوانين تدرس لا لتطبق؛ ولكن كمرحلة من مراحل القانون الدولي الذي كانت تصيغ قواعده دول الاحتلال ذاتها.
صحيح أن فلسطين مازالت تحت الاحتلال الإسرائيلي، لكن وضع الضفة الغربية وفق اتفاقات السلام منذ اتفاق كامب ديفيد ثم مدريد وما بعدها كان تحت ما سمي بوضع الحكم الذاتي.
ومع أن وضع الحكم الذاتي من وجهة عرضه على قواعد القانون الدولي غير التقليدي الذي بدأ منذ قيام الأمم المتحدة المتأثر بعامل التوازن القطبي حينها( الاتحاد السوفييتي من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى )؛ يعتبر وضعا شاذا لأنه نقل مفاهيم ومصطلحات القانون الدستوري إلى مصطلحات القانون الدولي العام؛ وذلك بغرض اعتبار الضفة الغربية منطقة لها خصوصية ضمن دولة الاحتلال الإسرائيلي.
و من المعروف أن كل دول العالم كانت قد تحررت ونالت استقلالها بفضل ثورات شعوبها، ورفعت دول الاحتلال يدها عن الشعوب والبلدان المستعمرة، ولم تبق سوى فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي بفعل وقوف الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا في الدعم المادي والدعم بالموقف داخل مجلس الأمن.
لم تظهر فكرة إحياء قواعد قانون الاحتلال الحربي التقليدي في القرن الواحد العشرين حسب علمي إلا عند احتلال أمريكا وبريطانيا لدولة العراق عام 2003م؛ إذ أعلنت هاتان الدولتان أنهما دولتي احتلال للعراق؛ وذلك للخروج من مأزق التساؤل عن طبيعة العدوان الأمريكي باحتلال العراق، والقانون الذي سيطبق على العراق بعد احتلاله.
وهاهي الولايات المتحدة تصرح به؛ لا لإلزام إسرائيل بواجباتها تجاه الأراضي المحتلة؛ ولا اعترافا بنتيجة الاحتلال المقابلة وهي حق الشعوب المحتلة في الحرية ونيل الإستقلال، ولكن لأجل تبرير الإجراءات العدوانية الإسرائيلية تجاه شعب فلسطين.
وحيث تكون القوة هي المتحكمة كما هو الحال في العلاقات الدولية بعد غياب التوازن القطبي؛ فإن القانون الدولي العام يعتبر قانون لعبة الدول الكبرى، تطبقه حينما تكون مصلحتها متوافقة معه؛ وتخترقه وتلغيه عمليا عندما تصطدم مصلحتها بقواعده ومواثيقه.