كريتر نت – العربي الجديد
تعيش الأسواق اليمنية على وقع موجات غلاء متجددة تشمل السلع الأساسية، وسط تبادل الاتهامات حول الاضطراب الحاصل في مختلف القطاعات التجارية وارتفاع الأسعار المفاجئ للسلع الضرورية، بالرغم من حالة الركود النسبي التي تمرّ بها البلاد بشكل شبه متواصل.
وقفزت أسعار السلع الأساسية في صنعاء وعدن وتعز ومختلف المدن اليمنية بنسب متفاوتة من مدينة لأخرى، مع تراوح سعر كيس الدقيق (50 كيلوغراماً) بين 18 و20 ألف ريال في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين واقترابه من 40 ألف ريال في مناطق الحكومة اليمنية، فيما كانت الصدمة في أسعار الأرز مع تخطي أسعاره حاجز 50 ألف ريال.
عوامل قفزات الأسعار
قال مدير الغرفة التجارية والصناعية في محافظة تعز، مفيد عبده سيف، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن هناك عوامل عديدة وراء الزيادة الحالية في الأسعار التي تشهدها الأسواق اليمنية، إذ إن أسعار السلع الأساسية، بحسب قوله، يتوقف على سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية وتأثير ذلك في عملية الاستيراد في بلد يستورد معظم احتياجاته السلعية والغذائية من الخارج.
وأوضح مدير الغرفة التجارية والصناعية في تعز أن الاستقرار السلعي والسعري في الأسواق المحلية مرهون بتوقف اضطراب سعر صرف الريال اليمني، لافتاً إلى الانكماش الحاصل غير المعلن في اقتصاد ريعي بدرجة أساسية، وليس إنتاجياً، وهو ما يلقي بتبعات متعددة على مختلف الأوضاع في اليمن، إضافة إلى الأحداث والتطورات والمتغيرات التي تشهدها الأسواق العالمية أخيراً، وتأثيرها في أسعار القمح والزيوت ومختلف السلع الأساسية والغذائية.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد أبدت استعدادها في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2022، لتقديم نحو 20 مليون دولار لتسهيل عملية نقل القمح الأوكراني إلى اليمن، لمواجهة أزمة انعدام الأمن الغذائي في البلاد.
واصل الريال اليمني مسلسل انهياره، أخيراً، أمام العملات الأجنبية، مع وصوله إلى نحو 1220 ريالاً للدولار الواحد في عدن ومناطق الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، فيما أعلنت شركة النفط في صنعاء التابعة للحوثيين انخفاضاً جديداً في أسعار الوقود بدأ يوم السبت 24 ديسمبر/ كانون الأول وتحديد سعر الصفيحة الواحدة من البنزين 20 لتراً بنحو 10000 ريال من 10500 ريال.
في السياق، يؤكد المحلل الاقتصادي أحمد السلامي، لـ”العربي الجديد”، أن هناك ارتفاعاً في الأسعار يتركز بدرجة رئيسية في السلع والمواد الغذائية خصوصاً لدى تجار التجزئة، فيما يتعرض تجار الجملة لضغوط شديدة من قبل السلطات المعنية في صنعاء التي تلزمهم باتباع تسعيرة موحدة تحددها هذه السلطات التي أقدمت على إغلاق مصانع غذائية ومخازن تابعة لبعض القطاعات التجارية، كمجموعة هائل سعيد أنعم، كبرى المجموعات التجارية والصناعية والاستثمارية في اليمن.
وتتهم السلطات في العاصمة اليمنية صنعاء هذه المجموعات وقطاعات تجارية بالوقوف وراء ارتفاع الأسعار والتربح من ورائها وإجبار التجار في السوق على القسم بعدم تخفيض الأسعار.
ونفت مجموعة هائل سعيد أنعم، كبرى القطاعات التجارية التي تغطي منتجاتها النسبة الأكبر من احتياجات الأسواق اليمنية من السلع الغذائية، هذه الاتهامات التي ترى أنها تستهدف التشويش على الرأي العام وهزّ ثقته بهذه القطاعات التجارية وتشويه سمعتها، فيما أكدت سعيها الحثيث للاضطلاع بالدور الأكبر في تحقيق الاستقرار التمويني للأسواق وتوفير احتياجات الناس بأفضل الأسعار.
وأشار مسؤول الإعلام والاتصال بمجموعة هائل سعيد أنعم التجارية والصناعية التي يدور حولها محور الاتهامات، عمار البذيجي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن كل هذه الاتهامات يدحضها واقع التحديات والتعقيدات العالمية والمحلية المسببة لزيادة معدلات التضخم وارتفاع أسعار السلع وتكاليف الإنتاج محلياً وعالمياً.
وتشدد قطاعات تجارية وصناعية في اليمن على أن هناك انعكاسات كبيرة ومباشرة لارتفاع أسعار الخامات وكلفة الإنتاج المحلية والعالمية، مؤكدةً أن أسعار منتجاتها تتواكب مع مثيلاتها من المنتجات المنافسة من حيث معايير الجودة وتأثيرات المتغيرات المحلية والدولية على تكاليف السلع صعوداً وهبوطاً.
شكاوى المواطنين
يشكو مواطنون في معظم المناطق اليمنية من تردي أوضاعهم المعيشية بشكل كبير خلال عام 2022، بصورة لم يعهدوها منذ نحو ثماني سنوات مع انخفاض القدرات الشرائية إلى أدنى مستوياتها للنسبة العظمى من السكان في اليمن.
المواطن عبد القادر المطري، من سكان صنعاء، يقول لـ”العربي الجديد”، إن أوضاعهم المعيشية لم تعد تحتمل أي موجات سعرية جديدة بعد أن وصل بهم الحال إلى مستويات متدنية من الدخل، بينما يشاطره الرأي المواطن فهيم الحمادي في أن كثيراً من الأسر والمواطنين غارقون في الديون مع فقدان نسبة كبيرة من الناس لمصادر دخلهم المتاحة.
من جانبه، يبين سمير الشرجبي من سكان مدينة تعز، جنوب غربيّ اليمن، لـ”العربي الجديد”، أن هناك فوضى وانفلاتاً في أسعار السلع وافتقاد الأسواق إلى الرقابة التموينية الرسمية، فيما يشكو المواطن خميس بن محمود، وهو من سكان المكلا في محافظة حضرموت جنوب اليمن من ارتفاع تكاليف الحياة المعيشية بسبب التضخم الناتج من الغلاء الذي تشهده أسعار المواد الغذائية دون مبرر، وفق تعبيره.
وأكدت الأمم المتحدة أن الاحتياجات الإنسانية في اليمن تظل كبيرة للغاية، على الرغم من انخفاض مستوى الأعمال العدائية هذا العام في البلاد، مشيرة إلى أن أكثر من نصف عدد السكان (17 مليون شخص) يواجهون انعدام أمن غذائي حاد.
وأوضح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن ملايين اليمنيين يعانون تداعيات العنف والأزمة الاقتصادية وتعطل الخدمات العامة. وأشار في تقرير حديث إلى أن الاحتياجات الإنسانية في اليمن ستظل مرتفعة خلال عام 2023، حيث سيحتاج ما يقارب 21.6 مليون شخص إلى توفير المساعدات الإنسانية وخدمات الحماية لهم في أثناء العام الحالي.
وأضاف أن أكثر من 80% من سكان البلاد يكافحون للحصول على الغذاء ومياه الشرب والخدمات الصحية الكافية، في حين أن ما يقرب من 90% من السكان لا يحصلون على الكهرباء التي توفرها الحكومة.