وضاح الجليل
ضاعفت إجراءات الميليشيات الحوثية من معاناة المزارعين اليمنيين الذين واجهوا، خلال السنوات الماضية، ظروف المناخ والأوضاع الاقتصادية وآثار الحرب، ورغم مزاعمها بدعم وتطوير الزراعة؛ تؤدي جباياتها وممارساتها إلى إلحاق خسائر مضاعَفة بالمزارعين، وتدفعهم إلى هجرة مهنتهم والتحول إلى مهن أخرى.
وتكدس حديثاً الكثير من المحاصيل الزراعية في الأسواق ومخازن المزارعين نتيجة عدم توفر إمكانية تسويقها وبيعها، بعد أن أوهمت الميليشيات الحوثية المزارعين بمنع استيراد نظيراتها من الخارج، وهو ما أغرى المزارعين بتكثيف زراعة المحاصيل، للحصول على مكاسب وفيرة، لتفاجئهم الميليشيات باستيراد منتجات أغلبها من إيران أغرقت الأسواق وبأسعار منافِسة.
واتهم المزارعون الميليشيات بخداعهم وتضليلهم في سبيل الحصول على منتجاتهم بأسعار لا تكافئ مجهودهم وتكاليف إنتاج محاصيلهم، حيث صدّق غالبيتهم تلك المزاعم، وكثّفوا من زراعة المحاصيل التي أعلنت الميليشيات منع استيرادها، متخلّين عن زراعة محاصيل أخرى متوفرة في السوق المحلية، مما أدى إلى حدوث اختلالات سوقية وتكبيدهم خسائر كبيرة.
وضاعف المزارعون في مناطق سيطرة الميليشيات من زراعة الثوم خلال الأشهر الماضية، وعند بدء تسويقه فوجئوا بامتلاء الأسواق بكميات مستوردة من الثوم الصيني مقابل أسعار منافسة، مع عدم مقدرتهم على تخزين وتسويق محاصيلهم.
وفي مطلع الشهر الماضي، اعتصم أكثر من 300 من مزارعي التفاح في محافظة صعدة (231 كيلومتراً شمال صنعاء) أمام بوابة قصر رئاسة الجمهورية الذي يحتله مهدي المشاط رئيس مجلس الميليشيات الانقلابية؛ للمطالبة بمنع استيراد التفاح من الخارج، بعد أن رفعوا من معدلات إنتاجهم، ولم يتمكنوا من تسويقه وبيعه بسبب منافسة التفاح المستورد، مما ألحق بهم خسائر كبيرة.
واستنكر المزارعون استمرار استيراد التفاح رغم إجبارهم على الالتزام برفع إنتاجهم من التفاح، مقابل منع الاستيراد ليتمكنوا من بيع وتسويق منتجاتهم لتحقيق مزاعم الميليشيات بالاكتفاء الذاتي، وقد تمكنوا من رفد السوق بأكثر من مليون صندوق معرَّض للتلف، في حين لا يزال الموسم في بدايته، والأشجار واعدة بمضاعفة الكميات.
وألمح المزارعون إلى وجود ما سمّوه المافيا في وزارة الزراعة في حكومة الانقلاب غير المعترَف بها، والتي تهدف إلى خدمة مصالح مجموعة من التجار المرتبطين بها، وتحقيق الأرباح لصالحهم بابتزاز المزارعين والتجار الآخرين، وإلحاق الخسائر بهم، ودفعهم إلى بيع منتجاتهم بالجملة وبأثمان متدنية.
وانفضّ اعتصام المزارعين بعد أن هدّدتهم الميليشيات بفضّه بالقوة، وخلال أيام الاعتصام لم يجرِ الالتفات إلى مطالبهم، وتجاهلت وسائل الإعلام الحوثية اعتصامهم ومطالبهم.
وذكر مصدر في قطاع الزراعة أن قيادات حوثية تزعم مساعدة المزارعين لتسويق منتجاتهم؛ طلبت منهم في هذا الإطار بيع محاصيلهم بأسعار أقل من تكلفة الإنتاج بكثير، مقابل التعاون معهم في تسويق هذه المحاصيل، وإجبار التجار على الشراء منهم، وتوفير مساحات كافية لهم في الأسواق.
إلا أن المصدر أكد أن التجار الذين تعمل القيادات الحوثية على إجبار المزارعين على البيع لهم؛ هم من التجار المُوالين للميليشيات أو من القيادات الحوثية التي امتهنت التجارة من خلال ممارسات الفساد والنهب.
وطبقاً للمصدر، فإن التفاح الذي أغرق الأسواق اليمنية، خلال الأشهر الماضية، مصدره إيران المشهورة بإنتاجه بكميات وفيرة وبأنه أحد أهم صادراتها، مفسراً ذلك بمحاولة الميليشيات تقديم المساعدة لإيران اقتصادياً بعدما تعرضت له من عقوبات، وما ألحقته الاحتجاجات بها من خسائر اقتصادية. وإلى جانب التفاح الإيراني هناك أيضاً الزبيب واللوز.
وكان عدد من تجار الجملة في مناطق سيطرة الميليشيات قد عدّوا، في تصريحات، لـ«الشرق الأوسط»، قبل شهرين، قرار الميليشيات بمنعهم من استيراد عدد من المحاصيل الزراعية، وسيلة حوثية جديدة لمحاربتهم والتضييق عليهم لإفساح المجال أمام التجار الجدد المُوالين للميليشيات.
ونهاية الشهر الماضي نفت الميليشيات أن تكون قد صرّحت بإدخال أي كمية من الثوم الصيني، منذ مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وذلك بعدما يقارب الشهرين من إعلانها منع استيراد الثوم ومنتجات أخرى من الخارج تحت مبرر حماية الإنتاج المحلي، وتحذير التجار من أي عملية استيراد لتلك المنتجات.
وزعمت الميليشيات أنها وجّهت تجار المنتجات الزراعية التي حظرت استيرادها «بعمل عقود طويلة الأمد مع الجمعيات الإنتاجية لشراء محصول الثوم من المزارعين بأسعار مشجِّعة»، وجهزت سوقاً خاصة باستقبال المنتج المحلي من الثوم من الجمعيات والمزارعين الذين لم يجرِ عمل عقود لهم مع الجمعيات الزراعية في مناطقهم، وبأسعار مُجزية؛ حفاظاً على المزارع والمنتج المحلي. وتوعدت الميليشيات جهات لم تُسمِّها، بمقاضاتها بسبب تزييفها الحقائق لإعاقة خططها التنموية المزعومة، وتثبيط همّة المزارعين، والحيلولة دون مشاركتهم في التنمية والوصول بالمحاصيل الزراعية إلى الاكتفاء الذاتي، كما جاء في بيانها، وهو ما فسره متابعون بتصاعد الصراع بين قيادات الميليشيات في قطاع الزراعة.
وزعمت الميليشيات أن نجاح فلاحين بمحافظة حجة في استزراع الأرز وأنواع من الحبوب يعود إلى سياستها وخططها المزعومة تحت شعارات مثل «الاكتفاء الذاتي»، و«نأكل مما نزرع».
ويردّ على هذه المزاعم أحد الخبراء الزراعيين الذين أقصتهم الميليشيات من العمل، حيث يَسخر من زراعة الأرز في بلد يعيش فقراً مائياً مثل اليمن، ويرى أن نجاح تجربة زراعته لا يعني إمكانية إنتاجه والاكتفاء منه، مؤكداً أن الميليشيات تبيع الوهم للمواطنين والمزارعين على وجه الخصوص؛ لإلهائهم عن ممارساتها.
المهندس الزراعي سمير المناحي أفاد، لـ«الشرق الأوسط»، بأن الميليشيات أوهمت المزارعين بإمكانية زراعة ما يُعرَف بالأرز الجاف الذي زعمت أنه لا يحتاج إلى كمية المياه التي يحتاج إليها الأرز العادي.
إلا أن الحقيقة – والحديث للمناحي- هي أن هذه المساحة التي تحتاج لغمرها بـ7 آلاف متر مكعب من الماء لزراعة الأرز العادي، يمكن تقليص كمية المياه التي تغمرها إلى 5 آلاف متر مكعب ماء لزراعة ما يُعرَف بالأرز الجاف، وهي تمثل كمية كبيرة جداً ولا يمكن توفيرها في بلد يعاني من شح المياه.
المصدر الشرق الأوسط