كريتر نت – متابعات
رغم معارضة قوى مدنية لاتفاق التطبيع مع إسرائيل كونه، حسب قولهم، يخدم مصالح الجيش السوداني على حساب السلطة المدنية، إلا أن محللين يرون فيه صفقة تتجاوز الداخل السوداني وتبادلا لمنافع يحتاجها الطرفان بشدة.
يثير إعلان الاتفاق بين إسرائيل والسودان على “المضي قدماً في سبيل تطبيع العلاقات” تساؤلات بشأن الفوائد التي سيجنيها الطرفان وتأثير ذلك على مجريات العملية السياسية في الخرطوم في ظل رفض القوى المدنية لمثل هذه الخطوة عكس الجيش الذي يبدو متحمسا لتتويج مسار التطبيع.
ويُنظر إلى الجيش السوداني على أنه من بادر بالتحرك لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وتولى الجيش زمام الأمور في البلاد منذ الانقلاب في عام 2021 ولكنه يقول إنه يعتزم تسليم السلطة إلى حكومة مدنية.
وعارضت جماعات مدنية ذلك التحرك وقالت من قبل إن أي اتفاق يجب أن يصدق عليه برلمان انتقالي لم يتشكل بعد.
وتتسع جبهة الرفض للتطبيع مع إسرائيل بين القوى السياسية السودانية، يسارا ويمينا، على الرغم من وجود أصوات عرفت بمساندتها للتطبيع من باب المصالح الوطنية.
وعلى المستوى السياسي كما على المستوى الشعبي، انقسم السودان إلى فريقين، أما أولهما فيعارض التطبيع بشدة، ويرى أنه لن يكون حلا لمشكلات السودان، ويعتبر هذا الفريق أن من دفع باتجاه التطبيع مع إسرائيل هم أطراف يحكمون السودان حاليا، وأن المستفيد الأول منه هم الجنرالات الذين يحتاجون إلى غطاء خارجي، ويعتبر هذا الفريق أن هذا المعسكر الذي دفع باتجاه التطبيع صدر للسودانيين خطابا مغلوطا وأن الحل لن يكون إلا بالتطبيع مع إسرائيل.
البرهان يرى أن التطبيع مفتاح للحصول على مساعدات اقتصادية ومن الضروري الاستفادة من ذلك لتجاوز الأزمات
وعلى الجانب الآخر يقف فريق ثان يرى أن التطبيع مع إسرائيل سيحقق مصلحة السودان، خاصة في ما يتعلق بالنهوض بالاقتصاد، ويعتبر هذا الفريق أن التطبيع مع إسرائيل هو بوابة ستفتح أمام السودان طريق التعاون مع المجتمع الدولي. ويرى معظم الجنرالات أنه لا نهاية لأزمات السودان إلا بالعودة إلى المجتمع الدولي، وأنه وأمام الضغط الأميركي فإن العودة إلى المجتمع الدولي لن تتم إلا بالتطبيع مع إسرائيل.
ولئن كانت بوادر وإشارات التطبيع بين القيادة السودانية الجديدة قد تزايدت بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، إلا أن رسائلَ وإشاراتٍ عدة قد صدرت سابقًا عن قياداتٍ في حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم في السودان 1989 – 2019) تؤكد أن السودان لطالما كان ينظُر إلى خيار التطبيع مع إسرائيل باعتباره بوابة للخلاص من أزماته الداخلية والخارجية المُتراكمة.
وعانى السودان منذ عام 1993 من أزمة اقتصادية خانقة بعد إدراجه في قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب وتوالي العقوبات الاقتصادية بُعيد استضافة الخرطوم لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي غادر البلاد عام 1996، ويتحمل السودان ديْنا خارجيًا ثقيلًا بنحو 60 مليار دولار، ورغم الرفع الجزئي للعقوبات الأميركية عام 2017 إلا أن بقاء السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، بالإضافة إلى ما يشهده من اضطرابات سياسية وأمنية، لم يشجع المستثمرين الدوليين على الدخول إلى البلاد.
ويقول مراقبون إن اتفاق السلام بين السودان وإسرائيل (الذي ينتظر أن يوقع خلال الأشهر القادمة) هو فرصة سانحة لخروج السودان من عزلته الدولية والبدء في إصلاحات سياسية واقتصادية في البلاد، يبقى أن معادلات الداخل المُعقدة، ولعبة المحاور الإقليمية والدولية، قد تؤثر على مسار العملية الديمقراطية والإصلاحية في البلاد، خصوصًا أنها عملية لا تزال هشة.
ويرى قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان وعدد كبير من المسؤولين السودانيين أن التطبيع مفتاح سحري لحسم التردد الأميركي في رفع اسم السودان من قوائم الإرهاب، ومدخل للحصول على مساعدات اقتصادية، ومن الضروري الاستفادة من ذلك لتجاوز جانب معتبر من الأزمات الراهنة.
وبجانب ذلك هناك إمكانية استعانة الخرطوم بالتقنية الإسرائيلية المتطورة في مجال الزراعة بما يسهم في زيادة الإنتاجية الزراعية وتنوع المحاصيل بالنظر إلى أن السودان يملك مساحات واسعة من الأراضي الزراعية.
أصوات تنادي بالتطبيع من باب المصالح الوطنية
وفي المجال الصحي، يمكن لإسرائيل أن تقدم استشارات ومساعدة في المجال حيث يعاني السودان من جهاز صحي ضعيف وبحاجة إلى إصلاح.
وفي مجال الطاقة، حيث يعيش 40 في المئة من السودانيين في مناطق غير مرتبطة بشبكة الكهرباء، فإنه يمكن الاستثمار في هذا المجال، واستغلال الخبرات الإسرائيلية بمجال أنظمة الطاقة البديلة التي تعتمد على الطاقة الشمسية بشكل أساسي، حيث تتمتع إسرائيل بخبرة كبيرة في المجال، وسيكون لها طلب في السودان.
وكان البرهان أول المبادرين بالتقارب مع إسرائيل، إذ التقى في فبراير 2020 رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مدينة عنتيبي الأوغندية وسط اعتراض من حكومة رئيس الوزراء وقتها عبدالله حمدوك التي عدت الخطوة تدخلا في صلاحياتها على صعيد العلاقات الخارجية، واعتراض مواز من الأحزاب المشكلة للحكومة، ولبعضها مواقف مبدئية ضد التطبيع مع إسرائيل.
ورغم تلك المواقف، مضى السودان في طريق التطبيع من خلال التواصل المستمر بين الطرفين، وتوج ذلك بتوقيع وزير العدل في حكومة حمدوك في يناير 2021 على إعلان اتفاقيات أبراهام.
وكذلك أجازت الحكومة السودانية في أبريل من ذات العام قانونا يلغي آخر قديما أجيز في عام 1958 بمقاطعة إسرائيل ويحظر التواصل السياسي والتجاري وكل أشكال التواصل مع إسرائيل، ويفرض عقوبات تصل إلى السجن 10 سنوات والغرامة المالية والمصادرة لمن يخالف أحكام القانون.
السودان يعاني منذ عام 1993 من أزمة اقتصادية خانقة بعد إدراجه في قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب
وعلى الجانب الإسرائيلي يعدد الإسرائيليون الفوائد التي سيجنونها من التطبيع مع السودان.
وتبدو الفوائد الأمنية والإستراتيجية التي ستحصل عليها إسرائيل متعددة جدا، فبإقامتها علاقات أمنية ودبلوماسية مع السودان، ستطلع الحكومة الإسرائيلية على نشاطات تعتبرها إرهابية أو معادية لها في مناطق متاخمة للسودان، مثل تشاد ومالي والنيجر، كما أن إسرائيل تنظر إلى الفائدة الأكبر من الناحية الإستراتيجية، وهي إبعاد السودان تماما عن الحلف الإيراني.
ويقول محللون إن المصلحة المركزية لإسرائيل في السودان الذي يبلغ تعداد سكانه 42 مليونا ويعاني من عجز مالي يصل إلى 60 في المئة، هو الأمن، حيث يقع البلد على البحر الأحمر وعلى طريق تهريب مركزي للبشر والسلاح والبضائع من شمال أفريقيا.
ويشير هؤلاء إلى أن موقع السودان يمكن أن يساعد في التخفيف من مخاطر تموضع جهات معادية على طول طريق أساسي لإسرائيل، وعلى المدى البعيد يمكن أن يجري نشاط أمني مشترك في المنطقة.
ويتوقع هؤلاء أنه بعد الاتفاق سيكون السودان قادرا على المساعدة بمنع تهريب أسلحة ومنع تموضع جهات معادية لإسرائيل على أراضيه، مع إمكانية إحباط إقامة قواعد بحرية لجهات معادية لإسرائيل، مثل إيران وتركيا على شواطئ البحر الأحمر، كما أن إسرائيل ستساعد السودان في الدفاع عن حدوده.