هشام النجار
رغم سيطرة حركة طالبان على أغلب المناطق الأفغانية لا تزال مدن جبلية خارجة عن سيطرتها تتخذ منها المقاومة المحلية منطلقا لشن هجمات على معاقل الحركة المتطرفة. ورغم العمليات النوعية التي تشنها المقاومة المحلية ذات الإمكانيات المتواضعة يبقى دعمها من الخارج رهانا داخليا ودوليا.
وبعد أن بدت الساحة الأفغانية مغلقة على المزايدات بين المتشددين والأكثر تشددا داخل حركة طالبان أو من جهة تنظيم داعش خراسان، خرج إلى الضوء لاعب جديد يحاول التأكيد على أن مصير البلاد لا تتحكم به قوى التطرف وحدها، بل هناك جهات يمكنها التأثير في المعادلة الراهنة.
وإذا نجحت جبهة المقاومة الأفغانية المعارضة في إثبات قدرتها على تغيير التوازنات القائمة في المشهد الأفغاني القاتم، قد تصبح خلال فترة وجيزة طرفا وازنا ومؤثرا، حيث يبحث الأفغان عن بصيص أمل ينقذهم من سيناريوهات الحكم الديني المتشدد والوصول إلى مستوى الدولة الفاشلة.
يهدف تصعيد الجبهة لعملياتها ضد سلطة طالبان إلى تجميع أكبر عدد من الأفغان حولها بهدف تأسيس قاعدة شعبية تتحدى بها نفوذ الحركة المتشددة، علاوة على لفت انتباه المجتمع الدولي المنشغل بملفات أخرى مثل الحرب الروسية – الأوكرانية، حتى يدعمها ويمد لها يد العون. وأعلنت جبهة المقاومة الأفغانية، وفقا للمتحدث باسمها صبغةالله أحمدي، أن عناصرها هاجمت قاعدتين لحركة طالبان في محافظة نورستان شرق البلاد (الثلاثاء) وقامت بإضرام النار فيهما وأسر 13 من عناصر الحركة.
وتنفيذ عملية نوعية بهذا المستوى دون مساعدة خارجية من شأنه أن يبعث الثقة في قطاع من الشعب الأفغاني بدأ يفقد الأمل في حلول وطنية لأزمته خاصة، وأن حركة طالبان استولت على السلطة في السابق وأسقطت حكومة أشرف غني بلا مقاومة تُذكر من قبل الجيش الأفغاني الذي كان مدعوما من جانب الولايات المتحدة.
ولم تنجح محاولات الخلاص من الحكم الديني المتشدد حتى الآن في كبح العنف والإرهاب في أفغانستان، وهو حلم الكثير من المواطنين، بل يشغل حيزا من اهتمام قوى إقليمية خاب أملها في الرهان على طالبان كقوة قادرة على القضاء على التنظيمات التكفيرية المسلحة العابرة للحدود.
ويدفع تكرار عمليات تنظيم داعش خراسان والجماعات المرتبطة به في الداخل الأفغاني التي تستهدف مصالح دول الجوار وقنصلياتها ورعاياها، فضلا عن استهداف جيران أفغانستان بعمليات إرهابية وآخرها التفجير الدموي في مسجد داخل باكستان، قوى مختلفة إلى إعادة النظر في فكرة التعويل على حركة دينية حاكمة لمواجهة القوى الأكثر تشددا.
عمليات نوعية
مزايدات دينية وعقدية تمنح الغلبة للأكثر تشددا
أثبتت تجارب عدة أن وصول فصيل من تيار الإسلام السياسي للسلطة، وإن زعم اعتداله ووسطيته، لا يضمن سحب البساط من تحت أقدام الجماعات التكفيرية نظرا للتداخل الفكري والحركي، والاختراق المتبادل والمزايدات الدينية والعقدية التي تمنح الغلبة للأكثر تشددا. وإذا تمكنت المقاومة الوطنية الأفغانية من إثبات نفسها وحضورها كقوة قادرة على تغيير التوازنات القائمة في المشهد الأفغاني، ليس مستبعدا أن تحظى بدعم إقليمي بهدف دعم حكم مدني يمتاز بالوضوح وعدم المراوغة في ملف مكافحة الإرهاب ومنع توفير ملاذ للمتطرفين، عكس طالبان.
ويمنح عدم الاهتمام الدولي الكافي بأزمات أفغانستان وتكرار تغافل التداعيات الخطيرة لاستيلاء طالبان على السلطة ومواصلة الحركة تحديها للعالم، أي قوة وطنية تتبنى الخط المقاوم المد الشعبي لكفاح قد يطول أمده من أجل الوصول إلى الحرية الكاملة. وأكدت العملية النوعية الأخيرة لجبهة المقاومة المعارضة على وجود حركة معارضة حقيقية ساعية لاستعادة الديمقراطية وإسقاط حكم طالبان ودحر الجماعات التكفيرية، وهي التي انسحبت إلى الوديان الجانبية في بنجشير في سبتمبر الماضي متبنية إستراتيجية حرب العصابات بعد معارك ضارية خسرت خلالها المئات من مقاتليها.
والجبهة التي يقودها أحمد مسعود (ابن الزعيم الراحل أحمد شاه مسعود) وانضم إليها عدد من عناصر الحكومة المخلوعة ومقاتلي الجيش السابق ويتركز نشاطها في محافظتي بغلان وبنجشير، تخطت مرحلة الثبات أمام ضربات طالبان المتلاحقة وبدأت مرحلة جديدة انتقلت خلالها من الدفاع إلى تنفيذ هجمات نوعية مؤثرة.
◙ كل الشرائح المتضررة من حكم طالبان التي ينفر سلوكها اليومي المزيد من السكان باتت مرشحة لصناعة الزخم الشعبي المطلوب لحركة المقاومة
ويتوقف وصول الجبهة لمستوى تمثيل غالبية الشعب الأفغاني ككيان وطني مقاوم لإنقاذ أفغانستان من قبضة طالبان وحلفائها الإرهابيين على دعم ومساندة المجتمع الدولي لها من عدمه وموقف بعض اللاعبين الإقليميين. وتتأسس رهانات جبهة المقاومة الوطنية على مدى ما يمكن أن تنجح فيه طالبان أو تفشل في حسم صراعاتها الداخلية وتحقيق معادلة الأمن وتحسين الأحوال المعيشية.
وباتت كل الشرائح المتضررة من حكم طالبان التي ينفر سلوكها اليومي المزيد من السكان، مرشحة لصناعة الزخم الشعبي المطلوب لحركة المقاومة، بجانب الفئات التقليدية المنضمة للجبهة وغالبيتهم أعضاء سابقون في قوات الأمن الوطنية ومرتبطون بالحكومة التي أطيح بها. وتعزز سيناريوهات اتساع رقعة القاعدة الشعبية المهيأة لتبني خط المقاومة الوطنية طبيعة حكم حركة طالبان القمعي، حيث تضطهد المواطنين وتخفيهم قسريا بمعزل عن سلطة القضاء، علاوة على أعداد كبيرة من مؤيدي الديمقراطية ورافضي الدولة الدينية من القوميين والأوزبك والطاجيك والهزارة والتركمان والبشتون.
وإذا تمكنت المقاومة من تحرير وادي بنجشير، وهو موطن أحمد مسعود الابن وأمرالله صالح نائب الرئيس السابق والرئيس القانوني بالنيابة لأفغانستان وهما قائدا الحراك، فإن المقاومة سوف تكتسب زخما مع الرغبة في السيطرة على مناطق أخرى، ما يعني تدفق المزيد من الأفغان الساخطين على حكم طالبان للانضواء في صفوف المقاومين.
وتحتاج جبهة المقاومة إلى توحيد فصائل المقاومة المنتشرة في أكثر من 13 محافظة أفغانية تحت قيادة واحدة بهدف التنسيق وتبادل المعلومات، حيث ظهرت الأشهر الماضية كيانات مقاومة في العديد من المناطق مستقلة عن جبهة المقاومة المركزية التي تنشط عسكريا بمناطق نفوذها. وعلى الرغم من استقلالية تلك الكيانات الجديدة في عملها العسكري والدعائي عن الجبهة المركزية، إلا أن تجمعها بها الكثير من الأهداف والرؤى المشتركة.
دعم خارجي
رمزية مسعود وتاريخ والده يؤهلانه للعب دور في تماسك الجبهة
ويتبنى جميع المقاومين في الجبهة المركزية والأفرع المستقلة تشكيل حكومة نيابية ديمقراطية شاملة تضم جميع الأشخاص والأقليات من خلال انتخابات حرة وتحقيق السلام والمساواة بين الجنسين، والمشاركة السياسية الكاملة وتعزيز نظام التعليم والمدارس وحرية الصحافة واحترام حقوق الإنسان والمرأة.
ومع وجود بعض الخلافات بين أحمد مسعود (الابن) وأمرالله صالح إلا أن رمزية مسعود وتاريخ والده يؤهلانه للعب دور في تماسك الجبهة وتوحيد الكيانات المستقلة تحت قيادته. ويحظى أحمد مسعود بإجماع على قيادته للجبهة المركزية من قبل سياسيين وجنرالات عسكريين، والقوات الخاصة السابقين، مستمدًا ذلك من أسبقيته لقيادة المقاومة من المناطق الشمالية فور استيلاء طالبان على كابول في أغسطس 2021.
ودعا مسعود العام الماضي إلى إنشاء المجلس الأعلى للمقاومة الوطنية لتوحيد جميع الجماعات المسلحة في كيان واحد، بإرث والده الشعبي الذي كان سببا في صناعة شهرة بنجشير في الثمانينات من القرن الماضي، ووقتها صمد القائد الأسطوري أحمد شاه مسعود ولم يسقط وادي بنجشير ويخضع للاحتلال السوفييتي، أو خلال حكم طالبان الأول قبل أن يغتاله تنظيم القاعدة في 2001، وهو نفس عام سقوط طالبان الأول.
◙ الجبهة التي يقودها أحمد مسعود تخطت مرحلة الثبات أمام ضربات طالبان وبدأت مرحلة جديدة انتقلت خلالها من الدفاع إلى تنفيذ هجمات نوعية مؤثرة
تحتاج حركة المقاومة للدعم الدولي، خاصة أنها تتبنى نفس قيم القوى الغربية من ديمقراطية وحرية دون ادعاء وخدع ومناورات كما فعلت طالبان، وسبق وأن دربت ومولت هذه القوات، أو جزء منها، من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى على مدار العشرين عاما الماضية. وقاعدة أي دعم وجهد إقليمي للمقاومة الوطنية الأفغانية هي نفسها التي كانت عليها في المرة الماضية بشأن ما يتعلق بطاجيكستان التي يمكن أن تكسب سياسيًا واقتصاديًا من طرح نفسها كخصم لحركة طالبان.
ولن تكون طاجيكستان جاهزة للعب هذا الدور لتأمين نفسها من أي ردات فعل داخل عمقها، إلا من خلال تعاون إقليمي يحول دونه حاليا انخراط قوى رئيسية، مثل روسيا وإيران، في أشكال مختلفة من التواصل مع طالبان، يضاف إلى ذلك الحذر الكبير الذي تبديه الهند. وهناك سيناريوهات متناقضة لمستقبل الحالة الأفغانية في ظل التفاعلات الأخيرة وتنشيط جبهة المقاومة الوطنية ضد حكم حركة طالبان، بالنظر إلى أن الأمل الوحيد المتبقي لدحر طالبان والخلاص من حكمها بات هو جماعات المعارضة المسلحة.
وإذا تلقت جبهة المقاومة الوطنية الدعم الخارجي اللازم وتكتلت ضمن كيان موحد أكثر تماسكا، ستصبح قادرة على حشد المزيد حولها وتحدي طالبان وحلفائها الإرهابيين وصولا في نهاية المطاف إلى أضعافها، وربما إسقاطها وعزلها عن السلطة بالقوة. وفي حال استطاعت طالبان إنهاء الانقسام داخلها وتحسين الوضع المعيشي وإنقاذ اقتصاد البلاد من الانهيار مع استمرار كيانات المقاومة الوطنية في العمل بطريقة مجزأة ومستقلة، ففرص الحركة الأفغانية المتشددة في الانتصار أقوى، لاسيما أنها تتظاهر بتوافر الاستقرار والأمن للسكان الذين عانوا على مدار أربعة عقود من حرب مدمرة.
المصدر العرب اللندنية