رشا عمار
صحفية مصرية
خسائر فادحة تكبّدتها مصر على مدار (3) عقود؛ نتيجة موجات متعاقبة من الإرهاب، ما تزال تداعياتها تثقل كاهل الحكومة والمواطن المصري، وتؤثر بشكل مباشر على اقتصاد الدولة، وكان لقطاع السياحة النصيب الأكبر منها، فقد خسر نحو (208) مليارات دولار على مدار الأعوام الماضية، متراجعاً عن مركز الصدارة في قائمة مصادر الدخل القومي المصري، ممّا أثر بدوره على منظومة الاقتصاد بشكل كبير.
وكشفت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية، نيفين القباج، أرقاماً صادمة عن تكلفة الإرهاب خلال الـ (30) عاماً الماضية، في إطار الإعلان عن نتائج المشروع البحثي “تكلفة التطرف والإرهاب في مصر في (3) عقود” الذي نفذته وزارتها، بالشراكة مع المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، وذلك خلال الجلسة النقاشية التي عقدت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب الخميس الماضي.
مصارحة جماهيرية حول تكلفة التطرف
القباج قالت: إنّ العمل على البحث تمّ بتوجيه من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للحكومة بضرورة إجراء بحث وطني متكامل يرصد التكلفة الاقتصادية والاجتماعية التي تكبدها المجتمع المصري بفعل موجات التطرف والإرهاب التي مرت على مصر في العقود الـ (3) الأخيرة.
وأشارت إلى أنّ الرئيس المصري أوصى بنشر نتائج البحث بشكل جماهيري وإعلامي، من أجل أن يسهم هذا البحث في تثقيف المصريين بالثمن الفادح للتطرف والإرهاب على كافة الأصعدة؛ الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وأن يسهم أيضاً في تنمية وعي المواطنين بتصورات وأساليب المواجهة الفكرية والمادية للتطرف والإرهاب بكافة أشكاله.
ما الهدف؟
بحسب المسؤولة المصرية، يهدف البحث الذي استغرق (10) شهور من العمل المتواصل إلى تناول قضايا التطرف والإرهاب الذي عانت منه مصر منذ عقود طويلة في إطار رؤية سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية شاملة، تبحث في الأسباب والجذور وتمتد إلى تقديم استراتيجيات لمواجهة التطرف والإرهاب في إطار شراكة فاعلة بين كافة المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
وأشارت وزيرة التضامن إلى أنّ البحث تميز بعدة أمور؛ أهمها تناول قضايا التطرف والإرهاب من منظور شامل ومتعدد الأبعاد؛ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، على اعتبار أنّ الإرهاب المادي يبدأ بالعنف الفكري والتشدد، ثم يتمدد في جميع مفاصل ومؤسسات الدولة والمجتمع.
خسائر فادحة
رصد البحث كذلك التكاليف الاقتصادية الباهظة التي تكبدتها الدولة المصرية جراء الهجمات الإرهابية، وانعكاسها بشكل مباشر على إهدار موارد الدولة البشرية والمادية، وبشكل غير مباشر على النمو والتنمية الاقتصادية من خلال التأثير التتابعي المضاعف.
ويؤثر الإرهاب أيضاً على موارد الدولة من النقد الأجنبي من خلال التأثيرات على قطاعات الاستثمار والتجارة الخارجية والسياحة، ويقدّر البحث إجمالي التكاليف التي تحملتها الدولة والقطاع الخاص كخسائر في قطاع السياحة خلال الفترة 2001- 2018 بما يقرب من (208) مليارات دولار أمريكي، ويُقدّر البحث التكلفة الاقتصادية المترتبة على العمليات الإرهابية بالنسبة إلى الناتج المحلي بـ (385) مليار جنيه في الفترة من 2011-2016.
متلازمة الفقر والإرهاب
وأوضحت وزيرة التضامن أنّ البحث رصد التكلفة الاجتماعية من خلال اعتماد المنهج العلمي وأدوات البحث الاجتماعي في رصد العلاقة بين الفقر متعدد الأبعاد والتهميش الاجتماعي من جهة، والتطرف والإرهاب من جهة أخرى، وذلك من خلال تحليل البيانات القومية ذات الصلة والأبحاث الميدانية التي أُجريت في عدد من المحافظات المصرية التي عانت من التطرف والأحداث الإرهابية.
ووفق الوزيرة المصرية، أثبت البحث أنّ الفقر بأبعاده المختلفة والتهميش الاجتماعي يوفران بيئة حاضنة دافعة للتطرف والإرهاب، وهو ما يُعرف في أدبيات هيئة الأمم المتحدة بـ”قوى الدفع”، إلا أنّ الفقر والتهميش الاجتماعي وحدهما لا ينتجان التطرف والإرهاب؛ فهناك قوى جذب تلعب دوراً تعبوياً في ضم الأفراد الذين يعانون من الفقر والتهميش إلى جماعات التطرف والإرهاب.
وتتمثل هذه القوى في البنية الفكرية والإيديولوجية الدينية المتشددة والتكفيرية لجماعات الإسلام السياسي التي انتشرت في المناطق الفقيرة في العقود الـ (3) الماضية، وكذلك العمل الاجتماعي لتلك الجماعات، الذي تم توظيفه سياسياً في المناطق المحرومة تنموياً، واستغلال الظروف النفسية والعائلية السلبية لبعض الأشخاص لدمجهم في الجماعات الإرهابية.
تكلفة اجتماعية وسياسية
بحسب القباج، تركزت التكلفة الاجتماعية للإرهاب على مدار الأعوام الماضية في تهديد الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، وقد أثبت البحث من خلال أدوات البحث الميداني أنّ المجتمعات التي ضربها التطرف والإرهاب عانت من تراجع حاد في التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية العابرة للانتماء الديني بكلّ ما تمثله من إضعاف الثقة المتبادلة بين أبناء المجتمع وإضعاف شبكات التفاعل الاجتماعي والقدرة على التعاون المجتمعي.
كذلك اهتم البحث بالإعاقات التي شكّلها التطرف والإرهاب للمجتمع المدني والجمعيات الأهلية، والمتعلقة بتغلغل الأفكار والممارسات المتطرفة في بعض قطاعاته، لتعبئة المجتمعات المحلية لتكون حاضنة للتطرف والتشدد الديني والاجتماعي، وتمثل هذه القضية أهمية قصوى بالنسبة إلى وزارة التضامن الاجتماعي المنوط بها تشجيع وتحفيز الجمعيات والمؤسسات الأهلية للعب دور أكبر في التنمية الاقتصادية والثقافية والمدنية للمجتمع المصري، وفي بناء شراكة فاعلة مع الحكومة والقطاع الخاص من أجل تحقيق التنمية المستدامة.
وفيما يتعلق بالجانب السياسي، فقد أثبت البحث أنّ التطرف والإرهاب قد عطّل مسيرة تطور الدولة الوطنية الحديثة في مصر، والتي نشأت على أكتاف وتضحيات المصريين جميعاً في الأعوام الماضية.
وتمثلت التكلفة السياسية في فرض التشدد على المجتمع المصري في (4) مجالات؛ هي: تقويض الطبيعة المدنية للمجال العام، وتقسيم المجتمع السياسي عبر إنشاء مجتمع وسلطة موازية، ونشر ثقافة مناقضة لقيم الدولة الحديثة تسعى لإقامة دولة دينية متشددة بديلة، وإضعاف الحياة السياسية والحزبية.
وشدّدت القباج على أنّه بالرغم من ضخامة التكلفة الاقتصادية للإرهاب المادي على موارد الدولة ونموها الاقتصادي، إلا أنّ التكلفة السياسية والاجتماعية كانت أكثر فداحة وأعمق تأثيراً في تعطيل تطور الدولة، وفي تهديد التماسك المجتمعي والتكامل الوطني، وهي تكلفة لا يمكن تقديرها بثمن.
استراتيجية مواجهة شاملة
وحول أدوات المواجهة قالت الوزيرة المصرية: إنّ البحث استند إلى استراتيجيات شاملة لمواجهة التطرف والإرهاب على أساس علمي موثق، وكذلك البناء على المبادرات التنموية الرئاسية والحكومية الراهنة؛ مثل: “مبادرة حياة كريمة، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”، وذلك من أجل بناء نموذج للمواجهة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية الشاملة، وتعظيم الفائدة والاستمرارية في اقتلاع جذور التطرف والإرهاب.
وأكدت أنّ الجزء المتعلق بسياسات مواجهة التطرف والإرهاب في البحث يمثل خارطة طريق متكاملة للحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، لإنتاج رؤى وسياسات وآليات تكون محلّاً للتوافق بين القطاعات الـ (3)، وتقديم معالجات هيكلية للمحفزات الدافعة والجاذبة للتطرف والإرهاب.
وذلك في إطار استدامة جهود مكافحة التطرف والإرهاب عبر تكريس نموذج قيمي وثقافي يُجذّر المواطنة والاعتدال واحترام التنوع، ونموذج تنموي احتوائي ينشر الفرص المتكافئة والعدالة الاجتماعية بين كافة المواطنين.
وأشارت إلى أنّ وزارة التضامن الاجتماعي تضع قضايا الوعي الاجتماعي على قائمة أولوياتها، فقد أسست منذ أكثر من عامين برنامجاً خاصاً لتعزيز الوعي المجتمعي بالقيم والممارسات الإيجابية ومكافحة كل الظواهر السلبية في المجتمع “برنامج وعي”، وبرنامج آخر لتعزيز قيم المواطنة واحترام التنوع بكافة أشكاله، إيماناً منها بأنّ تنمية الوعي الاجتماعي والوطني هما دافعان أساسيان لانطلاق التنمية المستدامة في هذا الوطن، بالإضافة إلى برنامج “لمّ الشمل” في المحافظات الحدودية، وبرنامج تدريب المجتمعات المحلية.
المصدر حفريات