كريتر نت – متابعات
قررت الكويت أخيرا القطع مع سياسة تقديم المساعدات المجانية، والاستعاضة عن ذلك بسياسة جديدة قائمة على ربط أي دعم بتحقيق فوائد اقتصادية أو سياسية، أسوة بالسعودية التي أعلنت في وقت سابق عن مراجعات في هذا الإطار.
وكشفت أوساط كويتية أن الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية أعاد النظر في سياسة منح القروض والمنح؛ تمهيدا لإقرار سياسة جديدة تقوم على تحقيق مصالح الكويت في المقام الأول.
وتنضم الكويت بهذه الخطوة إلى السعودية التي أعلنت في يناير الماضي عن تغيير في طريقة تقديم المساعدات لحلفائها والتي كانت قائمة في السابق على منح مباشرة وودائع دون شروط.
ويرى مراقبون أن الخطوة الكويتية كانت منتظرة، لاسيما في ظل الضغوط النيابية الرافضة لاستمرار ضخ المزيد من الأموال لدول تعاني أزمات اقتصادية لا تنتهي مثل مصر، في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الكويتي حالة من التذبذب وعدم الاستقرار، ويحتاج فيه إلى تحسين إدارة الموارد المالية للدولة لإطلاق حزمة من الإصلاحات الهيكلية في مقدمتها تنويع مصادر الدخل.
ويشير المراقبون إلى أن الكويتيين سئموا تقديم الأموال بلا مقابل، وهم يريدون اليوم ومن أعلى هرم في الدولة وضع حد لهذا التمشي العبثي، والاقتداء في ذلك بمحيطهم الخليجي.
ونقلت صحيفة القبس المحلية عن مصادر تأكيدها أنه ستتم إعادة النظر في إعطاء القروض بلا مقابل، فضلا عن مراجعة الأعمال الإنسانية البحتة التي لا تحتوي على أي أجندة.
وقالت المصادر إن “القروض التي سيعطيها الصندوق يجب أن تتماشى مع السياسة الخارجية للكويت، خصوصا في ما يتعلق بالدعم السياسي نحو قضايا معينة، وأن تكون ذات مردود إيجابي، مثل تعزيز الأمن الغذائي للبلاد، إضافة إلى التصويت في مجلس الأمن بشأن القضايا التي تهم الكويت”.
وأوضحت أن وزير الخارجية الشيخ سالم العبدالله تبنى هذه السياسة الجديدة للصندوق، واعتمد الآلية التي سيتم اتباعها في منح القروض خلال المرحلة المقبلة.
وأشارت المصادر إلى أن الكويت تسعى لاتخاذ الإجراءات القانونية بشأن التأخر في سداد مستحقات الصندوق لدى بعض الدول. ولفتت إلى أن هناك بعض الحكومات متعثرة ولا تستطيع السداد بسبب الحروب مثل سوريا، ولا يمكن استرداد الأموال منها.
وكان نواب في مجلس الأمة أثاروا مؤخرا الديون المستحقة على مصر، وجاء ذلك في سياق ردود فعل على ضغوط لصندوق النقد الدولي تطالب الدول الخليجية بضخ 14 مليار دولار إلى القاهرة، ويمثل هذا المبلغ جزءا من إستراتيجية تمويل البرنامج الذي أجازه الصندوق لمصر في ديسمبر الماضي.
وقال نائب أمين سر مجلس الأمة أسامة الشاهين خلال جلسة برلمانية الشهر الماضي “قبل الحديث عن 14 مليارا جديدة، علينا معرفة مصير المليارات الثلاثة من المنح والقروض، والمليارات الأربعة المودعة ومستحقة السداد”.
وتوجه الشاهين بسؤال إلى وزير المالية “ما إجمالي وتفصيل الودائع الكويتية الحكومية في مصر؟ وما تواريخ استحقاقها؟ وما هي العوائد التي تم تحصيلها فعليا وتحويلها إلى خارج مصر من هذه العوائد طوال سنوات الإيداع؟ وما هي توجهات وزارة المالية بشأن التصرف بهذه الودائع المليارية؟”.
وأودعت الكويت وديعتين لدى المصرف المركزي المصري بقيمة إجمالية تبلغ أربعة مليارات دولار، وكانت الأولى والبالغة قيمتها ملياري دولار تستحق في شهر سبتمبر الماضي، والثانية بنفس القيمة أيضا ويحل موعد استحقاقها في أبريل المقبل.
وتعد الكويت من أكثر الدول الخليجية سخاء في تقديم المساعدات والمنح، لكنها شهدت في السنوات الأخيرة صعوبات اقتصادية، دفعتها إلى التفكير في الاستيدان الخارجي، وهو ما قوبل برفض شديد من قبل المعارضة في مجلس الأمة، الذي طالب الحكومة بمحاربة الفساد ووقف الدعم الخارجي، لوضع حد لاستنزاف خزينة الدولة.
القروض التي سيعطيها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية يجب أن تتماشى مع السياسة الخارجية للدولة الكويتية
ويقول متابعون إنه إلى جانب التأثير النيابي، فإن القيادة الكويتية بدأت بالفعل منذ فترة إعادة النظر في سياستها لتقديم الدعم، مشيرين إلى عدم مشاركة الكويت في الاجتماع الذي احتضنته أبوظبي الشهر الماضي، والذي ضم رئيس الإمارات وأمير قطر وملك البحرين، وسلطان عمان إلى جانب الرئيس المصري وملك الأردن، والذي بدا أن الهدف الأساسي منه مناقشة الوضع المالي الصعب للقاهرة وعمان، وسبل تقديم المساعدة.
ويلفت المتابعون إلى أن القيادة الكويتية تدرك أن الالتحاق بركب محيطها الخليجي الثري الذي تخلفت عنه في العقد الأخير يفترض القيام بمراجعات لسياساتها المالية بما في ذلك مسألة تقديم الدعم.
ويشيرون إلى أن التراجع الاقتصادي في الكويت انسحب أيضا على مكانتها الدبلوماسية في العالم العربي، وبالتالي هي اليوم في حاجة إلى عملية إصلاح شاملة، لافتين إلى ما كشفته المصادر بشأن توجيه الدعم بشكل يكون له عائد على الكويت اقتصاديا ودبلوماسيا، أسوة في ذلك بالسعودية، وحتى بالنسبة للإمارات وقطر، على الرغم من كون الدولتين الخليجيتين لم تقرا بذلك صراحة كما هو الشأن مع الرياض.
وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان أكد في يناير الماضي أن المملكة قررت تغيير طريقة تقديم المساعدات لحلفائها من تقديم منح مباشرة وودائع دون شروط. وقال الجدعان “اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك، كما نحث دول المنطقة على القيام بإصلاحات”.
ومضى الوزير السعودي قائلا “نحن نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه وأن يبذلوا جهدا. نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم”، في ما بدا إشارة إلى مصر.
وجاء كلام المسؤول السعودي حينها قبل يوم من لقاء قادة الإمارات وقطر والبحرين وعُمان والأردن ومصر في العاصمة الإماراتية.