د. ياسين سعيد نعمان
في اليمن..
تعبت الحرب،
تعب الناس،
ولم يتعب الأوغاد..
أضرموا نار الحرب واستخلصوا من الكارثة ثروات مشبوهة، ومن أشلاء الضحايا صنعوا منبراً للترويج للمَلازِم..
أخذت الحرب تتبرأ مما ألحقته بالبلاد من دمار وخراب ونكبة،
راحت تتبرم من الخزي الذي لحق بها،
ولم يرف لهم جفن..
جعلوا منها مطية للنهب والتنكيل بالشعب؛
باتت تتخفى خجلاً من عذابات المقهورين في مخيمات الترحيل واللجوء والإيواء، والمبحرين إلى شواطئ النسيان واللاعودة..
بصقت في وجه من أشعلها..
هدمت قبر من خطط وهيأ لها، صبت عليه لعناتها،
فتشت في ثنايا لحده لتعاقب رفاته بالجلد على إهانتها بتدمير بلد وصفه الله بأنه آية.. “لقد كان لسبأ في مسكنهم آية، جنتان”،
لم تكن هنالك غير عظام يعلوها وشم أسود، وبقايا أحرف مَلْزَمَةٍ منقوشة في جمجمة غطاها طين لازب..
رمت قفازها في وجه المنتفعين من خرابها..
سخرت من تفاهتهم، ومما ألحقوه بها من إهانة،
لم تُهَنْ الحروب مثلما أُهينت في اليمن،
الحرب المُهانة أشد الحروب بشاعة وتنكيلا..
صرختْ: شاهت الوجوه، لستم أهلاً للحرب، “فما الحرب إلا ما علمتم وذقتمُ / وما هو عنها بالحديث المرجم”!
حاولتْ مراراً أن تمد يداً غير معبأة بالبارود لتربت على الجوعى والمتعبين والمقهورين.. أرادت أن تعبر عن أصالة الحروب حينما يكون وراءها هدف سام!!
لكن مضرميها، قليلي الأصل، أصروا على أن تبقى مهانة مثلما أرادوها أن تكون!!
سألت مستغربةً: من يثري في زمن الحرب سوى أمثالكم ممن جعل مني مطية لقهر المتعبين والتنكيل بالبؤساء، وامتصاص دمهم؛
سئمت نذالة وقبح من رقص على جثامين ضحاياها،
أعلنت في كبرياء: أنا الحرب التي لا يشرفني أن أنتميَ إلى هذيانكم، أو أن أصبح جزءاً من حماقتكم؛
ليس لي من هذه الحرب التي أشعلتموها سوى الاسم.. أما فعلكم فقد لطخ سمعة الحرب.. وكفى!!
لملمت ركامها لتغادر.. كانت تدرك أن جراحها ستبقى تملأ الأرض والقلوب..
قررت أن تلقي رمادها من على شاهق ليستقر في باطن أرض شققتها دانات المدافع.. أملاً في أن تنبت وردة!!
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك