كريتر نت – متابعات
تصطدم طموحات التحول الأخضر بإصرار كبير من قبل منظمة أوبك وربما حلفائها في تحالف أوبك+ وحتى منتجي النفط الصخري أيضا، على المضي قدما في توسيع المشاريع الاستثمارية لمواجهة الطلب المتنامي الذي لن تعوضه مصادر الطاقة النظيفة قريبا.
واتجهت أنظار صناعة الطاقة العالمية إلى مصر التي تحتضن فعاليات مؤتمر دولي للطاقة الذي يأتي مع عام جديد في ظروف أكثر قسوة في ظل تداعيات الحرب في أوكرانيا، والتي تتطلب رؤية منطقية بين مسح البصمة الكربونية وتأمين الطلب المتنامي.
ويمر الاقتصاد العالمي بأسوأ أزمة اقتصادية جراء الأزمة في شرق أوروبا والتي تسببت في صعود أسعار النفط والغاز والمشتقات البترولية إلى مستويات قياسية ومعه زاد معدل التضخم وتضاعفت تكاليف الشحن.
وحث أكبر مسؤول في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في كلمة له خلال افتتاح معرض ومؤتمر مصر الدولى للبترول (إيجبس 2023) بالقاهرة الجديدة الأحد الدول والشركات على استثمار المزيد في صناعة النفط لتلبية احتياجات الطاقة المستقبلية في العالم.
وقال هيثم الغيص الأمين العام للمنظمة للطاقة إنه “من الضروري أن تتوقف جميع الأطراف المشاركة في مفاوضات المناخ الجارية للحظة”، مؤكدا أن سياسات المناخ يجب أن تكون أكثر “توازنا وإنصافا”.
ويدرك الغيص، وهو أول مسؤول خليجي وتحديدا من الكويت يتولى أعلى هرم المنظمة، صعوبة التحدي الذي تخوضه أوبك حاليا، فالأمر سينطوي على صعوبات شديدة إذا لم يكن هناك استيعاب لأهمية الاستثمار.
وأوضح أن أوبك مازالت ملتزمة بدعم استقرار الأسواق العالمية للنفط، ولكن يجب “العمل من أجل انتقال الطاقة بشكل منظم وشامل ويساعد على ضمان أمن الطاقة للجميع”.
وتأتي التصريحات وسط تحول بين بعض الحكومات والشركات الغربية في ما يتعلق بالوقود الأحفوري، فيما تدخل ارتفاعات الأسعار والتكاليف عامها الثاني في ظل حرب أرهقت الاقتصاد العالمي وجعلته مليئا بالكآبة.
وارتفعت أسعار النفط والغاز الطبيعي والفحم بشكل جنوني ولا يطاق بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا قبل نحو عام، ما دفع بأمن الطاقة إلى صدارة جدول أعمال العديد من القادة خاصة من التأثيرات المعيشية على المستهلكين في العديد من دول العالم.
وخرج الرئيس الأميركي جو بايدن عن النص خلال خطابه عن حالة الاتحاد الأسبوع الماضي. وقال “سنحتاج إلى النفط لعقد آخر على الأقل”. وهذا الكلام يعطي إشارة لمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة على مواصلة استثماراتهم مهما كانت التكاليف والنتائج.
وفي أوروبا لم يكن الأمر مختلفا، فقد أشار المسؤولون في عملاق النفط شل إلى أن الشركة ستتوقف عن تسريع الإنفاق على الطاقة المتجددة، في حين أبطأت شركة بريتش بتروليوم (بي.بي) تخفيضها المخطط لإنتاج النفط والغاز.
وقال الغيص إن صناعة النفط “ابتليت بعدة سنوات من نقص مزمن في الاستثمار”. وأشار إلى أنها تحتاج إلى استثمارات بقيمة 500 مليار دولار سنويا حتى عام 2045.
واعتبر الأمين العام لأوبك والذي تولى منصبه في أغسطس الماضي أن “استضافة الإمارات لقمة المناخ (كوب 28) في أواخر هذا العام ستكون بمثابة فرصة جديدة لاستكشاف حلول شاملة ومستدامة وقائمة على الإجماع لتغير المناخ”.
وعينت الإمارات، وهي أيضا عضو بارز في أوبك، سلطان الجابر رئيس شركة النفط والغاز الوطنية أدنوك، رئيسا للقمة.
وبينما تسبب ذلك في بعض الجدل، قال الجابر في وقت سابق إن “منتجي الهيدروكربونات يجب أن يكونوا في طليعة مفاوضات المناخ إذا كان العالم يريد التحول إلى طاقة أنظف مع ضمان بقاء أسعار الوقود في متناول الجميع”.
وتعتبر السعودية أن أزمة الطاقة الراهنة ناتجة إلى حد بعيد عن تراجع الاستثمارات في الهيدروكربونات، وهو موقف يشاطره فيه بقية أعضاء تحالف أوبك+ وفي مقدمتهم الإمارات والعراق وروسيا.
وقال أمين الناصر، الذي يرأس أرامكو أكبر شركة للنفط في العالم، قبل أسابيع إن “من بين الأسباب الجذرية للأزمة هو استمرار نقص الاستثمارات في قطاع الهيدروكربونات في الوقت الذي لا تزال فيه بدائل الوقود الأحفوري غير متاحة بسهولة”.
وأضاف “الصراع في أوكرانيا أدى بالتأكيد إلى تفاقم آثار أزمة الطاقة، لكنه ليس السبب الجذري لها”. ومضى قائلا “للأسف، حتى لو توقف الصراع اليوم كما نتمنى جميعا، فإن الأزمة لن تنتهي”.
وأشار إلى أنه في ظل هذه المستويات يحتاج الحفاظ على الإنتاج إلى كثير من رأس المال، بينما تتطلب عمليات زيادة الإنتاج المزيد.
وتعد السعودية ودولة الإمارات من بين الأعضاء القلائل في منظمة أوبك التي لديها مخازن كبيرة لإنتاج النفط. وتنفق كل منها المليارات من الدولارات لزيادة طاقتها الإنتاجية بشكل أكبر، ومع ذلك ستستغرق المشاريع بضع سنوات على الأقل حتى تكتمل.
300 مليار استثمارات الوقود الأحفوري في 2021 بعدما كانت عند 700 مليار دولار في 2014
وبينما تضخ أرامكو استثمارات لزيادة الطاقة الإنتاجية للبلد الخليجي الثري إلى 13 مليون برميل يوميا بحلول عام 2027، إلا أن الناصر حذر من أن الاستثمارات العالمية في صناعة النفط والغاز لا تزال “قليلة للغاية ومتأخرة جدا وقصيرة الأمد جدا”.
ويأتي نقص الاستثمارات بينما يتراجع فائض الطاقة الإنتاجية ولا يزال الطلب قويا إلى حد ما خاصة مع عودة فتح الاقتصاد الصيني، وأيضا تزايد تعدد سكان كوكب الأرض، رغم الرياح الاقتصادية العالمية المعاكسة.
ومما يثير القلق أن بعض الدراسات والمؤشرات الصادرة عن مراكز صنع القرار بشأن الطاقة أظهرت أن حقول النفط حول العالم تتراجع في المتوسط بنحو 6 في المئة سنويا وأكثر من 20 في المئة في البعض من الحقول القديمة.
وتشير التقديرات إلى أن استثمارات النفط والغاز انحسرت من 700 مليار دولار عندما تفجرت أزمة طاقة مشابهة في العام 2014 إلى 300 مليار دولار في العام 2021، خاصة وأن الزيادات هذا العام قليلة جدا ومتأخرة للغاية.
وأواخر يناير الماضي أظهر مسح أجرته بلومبرغ أن.إي.أف للأبحاث أن حكومات العالم والشركات أنفقت العام الماضي مبالغ في مشاريع استبدال الوقود الأحفوري توازي ما تم إنفاقه على إنتاج النفط والغاز لتتخطى للمرة الأولى حاجز تريليون دولار.
ووفقا لتقرير “اتجاهات الاستثمار للتحول إلى الطاقة المتجددة 2023″، فقد بلغت الاستثمارات العالمية للتحوّل إلى الطاقة البديلة نحو 1.1 تريليون دولار، أي ما يعادل تقريبا المبلغ المستثمر في إنتاج الوقود الأحفوري.