كريتر نت – متابعات
تشهد معدلات الإنتاج والتشغيل في العديد من المصانع المصرية أزمة طاحنة مع تجدد تكدس البضائع في معظم موانئ البلاد، نتيجة استمرار شح الدولار وعدم قدرة البنوك على تلبية تغطية متطلبات الشركات من العملات الصعبة للوفاء بمستلزمات الإنتاج من الخارج.
وكشفت شكاوى منظمات الأعمال والقطاع الخاص في مصر أخيرا عدم قدرتها على مواصلة نشاط التصنيع جراء المشاكل الكثيرة التي لا تزال قائمة لتخليص السلع من الموانئ.
ويؤكد هذا التذمر أن ثمة صعوبات مالية خانقة تعاني منها البلاد في ظل شح الدولار والعملات الصعبة بشكل عام بالسوق، بجانب التكاليف المرتفعة التي يتم استيراد الخامات بها بسبب غرامات يتكبدها هؤلاء لطول الانتظار في الموانئ.
وبدأ تراكم البضائع في الموانئ منذ اندلاع الأزمة الروسية – الأوكرانية فبراير الماضي، وسط صعوبة في تدبير العملات الأجنبية الحيوية والشح في التدفقات النقدية الوافدة، وبدأ الإفراج عن بعضها لكنها عادت تطل برأسها مجددا.
وتقدم الاتحاد العام لمنتجي الدواجن بطلب رسمي إلى الحكومة لزيادة إفراجات خامات الأعلاف، وأرسل نسخا إلى مجلس الوزراء ومحافظ البنك المركزي ووزير التجارة والصناعة ووزير الزراعة لإيجاد حل عاجل لهذه الأزمة.
وقال الاتحاد في صيغة الطلب التي حصلت “العرب” على نسخة منه “أدى انخفاض الإفراجات الجمركية لخامات الأعلاف (الذرة وبذور فول الصويا) بشكل واضح في الآونة الأخيرة إلى ارتفاع أسعار خامات الأعلاف”.
ووصل سعر طن الذرة إلى 14.5 ألف جنيه (نحو 500 دولار) وسعر طن بذور فول الصويا إلى 29 ألف جنيه (حوالي ألف دولار)، علاوة على التخوف من ندرة الأعلاف الفترة المقبلة وعدم قدرة المربين على إدخال دورات تسمين جديدة.
ومع نهاية ديسمبر الماضي، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي إن “البنوك ستغطي المطلوب بالدولار لصالح الاعتمادات الخاصة بالإفراج عن البضائع في غضون الأسبوعين التاليين للانتهاء من المشكلة”، لكن الواقع العملي أثبت غير ذلك.
وكشفت مصلحة الجمارك أنه تم الإفراج عن بضائع بقيمة 6.8 مليار دولار في ديسمبر الماضي، وسيتم تنفيذ العملية طالما تم توفير النقد الأجنبي، والأولوية في الإفراج للأدوية والمستلزمات الطبية والسلع الغذائية ومتطلبات الإنتاج للسلع الإستراتيجية.
وأشار ثروت الزيني نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن بمصر إلى تعطل الإفراجات الخاصة بخامات الأعلاف بشكل عمّق خسائر المزارع، خاصة الصغيرة التي أغلق معظمها.
ولفت إلى أن إجمالي الخامات المطلوبة شهريا 900 ألف طن تتوزع بين 650 ألف ذرة صفراء و250 ألف فول صويا.
وقال لـ”العرب” إن “الإجراءات المتباطئة خلقت سوقا سوداء للأعلاف، ما تسبب في ارتفاع ثمنها، وزيادة أسعار الدواجن بصورة غير مسبوقة”.
ووجه البنك المركزي البنوك المحلية باستخدام حصيلة الإنتربنك لصالح تمويل عمليات الاستيراد وتدبير العملة للإفراج عن البضائع دون استخدامها في تغطية الحسابات المكشوفة للبنوك.
وآلية الإنتربنك هي سوق داخلية بين البنوك المصرية يشرف عليها البنك المركزي وتوفر للقطاع المصرفي القدرة على تداول سعر الصرف وفقا للعرض والطلب.
وطالب الزيني بضرورة تدخل الحكومة وزيادة كمية الإفراجات لخامات الأعلاف لبث الثقة لدى المربين وتوفير احتياجات السوق من الدواجن وبيض المائدة خلال شهر رمضان المقبل، لأن التوقعات بنيت على زيادة الإنتاج من فراخ التسمين والدجاج أواخر فبراير الحالي.
ولا تزال أزمة شح العملات الأجنبية قائمة في مصر، وبدأ تكدس البضائع في الموانىء يلوح في الأفق مرة ثانية، وهذا لا يشير إلى عودة السوق السوداء للعملات الصعبة مرة أخرى، خاصة مع التحرير الكامل لسعر الصرف.
وبينما لا تزال مصادر تدفق العملة محدودة، يتوقع أن تشهد السوق ارتفاعات جديدة في الأسعار حتى تتضح الرؤية تماما بشأن أوضاع سعر الصرف في البنوك المحلية.
وأوضحت بيانات جهاز الإحصاء أن تضخم أسعار المستهلكين قفز إلى معدل أعلى من المتوقع بلغ 25.8 في المئة، على أساس سنوي في يناير من مستوى 21.3 في المئة في ديسمبر وهو أسرع معدلاته في أكثر من خمس سنوات.
وتراهن السلطات على بيع عدد من الشركات التابعة للدولة لمواجهة الأزمة المعقدة بتفعيل برنامج الطروحات الحكومية الذي يهدف لبيع حصص من 32 شركة لمستثمر إستراتيجي أو طرحها للجمهور في البورصة.
وتشهد الفترة الحالية جولة بدول الخليج تقوم بها وزيرة التخطيط ورئيس صندوق مصر السيادي هالة السعيد للترويج للشركات المصرية المزمع بيعها، إذ التقت الأيام القليلة الماضية مسؤولين في قطر والكويت وسلطنة عمان.
وربما تستمر تلك الأزمة نحو ثلاثة أشهر، وقد يعزز تفعيل طرح الشريحة الأولى من الشركات الحكومية حلها مع التدفقات الداخلة من العملة الأجنبية.
وذكر ياسر زينهم نائب رئيس مجموعة السلام للصناعات الغذائية أنها توقفت عن الإنتاج والتصدير لعدم القدرة على تلبية طلبات الزبائن في الخارج.
ويتم التعاقد على طلبات التصدير بسعر محدد ثم لا تجد الشركة الخامات اللازمة للتصنيع، وحال تم الشراء بأسعار مرتفعة تعدل عقود التصدير التي تم الاتفاق عليها سابقا.
ودعا رجال أعمال مصريون إلى الاعتماد على خامات تصنيع مصرية في القطاع الغذائي، لتلبية احتياجات المصانع، والحد من ارتفاع أسعار السلع التي تسببت فيها الأزمات العالمية مؤخرا، لكنها لم تحظ بتأييد كل المُصنعين والمستثمرين بالقطاع.
ولعب التوسع في الاستثمار بالصناعات المغذية أو المكملة دورا حاسما في مواجهة الضغوط التي تتعرض لها الشركات، ما يدعو إلى أهمية توطين الصناعات الغذائية المرتبطة بمجال الزراعة والغذاء بشكل عام.
وقال زينهم لـ”العرب” إن “تعديل قيمة العقود يتكرر أكثر من مرة لأن سعر الخامات والدولار يتغيران خلال مدة التصنيع، ما أربك خطط المصانع وأدى إلى توقفها عن الإنتاج حتى تستقر أسعار العملة وتوافر الخامات بسعر مستقر”.
ولم يقتصر الأمر على شركة السلام وطال عددا من شركات الأجبان، وشركة الجوهرة التي تعد أول الشركات المحلية المنتجة للشيبسي والشاي في مصر.
ولم تستطع هذه الشركات تلبية رغبات التصدير لعدم القدرة على الحصول على زيت الطعام من شركات الزيوت، حيث تعطلت لعدم وفرة الخامات، وما تحصل عليه تقوم بضخه في السوق أو لصالح وزارة التموين وفق التعليمات التي تلقتها العديد من الشركات.
ويسعى المجلس التصديري للصناعات الغذائية منذ فترة إلى تحول بعض المصانع نحو تصنيع المواد الخام في الأسواق المحلية، والتي تعتمد على نحو 80 في المئة من البلاد، بينما يتم استيراد 20 في المئة من الخامات المتبقية من الخارج.