محمد شعت
رغم الجرائم التي ارتكبتها جماعة الإخوان وإدراجها كجماعة إرهابية في عدة دول، إلا أن الدوحة مازالت متمسكة بعلاقتها بالجماعة والتنظيم الدولي لها، بل وتأوي عناصرها، وتوفر لهم كل مظاهر الحماية، وتسهيل مهامهم الإرهابية في المنطقة، وذلك من خلال ضخ الأموال القطرية السوداء إلى الدول التي مازال الإخوان يحتفظون بوجودهم فيها. وكان الدعم القطري للإخوان وعملياتهم الإرهابية أحد أهم الأسباب التي دفعت الرباعي العربي «مصر والسعودية والإمارات والبحرين» إلى قطع علاقتها مع قطر، ولأن الدوحة تعتمد اعتمادًا وثيقًا على التنظيم الدولي للإخوان واستخدام عناصر الجماعة في عدة دول كأذرع لتنفيذ الأجندة القطرية، تمسكت الدوحة بعلاقتها بالجماعة المصنفة إرهابية في الدول الأربعة، خاصة أن السياسة الخارجية القطرية تعتمد بالأساس على دعم الميليشيات، وتستخدمها كأوراق ضغط.
تجاهل القوانين الدولية
في ظل علاقة زواج قطر والإخوان، تجاهلت الإمارة الأعراف والقوانين الدولية في سبيل حماية عناصر الجماعة الذين تستخدمهم ضد دولهم، وكان من أبرز الوقائع التي حرصت قطر على توفير الحماية لقيادة إخوانية حينما ألقت السلطات الإيطالية القبض على وزير المجالس النيابية في عهد الإخوان محمد محسوب فى مدينة كاتانيا الواقعة جنوب البلاد، وذلك على خلفية طلب السلطات المصرية تسليم الأخير الصادرة بحقه أحكام جنائية.
وفي سبيل ذلك حركت الدوحة أذرعها الإعلامية، وعلى رأسها قناة الجزيرة لحماية «محسوب» ومنع تسليمه للسلطات المصرية؛ حيث طالب مذيع القناة القطرية، كافة المحامين التابعين للتنظيم الإرهابي في أوروبا بالسفر إلى إيطاليا؛ لمنع تسليم القيادي الإخواني محمد محسوب للسلطات المصرية.
وجاء تحرك الإنتربول وقتها على خلفية إدراجه للقيادي الإخواني محمد محسوب وزير الدولة للشؤون القانونية في عهد الإخوان على القائمة الحمراء بتهمة النصب والاحتيال على مستثمر سعودي إبان عهد الإخوان، وخاطبت السلطات المصرية الإنتربول لإدراجه على القائمة الحمراء، الأمر الذي استجابت له الشرطة الدولية.
كشف المستور
على الرغم من العلاقة القديمة بين جماعة الإخوان والدوحة إلا أنها كانت تسير في سرية إلى حد ما، لكن بعد ثورة 25 يناير 2011 تكشفت ملامح هذه العلاقة، وكانت قطر هي أول الأطراف الداعية للظهور والتوغل الإخواني واختطاف السلطة، وقد بدا ذلك من خلال اتصال هاتفي بين «الرئيس المعزول» محمد مرسي الذي كان أحد نواب الجماعة حينها وقناة الجزيرة القطرية الحكومية فور هروبه من السجن خلال أحداث يناير 2011، ومن هنا بدأت تتكشف ملامح العلاقة المشبوهة.
وبعد صعود جماعة الإخوان في ظل أحداث الربيع العربي، سخرت قطر كل إمكاناتها المادية والإعلامية لخدمة التنظيم الدولي الذي كان يسعى لرد الجميل للدوحة، وترسيخ نفوذها في الدول التي صعدوا للحكم فيها، وحاولت قطر وقتها التحكم في علاقة مصر بالدول الخليجية، والعمل على توتير هذه العلاقة، خاصة مع الإمارات والمملكة العربية السعودية، وهو ما دفع يوسف القرضاوي للعودة للقاهرة بعد سنوات من المنع قادمًا من قطر التي يحمل جنسيتها بجانب جنسيته المصرية.
بعد السقوط السريع للجماعة وسط غضب شعبي، حاولت قطر مساندتها للعودة للحكم، وذلك من خلال آلتها الإعلامية التي تجاهلت الإرادة الشعبية في 30 يونيو، إضافة إلى إثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار عن طريق قيام الجماعة وأنصارها بتنفيذ عمليات إرهابية في مصر بدعم قطري، واتهمت السلطات المصرية الدوحة بدعم التنظيم الذي نفذ هجوم الكنيسة البطرسية في القاهرة، كما أعلنت الحكومة المصرية أن قطر متورطة بدعم التنظيمات الإرهابية في سيناء.
وعود كاذبة
على الرغم من تعهد قطر عام 2014 أمام دول مجلس التعاون الخليجي بتغيير سياستها، إلا أنها لم تلتزم بوعودها، وهو ما كشف أن دعم قطر لجماعة الإخوان الإرهابية هو جزء من استراتيجية ثابتة، وسياسة قائمة في إطار دور مرسوم، تقوم به لزعزعة استقرار المنطقة، وتدمير الدول العربية، ونشر الفوضى والتطرف والإرهاب، الأمر الذي أدى إلى عزلة قطر عربيًّا، وأصبح ملف دعم قطر للجماعات الإرهابية مطروحًا دوليًّا. وتمسكت قطر باستمرار قناة «الجزيرة» لتؤدي دورها المشبوه ودعم جماعة «الإخوان» الإرهابية واحتضانهم، ثم احتضان الجماعات الإرهابية على مدى السنوات الثماني الماضية، وتوفير كل أشكال الدعم المادي والإعلامي واللوجستي والتسليحي لها، والتدخل في شؤون دول مجلس التعاون ومحاولات التخريب، وذلك في إطار دور مرسوم تقوم به لزعزعة استقرار المنطقة، وتدمير الدول العربية، ونشر الفوضى والتطرف والإرهاب.
تاريخ مشبوه
كانت قطر هي الوجهة الأولى للهاربين من الإخوان المتورطين في قضايا إرهابية، وتشير تقارير إلى أن هذه العلاقة بدأت بعد حادث المنشية الذي حاولت فيه الجماعة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والذي ترتب عليه ملاحقات أمنية شديدة دفعتهم للهروب، وكانت قطر إحدى الوجهات الرئيسية لهم، بل وجذبت لها عددًا من أبرز الشخصيات في الجماعة، معظمهم من التلاميذ المباشرين لحسن البنا، ساهم هؤلاء في بناء وتأسيس النظام التعليمي في قطر.
وكان من أول المؤسسين لدولة الإخوان في قطر هو يوسف القرضاوي، مفتي الجماعة الإرهابية، وترك مصر في 1961 بعد أن حصل على درجة الدكتوراه من الأزهر في علوم القرآن والسنة، وإجازة تدريس اللغة العربية، الذي ذهب إلى قطر لتأسيس النظام التعليمي هناك، فترأس أول معهد ديني رسمي، وأسس كلية الشريعة في جامعة قطر في السبعينيات، من هنا ارتبطت دولة قطر بالجماعة بروابط ومصالح وثيقة، وجمع بينهما «تاريخ أسود» من العلاقات المشبوهة؛ حيث أصبحت الإمارة الصغيرة جزءًا حقيقيًّا من التنظيم العالمي للجماعة.
كما استخدمت الإمارة التنظيم الدولي كأداة وورقة ضغط تستخدمها الإمارة الصغيرة في إلحاق الضرر بجيرانها سواء في محيطها القريب الخليجي أو محيطها البعيد العربي، وذلك في ظلِّ سعيها الدؤوب إلى أن يكون لها دور إقليمي ودولي مؤثر حتى ولو كان على حساب الأمن القومي العربي والخليجي، لذلك فإن الروابط الوثيقة التي تربط بين قطر وجماعة الإخوان، تكتسب أهمية قصوى لدى حكام الدوحة. وتطورت العلاقة بين قطر والإخوان في التسعينيات؛ حيث قرر تنظيم الإخوان في قطر حل نفسه طواعية عام 1999، وذلك بسبب علاقة أمير قطر السابق حمد بن خليفة مع الإخوان قبل استيلائه على السلطة عام 1995، وقربه من تنظيمهم، ولذلك فعندما تولى السلطة، لم تبقَ حاجة إلى وجود تنظيم الإخوان الصغير في الدوحة، بل أصبح الحاكم الجديد حينها في حاجة إلى أعضائه أو بعضهم في أجهزة السلطة، لذلك لجأ الإخوان إلى حلِّ تنظيمهم بعدما تأكدوا أن هدفهم الأساسي تحقق، وهو التأثير في اتجاهات السلطة وسياساتها.
المصدر : اليوم الثامن