كريتر نت – متابعات
أثار تواصل حملة الايقافات الأمنية لبعض الشخصيات السياسية البارزة وسجن كادر في وزارة الداخلية التونسية، تساؤلات حول ارتباط هذه الملاحقات بقضية شبهة التآمر على أمن الدولة والتخطيط لقلب النظام التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد أم أنها تتعلق بملفات أخرى.
وخلال الأربع العشرين ساعة الماضية تم إيقاف مدير مكتب راشد الغنوشي السابق فوزي كمّون ورئيس نقابة أعوان وكوادر العدلية (العاملون في النيابة العامة) حطاب بن عثمان والنائب السابق ورئيس الجمعية الرياضية مستقبل سليمان وليد الجلاد وسجن المدير العام الأسبق للمصالح المختصة بالداخلية عاطف العمراني.
ويرجح مراقبون أن هذه الإجراءات القضائية التي يتم التكتم عن تفاصيلها وحيثياتها باستثناء التصريحات التي أدلى بها الرئيس سعيد، قد تندرج أيضا في سياق البحث عن معلومات محددة بشأن ملف القضية الكبرى المتعلقة بالاغتيالات السياسية والتسفير إلى بؤر التوتر ودعم الإرهاب والفساد المالي، خصوصا بعد أن أكد أغلب محاميي الشخصيات السياسية في حركة النهضة الإسلامية الذين مثلوا أمام التحقيق أن ملف القضية فارغا من أي أدلة.
ويشير هؤلاء إلى أن إيقاف كمون والقيادي في حركة النهضة الإسلامية ووزير العدل الأسبق نورالدين البحيري وقبله نائب رئيس الحركة وزير الداخلية الاسبق علي العريض في ملف التسفير تأتي من أجل تشديد الخناق على الغنوشي الذي استدعي للتحقيق في العديد من الملفات المتعلقة بالتسفير وتبييض الأموال والتآمر على أمن الدولة وغيرها.
وذكرت إذاعة “موزاييك أف أم” أن إيقاف فوزي كمون يتعلق بمباشرة الأبحاث اللازمة في شأنه بخصوص قضية منشورة ضده منذ أكثر من شهر.
وكان وكيل الجمهورية والناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بالقصرين بتونس صلاح الدين الراشدي، أصدر -في وقت سابق- قرارا بضبط وإحضار بحق شخصين موجودين خارج التراب التونسي، من بينهما نجل راشد الغنوشي، في قضية “تكوين وفاق من أجل تغيير هيئة الدولة والاعتداء على الأمن الداخلي وحمل السكان على مهاجمة بعضهم البعض”.
وقال الراشدي في تصريحات لإذاعة “موازييك” أن من بين المتهمين، معاذ الغنوشي نجل رئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي.
وكانت النيابة العامة أذنت، نهاية شهر أكتوبر الماضي، بالاحتفاظ بأربعة أشخاص، من أجل شبهة توزيع أموال بغرض إثارة الهرج في القصرين.
وكمون من قيادات حركة النهضة الإسلامية خلال ثمانيات القرن الماضي، وبعد “الثورة” شغل مهمة مدير مكتب الأمين العام الأسبق للحزب رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي ثم عضوا بديوانه، كما تقلد مسؤولية نائب رئيس لجنة الإعداد المادي للمؤتمر العاشر للحركة، قبل أن يعينه الغنوشي في 30 نوفمبر 2016 مديرا لمكتبه.
كما أصدر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بأريانة بطاقة إيداع بالسجن في حق عاطف العمراني المدير العام الأسبق للمصالح المختصة بوزارة الداخلية وذلك على ذمة الأبحاث المتعلقة بما عرف اعلاميا “بالغرفة السوداء” بوزارة الداخلية. وفق وسائل إعلام محلية.
و”الغرفة السوداء” بوزارة الداخلية سبق أن تحدثت عنها هيئة الدفاع عن اغتيال المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي الذين تم اغتيالهما في 2013، واحتوت على وثائق تم نقلها من مقر مدرسة تعليم السياقة لصاحبها مصطفى خضر إلى وزارة الداخلية دون محضر حجز ودون علم فرقة الشرطة العدلية ولا قاضي التحقيق المتعهد بالقضية،
ولم يتم الاعتراف الرسمي بوجود هذه الغرفة إلا بعد تنقل قاضي التحقيق في قضية البراهمي إلى وزارة الداخلية وحجزه للصناديق الكرتونية والأكياس التي تتضمن كما هائلا من الوثائق ونقلها لاحقا إلى مقر القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في13 نوفمبر 2018.
وسبق لقاضي التحقيق المتعهد بالملف إصدار بطاقات ايداع بالسجن في حق كوادر أمنية سابقة على غرار محمد الخريجي مدير وحدة مكافحة الارهاب سابقا وبوبكر العبيدي مدير حفظ الوثائق بالإدارة العامة للمصالح المختصة سابقا.
وإلى ذلك، أكدت المحامية، إيناس حراث إيقاف كاتب عام النقابة الوطنية لأعوان وكوادر العدلية، حطاب بن عثمان، أمام محكمة التعقيب بتونس من قبل الأمن، واقتياده إلى جهة غير معلومة.
وأضافت في تدوينة نشرتها عبر صفحتها على فيسبوك أن “فرقة أمنية توجّهت إلى منزله وتولت البحث والتفتيش، دون إعلام زوجته بمكان الاحتفاظ به أو من أجل أي سبب”.
كما أذنت النيابة العامة في تونس مساء الثلاثاء لأعوان الوحدة الوطنية الأولى للبحث في جرائم الارهاب والجرائم الماسّة بسلامة التراب الوطني ببوشوشة ايقاف النائب السابق ورئيس جمعية مستقبل سليمان وليد الجلاد.
وقالت “موزاييك” إن ايقاف الجلاد له علاقة بقضية تحقيقية منشورة ضده لدى قاضي التحقيق بالقطب القضائي المالي.
وأكد المحامي رضا بلحاج عضو في لجنة الدفاع عن وليد الجلاد في تصريحات لوسائل إعلام محلية أنه تم استنطاقه من منتصف ليل الثلاثاء إلى الساعة العاشرة من صباح الأربعاء بحضوره ومحاميه الثاني مبروك كورشيد.
وأشار إلى أن الأبحاث تمحورت حول مواقفه من السلطة ومواقفه السياسية وحول التسيير الرياضي و طرق تمويله لمنزله، مشددا على عدم صدور أي مذكرة إيداع بالسجن في حق منوبة، وتم الاحتفاظ به لمواصلة البحث وتمكينه من تقديم مؤيدات حول المواضيع التي تم استجوابه حولها.
ومنذ السبت، اعتقلت الشرطة عددا من الشخصيات البارزة في المشهد التونسي، بمن في ذلك سياسيون مقربون من حركة النهضة ورجل أعمال نافذ ومدير إذاعة موزاييك إف.إم واسعة الانتشار.
وكان نشطاء تونسيون توقعوا أن تكر سبحة الإيقافات التي حصلت السبت وطالت رجل أعمال مؤثر، وقيادات تابعة ومحسوبة على حركة النهضة الإسلامية، المزيد من الإيقافات خلال الأيام المقبلة.
وأكد الرئيس التونسي سعيّد أثناء لقائه عددا من القيادات الأمنية بمقر وزارة الداخلية في العاصمة تونس أن الشخصيات والقيادات السياسية التي تم إيقافها “إرهابية ولا بد من محاسبتها”، متهما إياها بـ”التآمر على أمن الدولة”.
وصرح الرئيس التونسي في وقت سابق بأن عددا من الموقوفين مؤخرا “يقفون وراء الأزمات المتصلة بتوزيع السلع وبالترفيع في الأسعار”.
وتعاني تونس خلال الأشهر الماضية من فقدان للمواد الأساسية، ويتهم الرئيس سعيّد أطرافا دون أن يسميها بالوقوف خلف هذا الأمر، بهدف تأجيج الأوضاع.