رشا عمار
صحفية مصرية
أثارت المباحثات الأخيرة بين مصر وقطر، العديد من التساؤلات حول ملف تسليم قيادات الإخوان الهاربين في الدوحة منذ عام 2013، المطلوبين لدى جهات التحقيق المصرية، لكنّ خبراء تحدثوا مع “حفريات”، إلى جانب مصدر مصري مطلع على المباحثات، أجمعوا أنّها لم تتطرق إلى هذا الملف، الذي يبدو أنه مؤجل، بشكل مؤقت، فيما تصدرت موضوعات أخرى أجندة الحوار.
وناقشت مصر وقطر بداية الشهر الجاري، علاقات التعاون الأمني خلال زيارة وزير الداخلية المصري اللواء محمود توفيق، إلى الدوحة في إطار الإجراءات التنسيقية لبدء صفحة جديدة من العلاقات التي تأزمت إلى حد كبير بعد عام 2013، إثر سقوط جماعة الإخوان في مصر، ومن ثم تلقيها دعماً كبيراً من الدوحة.
اللقاء أعقبه اجتماع آخر عقدته لجنة التشاور السياسي بين البلدين، الأسبوع الماضي في القاهرة، ناقش آخر المستجدات على الساحتين؛ العربية والدولية، وعدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، لا سيما القضية الفلسطينية، فيما أكد الجانبان خلال الاجتماع أهمية تعزيز الجهود المشتركة لتحقيق الازدهار والتنمية للتغلب على التحديات التي تواجه المنطقة العربية، وفق ما نقلته وسائل إعلام مصرية.
هل تناولت اللقاءات الأخيرة ملف الإخوان؟
أكد مصدر مصري مطلع، في تصريح خاص لـ”حفريات”، أنّ المباحثات الجارية بين البلدين لم تتطرق إلى ملف تسليم قيادات جماعة الإخوان المطلوبين لدى الدوحة، مشيراً إلى أنّ التشاور حول هذا الملف قد يكون مؤجلاً في الوقت الراهن، في حين تتصدر قضايا أخرى أولوية الاهتمام لدى القاهرة والدوحة.
وبحسب المصدر، تركز المباحثات في الوقت الراهن على “تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بشكل كبير، فيما تستهدف أيضاً إذابة الجليد بين البلدين للعودة إلى مساحة التعاون المشترك، باعتبارهما دولتين عربيتين لديهما العديد من الأولويات المشتركة”.
ويصف المصدر المباحثات التي تجري بين الدولتين، بأنها “تسير بمنحى تدريجي نحو الأفضل، وتركز في الوقت الراهن على الأولويات المشتركة كخطوة أولى نحو تفاهمات أكثر، ربما يعقبها تطرق للقضايا الأخرى مثل ملف الإخوان في المستقبل”.
هل تتخلى القاهرة عن الملف؟
يرى الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب منير أديب أنّ بلاده ستتمسك بملف تسليم قيادات تنظيم الإخوان المطلوبين لدى الجهات القضائية سواء المتواجدين في قطر أو تركيا، سواء المتواجدين على أراضيها أو الذين تدعمهم الدوحة بصورة أو بأخرى.
وفي تصريح لـ”حفريات” يقول أديب، قطر قدمت دعماً كبيراً لقيادات تنظيم الإخوان بما فيهم المطلوبون لدى جهات التحقيق بمصر والمتهمون بقضايا إرهاب سواء من خلال الإيواء والاحتضان وتقديم الدعم المادي، أو عن طريق دعم بعض المؤسسات التي يعمل بها هؤلاء سواء المؤسسات الإعلامية أو المدنية وكذلك المراكز البحثية المختلفة التابعة للتنظيم وبعضها جمعيات خيرية.
ويعتقد أديب أنّ مسألة تخلي القاهرة عن هذا الملف أمر غير وارد، مؤكداً أنّ بلاده ستطالب قطر بتسليم المطلوبين لديها عاجلاً أم آجلاً، للمثول أمام جهات التحقيق وتنفيذ العقوبات الموقعة عليهم.
ما طبيعة التفاهمات الأمنية الراهنة بين البلدين؟
يقول الباحث المصري المختص بشؤون الإسلام السياسي والحركات الإرهابية، أحمد سلطان، إنّ الملف الأمني والاستخباري واحد من الملفات الحيوية في ضوء التفاهمات التي تجري في الوقت الراهن بين القاهرة والدوحة، وهذا الملف خضع لمباحثات سابقة، وبالتأكيد هو جزء من أي تفاهمات مشتركة بين البلدين.
وفي تصريح لـ”حفريات” يوضح سلطان أنّ الدوحة قد أبدت تحولاً في موقفها بشأن دعم تنظيم الإخوان، بهدف تعزيز التعاون بين البلدين، تمثل هذا التحول في تخفيف الدعم المقدم من جانب الدوحة للتنظيم إلى حد كبير خلال الفترة الماضية.
ويشير سلطان إلى أنّ قطر حاولت منذ أعوام إبعاد قيادات الإخوان من البلاد، وقد حدث ذلك بالفعل على مدار الأعوام الماضية، ومن تبقوا داخل البلاد هم قليلون من قيادات الصف الثاني بالتنظيم وبعض قيادات الصف الثالث، وجميعهم يخضعون لمراقبة وتدقيق في جميع ما يتعلق بالشأن المصري.
هل تلتزم قطر بتسليم الإخوان؟
لا يتوقع أديب أن تلتزم الدوحة بتسليم المطلوبين من عناصر تنظيم الإخوان الذي تضعه القاهرة على قوائم الإرهاب، وربما ستلجأ إلى المراوغة والمماطلة للهروب من الطلب المصري في هذا الصدد.
وبحسب أديب، ربما تضع السلطات في الدوحة العديد من العقبات أمام المطالب المصرية بتسليم المطلوبين على أراضيها، وربما أكثر ما تفعله الدوحة هو مطالبة عدد من عناصر التنظيم بمغادرة أراضيها لتجنب أمر تسليمهم إلى مصر، وإذا حدث وسلمت الدوحة أياً من عناصر الإخوان سيكون على نطاق محدود للغاية.
وينوّه أديب إلى أنّ الدوحة ليس من السهل أن تتخلى عن هؤلاء الذين يمثلون أداة لمشروعها الهادف لتنفيذ أجندات معلومة بمصر ومنطقة الشرق الأوسط بوجه عام، لذلك سيكون أقصى تصرّف من جانب الدوحة متمثلاً في وقف الدعم عن بعض المؤسسات بشكل جزئي، إضافة إلى تسليم عدد محدود جداً من المطلوبين.
ويتفق سلطان مع هذا الرأي بأنّ قطر لن تسلم قيادات تنظيم الإخوان المتواجدين على أراضيها للقاهرة.
ويرى سلطان أنّ الدوحة ربما لجأت لإبعاد قيادات التنظيم لعدم الاضطرار إلى تسليمهم للقاهرة، وربما أبرز هؤلاء القيادات هو محمود حسين، قائد جبهة إسطنبول، والذي أعلن نفسه قائماً بأعمال المرشد قبل عدة أسابيع.
وبحسب سلطان، أدركت الدوحة وأنقرة والعديد من الدول الأخرى الراعية لتنظيم الإخوان عدم وجود أي جدوى من احتضان ودعم تنظيم الإخوان خاصة بعد فشله في تحقيق أي أهداف تتعلق بمشاريع تلك الدول خلال الفترة الماضية، وتفاقم الأزمات التي يمر بها على المستوى التنظيمي، لذلك تراجعت عن دعمه.
يذكر أنّ العلاقات بين مصر وقطر تأزمت بشكل كبير عقب عام 2013، على إثر الدعم الذي قدمته الدوحة لعناصر جماعة الإخوان التي تضعها القاهرة على قوائم الإرهاب، إضافة إلى العديد من الملفات الخلافية الأخرى.
وشهد مطلع عام 2021، تطوراً إيجابياً في العلاقات بين البلدين أعقب المصالحة بين دول الرباعي العربي (مصر والإمارات والسعودية والبحرين) من جهة وقطر من جهة ثانية، وذلك أثناء انعقاد قمة العلا في الرياض، تبعتها لقاءات مشتركة بين البلدين على مستوى وزيري الخارجية ورئيسي الحكومة، كما زار الرئيس المصري الدوحة خلال الاحتفال بافتتاح كأس العالم في أيلول (سبتمبر) الماضي.
ويتوقع أن يزيد حجم التعاون بين البلدين خلال الفترة المقبلة بعد فترة من الجمود، خاصة فيما يتعلق بمجالات التعاون الاقتصادي، لكن يبقى الملف الأمني، أحد أهم الملفات التي تحتاج رؤية مشتركة خاصة فيما يتعلق بمدى جدية التحول في الموقف القطري اتجاه تنظيم الإخوان، والذي تعتبره القاهرة أمراً محورياً.
المصدر حفريات