كريتر نت – متابعات
يراهن الأردن على دور أميركي ضاغط لمنع التصعيد في الأراضي الفلسطينية واستئناف عملية السلام المتوقفة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وفقا لحل الدولتين. ويؤكد محللون أنه يتعين على الولايات المتحدة والأردن التعاون لتشكيل تحالف جديد يضم الجهات الدولية الفاعلة التي تهتم بالقضية الإسرائيلية – الفلسطينية، وملتزمة بالعمل لمنع حدوث تصعيد وتعزيز تحقيق السلام.
ويمثل التصعيد الإسرائيلي في القدس ضغوطا على صانع القرار السياسي الأردني الذي باشر حملة دبلوماسية لتهدئة التوتر الأمني في الضفة الغربية، إذ تراهن عمّان على دور أميركي فيها، إلا أن فشل الضغوط الدبلوماسية قد لا يترك للمملكة الهاشمية خيارات كثيرة سوى التأهب لانتفاضة فلسطينية ثالثة.
ويقول المحلل الإسرائيلي نمرود جورين إنه في أعقاب تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فقد أعرب الأردن علانية عن مخاوف وتحذيرات. وزار العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني البيت الأبيض في الثاني من شهر فبراير الحالي، بعد أيام من إعراب الولايات المتحدة عن مخاوفها أثناء زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للقدس.
ويضيف جورين رئيس المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية والزميل الأول للشؤون الإسرائيلية في معهد الشرق الأوسط الأميركي، أن حكومة نتنياهو تولت السلطة بعد سنوات قليلة شهدت فيها العلاقات الإسرائيلية – الأردنية تحسنا.
واعترفت حكومتا يائير لابيد ونفتالي بينيت بالأهمية الإستراتيجية للأردن، ونجحتا في استعادة الثقة وعلاقات العمل الجيدة مع الملك، ووسعتا نطاق التعاون بين الدولتين.
وكان ذلك تناقضا صارخا مع الافتقار السابق للاتصال بين الملك ونتنياهو، مما أدى إلى أن يعلن الملك في عام 2019 أن علاقات الأردن مع إسرائيل في أدنى مستوياتها .
وكان فقدان ثقة الأردن في نتنياهو ناجما عن عدة تجارب سلبية تتراوح بين المحاولة الإسرائيلية لاغتيال خالد مشعل قائد الجناح السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 1997 في الأردن (أثناء فترة حكم نتنياهو الأولى)، واحتضان نتنياهو العلني عام 2017 لحارس الأمن الإسرائيلي الذي ارتكب حادث إطلاق النار في السفارة الإسرائيلية في عمان والذي أودى بحياة اثنين من الأردنيين.
ويرى جورين أن قلق الأردن إزاء حكومة نتنياهو لا يتعلق برئيس الوزراء فقط، وإنما يتعلق بالتشكيلة اليمينية المتطرفة للحكومة، وحقيقة أنها تضم أعضاء بارزين يعتقدون أن “الأردن هو فلسطين” ويسعون لتغيير وضع القدس من خلال تصرفات استفزازية.
كما يشعر الأردن بالقلق إزاء احتمال التصعيد الإسرائيلي -الفلسطيني، حيث أنه الدولة الأكثر تأثرا، سواء للأفضل أو الأسوأ، بنتيجة التطورات في هذه العلاقات. وكما مهدت اتفاقات أوسلو الطريق في عام 1993 لتوقيع الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل
في العام التالي، تؤدي التوترات بين إسرائيل والفلسطينيين مرارا وتكرارا إلى إثارة مظاهرات ومعارضة عامة في الأردن والذي يعتبرها تهديدا للاستقرار.
ويؤكد جورين أن القضية الفلسطينية بالنسبة إلى الأردن ليست مجرد قضية دبلوماسية، ولكنها أيضا قضية أمنية مهمة.
وطوال الأعوام الماضية، أدى ذلك إلى جهود متعددة من جانب الأردن لدفع العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية إلى اتجاه أفضل. فالملك حسين الراحل هو الذي ساعد في محاولة الوساطة الأميركية بين نتنياهو والراحل ياسر عرفات عام 1998 في قمة واي بلانتيشن، كما أن الملك عبدالله هو الذي حشد المعارضة الدولية لخطة نتنياهو لضم أجزاء من الضفة الغربية عام 2020 وقاد الجهود في عام 2022 لمنع حدوث تصعيد في القدس أثناء شهر رمضان.
كما أن الأردن جزء مع مصر وفرنسا وألمانيا في مجموعة ميونخ، وهو تجمع غير رسمي تم تشكيله في مطلع عام 2022 للحفاظ على فكرة حل الدولتين في مواجهة خطة الرئيس الأميركي في ذلك الوقت دونالد ترامب.
ومع عودة نتنياهو إلى السلطة، ورغم مخاوف الأردن العميقة ومعاناته السابقة معه، فقد اختار التواصل. فقد هنأ الملك عبدالله نتنياهو لدى فوزه في الانتخابات، واستضافه في عمان في يناير الماضي (وكانت تلك أول زيارة خارجية لنتنياهو منذ توليه منصبه).
القضية الفلسطينية بالنسبة إلى الأردن ليست مجرد قضية دبلوماسية، ولكنها أيضا قضية أمنية مهمة
وعمليا أبقى الأردن على علاقاته الثنائية مع إسرائيل في مسارها. وحتى الحادث الذي شابه التوتر قرب المسجد الأقصى الشهر الماضي بين السفير الأردني وحارس أمني إسرائيلي لم يغير هذا الاتجاه.
وتستعيد الأوساط السياسية والدبلوماسية في الأردن مع عودة نتنياهو إلى الحكم أحداثا سلبية من عهده السابق، سواء أحداث البوابات الإلكترونية في المسجد الأقصى أو حادثة السفارة في عمان، وهي أزمات من الماضي لا تستبعد عمان أن تتجدد، لاسيما أن نتنياهو محاط بمجموعة من اليمينيين المتشددين.
وتناقلت تقارير غربية نقلا عن دبلوماسيين أن العاهل الأردني قلق من عودة العمل على صفقة القرن التي اقترحها ترامب رفقة نتنياهو في وقت سابق. ومن أبرز بنود صفقة القرن نقل الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن مقابل مزايا مالية واقتصادية لعمان.
ويخشى الملك عبدالله الثاني أيضا أن تلحق حكومة نتنياهو الضرر بالوضع الراهن وتعمل على إلغاء الولاية الأردنية في المسجد الأقصى وتسمح لليهود باقتحام المسجد الأقصى والصلاة فيه، الأمر الذي “يلغي الهوية العربية والإسلامية” للمكان.
وأوضح جورين أن التعاون مع إسرائيل يخدم الاحتياجات الاقتصادية والأمنية للأردن، الذي يسعى للحفاظ عليه، طالما لم تتدهور العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية إلى مستوى يدفع الأردن إلى خفض العلاقات مع إسرائيل.
وفي هذا السياق، وهو منع تدهور العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية، فقد زار الملك عبدالله البيت الأبيض في مطلع الشهر الحالي، وهي الزيارة الثالثة خلال رئاسة جو بايدن.
وجرت الزيارة وسط ارتفاع في حوادث العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وعكست الدور المهم الذي تعلقه الإدارة الأميركية على الأردن لتعزيز الاستقرار الإقليمي، وأوضحت أن هناك اهتماما أميركيا بهذا التعاون.
كما كان اجتماع الملك عبدالله – بايدن كان فرصة للولايات المتحدة لتأكيد التزامها بالحفاظ على الوضع في القدس، وهي قضية يتعين عليها أيضا أن تضغط على الحكومة الإسرائيلية بشأنها، وبوصاية الأردن على الأماكن المقدسة في المدينة.
كما أكدت الولايات المتحدة، في أعقاب اجتماع البيت الأبيض على التزام الدولتين بتعزيز حل الدولتين للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. وفي هذا الصدد، سوف تصبح الزيارة أكثر أهمية إذا أدت إلى خطوات ملموسة تعزز الاستقرار، والسلام، والتعاون الإقليمي.
ويرى جورين أنه يتعيّن على الولايات المتحدة والأردن التعاون لتشكيل تحالف جديد يضم الجهات الفاعلة الدولية التي تهتم بالقضية الإسرائيلية – الفلسطينية، وملتزمة بالعمل لمنع حدوث تصعيد وتعزيز تحقيق السلام.
ولم تكن رباعية الشرق الأوسط، التي تضم الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة فعالة طوال أعوام. وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا لم تعد تعقد أي اجتماعات. وهناك حاجة لآلية دولية جديدة، حتى لو كانت بصورة غير رسمية في بادئ الأمر.
ويختتم جورين بالقول إن بوسع الولايات المتحدة مساعدة إسرائيل والأردن على تشكيل آلية لإدارة الأزمة تمكن الدولتين من التعامل مع تداعيات أي تصعيد إسرائيلي – فلسطيني والحيلولة دون انهيار العلاقات الثنائية.
ولكي تبدأ هذه الجهود، ولكي تستطيع الإدارة الأميركية متابعة ما انتهى إليه اجتماع الملك عبدالله وبايدن الأخير بفعالية، يتعين على مجلس الشيوخ سرعة الموافقة على تعيين يائيل لامبارت سفيرة لدى الأردن، والتي كان بايدن قد أعلن تعيينها في هذا المنصب مؤخرا.
ويقدر المتابعون للعلاقات الإسرائيلية – الأردنية أنه لن يكون هناك أي ضرر للعلاقات الأمنية بين الدول، فالعلاقات بين الأجهزة الأمنية قوية ولا يترتب على تكليف وزير أو آخر إضرار بالعلاقة، لكن في النهاية مفتاح العلاقة في يد الملك عبدالله الثاني، فهو الذي بإمكانه منح نتنياهو فرصة أخرى بعد الأزمات الحادة بينهما على مر السنين.
والعقبة الأخرى التي يمكن أن تتحدى العلاقات بين المملكة وتل أبيب هي الفلسطينيين الذين لن يقفوا مكتوفي الأيدي، ومن المرجح أن يضغطوا على الدول العربية، وعلى رأسها الأردن، لتجميد علاقاتها مع إسرائيل وجعلها تدرك أنها تدفع ثمن إقامة حكومة فيها عناصر مرتبطة باليمين المتطرف.