باسم فضل الشعبي
يصادف 21 فبراير العام 2023 مرور عام على اعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي “لوغانسك” و”دونيتسك” الشعبيتين، بعد ثمان سنوات من تقرير مصيرهما في أعقاب الانقلاب غير الشرعي في كييف العام 2014..
ومن يقول بأن روسيا كانت سببا في استقلال هاتين الدولتين إما أن يكون كاذباً أو متحاملاً لا يفقه في السياسة شيئا، لأن استقلال الدولتين المذكورتين التي تسكنها أغلبية روسية تم بمحض الإرادة، وبناء على تطلعات شعبية مكفولة ومشروعة، حيث تعرضت الدولتان منذ تقرير مصيرهما لقصف عسكري أوكراني مستمر، استهدف عددا من المدن فيهما على مدى ثمان سنوات، وهو الأمر الذي دفع بروسيا للتدخل واتخاذ قرار إطلاق العملية العسكرية الخاصة، خصوصاً بعد ظهور معلومات حول استعداد “كييف” لشن هجوم واسع ضد الجمهوريتين المستقلتين، ويصادف على مرور التدخل الروسي عام كامل بحلول 24 فبراير 2023.
لقد كان للعملية العسكرية الروسية أهداف عديدة أبرزها حماية السكان الروس في جمهوريتي “لوهانسك” و”ودنيتسك”، وضمان عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف “الناتو”، ويمكن القول إن العملية العسكرية حققت أهدافها حتى الآن، وما تزال مستمرة وستظل حتى تحقيق الأهداف الخاصة بنزع السلاح الأوكراني، وضمان عدم المساس بالأمن القومي الروسي من قبل حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
لقد وجدت روسيا نفسها كما يتضح تواجه تهديداً أمنياً ووجودياً من قبل أمريكا والغرب عبر أوكرانيا، التي استُخدِمت استخداما سلبيا وسيئا في معركة هي تدرك أنها ليست معركتها،ولا يمكن أن تنتصر فيها رغم الدعم المالي والعسكري المهول الذي يقدم لها منذ بدء الحرب قبل عام، سواء أكان من أمريكا أو من دول أوروبا والغرب أصحاب المصلحة السياسية في استهداف روسيا وإضعافها وتهديدها وجوديا واستراتيجيا.
إن انضمام أوكرانيا لحلف “الناتو” يعني أن أراضيها وبحارها ستصبح مسرحا لقواعد عسكرية تابعة لدول الحلف يمكّن الحلف من التدخل وشن حرب عسكرية كبيرة على روسيا من الأراضي الأوكرانية، وهذا المخطط هو ما أرادت روسيا أن تحبطه في مهده، من خلال العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، والتي أصبحت اليوم معركة كل الأحرار في العالم الذين يرفضون الهيمنة الأمريكية المطلقة، التي أضرت – كما يرى مراقبون – بالأمن والسلم العالميين.
وطوال الفترة الماضية من عمر الحرب دعت روسيا باستمرار إلى إجراء مباحثات ومفاوضات سلام، لكن نظام كييف النازي رفض ويرفض ذلك، لأنه يستمد قراراته وأوامره من الغرب، وليس له قرار مستقل، كما تكشف التطورات والاحداث.
إن ضم الأربع المناطق في استفتاء سبتمبر الماضي وهي ( زاباروجيا وخيرسون ولوغانسك ودنيتسك) كان طواعية ورغبة من سكان تلك المناطق التي أصبحت أجزاءً من أراضي روسيا.
وما يجعل الكثير من الدول والشعوب في المعمورة تقف إلى جانب روسيا في معركتها المصيرية، هو انكشاف التورط الأمريكي وبعض الدول الغربية وحلف شمال الأطلسي في الصراع بشكل مباشر لا يقبل الجدل، فهم من يزود أوكرانيا بالمدافع والصواريخ بعيدة المدى، كما يجهزون في الوقت الحالي لتصدير الأسلحة الثقيلة والهجومية، حيث يستخدم حلف الناتو النظام الأوكراني كمنصة حرب ضد روسيا، لها أبعاد ومخاطر على روسيا وعلى العالم.
ومن اللائق القول إن روسيا في معركتها المصيرية تدافع اليوم عن العالم من أجل التعددية القطبية، وليس الأحادية التي تهيمن عليها أمريكا والتي غابت في ظلها العدالة وانتشرت في كنفها الحروب والمآسي وضروب الاستعباد.
لسنا مع الحروب، لأن إرادة الله مع السلام والوئام وخير البشرية والإنسانية، لكن من حق الدول المستهدفة أن تدافع عن نفسها بكل الوسائل، فالدفاع عن النفس حق مشروع تقره النواميس الإلهية، كيف لا والأمر متعلق بروسيا الدولة العظمى التي يدعم تقدمها وصعودها الأحرار والمستضعفين حول العالم، لتحقيق التوازن في موازين القوى العالمية، وخلق عالم جديد تسوده العدالة والحرية، وفرملة الهيمنة القطبية الأحادية التي باتت مصدر خوف وقلق لدول وشعوب العالم. فمن هنا يبقى من حق روسيا أن تدافع عن نفسها بالطريقة التي تراها مناسبة من أجل البقاء والتقدم والاستمرار.
أما بخصوص الأزمة الغذائية العالمية، فليس لها علاقة بالعمليات العسكرية الروسية، فالحالة الراهنة ترتبط بعدد من العوامل، بما في ذلك جائحة “كوفيد 19″، وسوء الإدارة في الاقتصاد الكلي، والسياسات الغذائية للبلدان المتقدمة، لكن وبكل تأكيد فقد أدى فرض العقوبات على روسيا، وخاصة على البنوك الروسية التي تتعامل مع تصدير الحبوب والمحاصيل الزراعية، إلى تدهور الوضع كما يتضح.
لن تتوقف الحرب في أوكرانيا في تصوري إلا بتراجع أمريكا والغرب عن دعم النظام الأوكراني بالمال والسلاح، والضغط عليه للقبول بالسلام والحلول السياسية عبر الحوار، وهذا ما تريده روسيا وتسعى إليه منذ البداية، فروسيا شنت الحرب ليس بهدف تدمير أوكرانيا والشعب الأوكراني الذي يتمتع بكل الخدمات والمصالح في ظل الحرب، على عكس ما يحصل في دول أخرى أثناء الحروب، فروسيا دخلت الحرب من باب المثل القائل “مجبر أخاك لا بطل”، ولها أهداف محددة ذكرناها آنفا، وتريد السلام الذي يضمن أمنها ووجودها كدولة من حقها أن تتطور وتتقدم وتطمح.
باسم فضل الشعبي
رئيس مركز مسارات للاستراتيجية والاعلام