ماهر فرغلي
كاتب مصري
يشير مفهوم حروب الجيل الخامس إلى التحوّل في المنتج التقني والتكنولوجي، بالإضافة إلى التحوّل على مستوى الاستراتيجيّات السياسيَّة والاقتصاديَّة التي تُشكّل الدافع والحافز الأساس في شن الحروب؛ حيث تجعل من التناقضات الموجودة داخل المجتمع محوراً أساسيّاً في وجودها عن طريق احتلال العقول، وهز الثقة في الدولة، وضرب التراث والرموز، وإيجاد جماعات متطرّفة وعصابات منظّمة تعمل بين الاقتصاد والسياسة والاجتماع وتساهم في خلق توترات داخليَّة فيها، وعصابات الجريمة المنظّمة التي تعتمد على القيادة الكاريزميَّة أكثر من اعتمادها على العوامل المؤسسيّة، فضلاً عن اعتمادها على الكيانات الأيديولوجية العابرة للحدود، وهو ما تعانيه بلادنا بشكل لم يسبق له مثيل خلال العشر سنوات الأخيرة.
أنواع الحروب
ينقل كتاب “حروب الجيل الخامس”، لشادي عبد الوهاب، أنَّ أنواع الحروب كثيرة ومتعددة، ومنها حروب العصابات، وحروب الجيل الرابع التي تقوم بتوسيع مجال الصراع لأبعد من ذلك ليضم المجال المادي (البر، البحر، الجو)، والمعلوماتي بما فيها السيبراني.
تقسّم دائرة المعارف الحروب إلى ثلاثة أنواع: الحروب الصلبة، الحروب نصف الصلبة والحروب الناعمة.
والأولى تعني إعمال القوّة العسكريّة لفرض الإرادة وتأمين المصالح.
وأمّا الحرب نصف الصلبة، فهي عبارة عن إعمال قوّة النظام السياسيّ- الأمنيّ للسيطرة على الدولة والسياسة في بلدٍ ما بهدف فرض الإرادة وتأمين المصالح.
ويكون الهدف في هذا النوع من الحروب احتلال الدولة والمجال السياسيّ. حيث يُعتمد في الحرب نصف الصلبة على استخدام النظام الاستخباراتيّ- الأمنيّ واختراق الدول بحيث تكون أساليبها مركّبة (صلبة – ناعمة).
وأخيراً، الحرب الناعمة وهي عبارة عن إعمال إرادة ومصالح نظام السلطة من دون اللجوء إلى الصراع؛ بل من خلال احتلال الأفكار والنماذج السلوكيّة لكافّة الجهات في بلدٍ ما في مختلف المجالات الاجتماعيّة.
ويتمّ فيها احتلال مختلف الساحات الاجتماعيّة، الثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة عبر فرض ثقافة، وفكر وسلوكيّات النظام الآخر.
في كتاب حروب الجيل الرابع وتوظيف المرتزقة، من إصدار مركز بيت المقدس للدراسات، أنّ الحروب تختلف من زاوية الدوافع أو معيار الغاية، وسنجد أنها قد تكون على سبيل المثال لا الحصر، الحرب الاقتصادية، وهي حرب من نوع خاص تُستعمل فيها أسلحة الحصار والتضييق على العدو أو المنافس في السوق الدولية، والحرب الاجتماعية، التي تتعلق بصراع بين الطبقات يتخذ أشكالاً متراوحة بين المواجهات السياسية الحادة (الشكل الناعم)، كما قد يتطور إلى شكل عنيف تُستخدم فيه القوة من جهة النظام السائد (الطبقة المسيطرة) لقمع عصيان مدني أو ثورات شعبية أو احتجاجات اجتماعية واسعة، والحرب الدينية الجهادية، والحرب التحررية الثورية، التي تسعى إلى تحقيق أهداف مميزة مرتبطة بتحرير الوطن.
أما من ناحية النوع فهي الحرب التقليدية، التي تعتمد بالأساس على القوة النظامية المتمثلة في الجيوش، والحرب غير التقليدية، التي تعتمد على إخفاء هوية المحاربين.
حروب الجيل الخامس والإسلاموية
ورد في كتاب (حروب الجيل الخامس: أساليب التفجير من الداخل) أنّ هناك تطوراً في الحروب، حتى أصبح منها الحرب بالإكراه؛ أي إنّ على العدو قبول الحرب رغماً عن إرادته مثل (الحرب على الإرهاب، سواء كانت التنظيمات محلية أو متعددة الجنسيات)، وهي ما يطلق عليه حروب الجيل الخامس، وهي التي تشمل: الحرب المعلوماتية والحرب السيبرانية.
تحقق حروب الجيل الخامس زعزعة الاستقرار، وتأخذ صوراً متعددة مثل: “استخدام الضغوط السياسية والاقتصادية والحقوقية والعسكرية لتشكيل حالة من الإرباك وعدم الاستقرار”.
وتستخدم حروب الجيل الخامس قوات غير نظامية من الرجال والنساء والأطفال، في إشارة إلى الغزو الثقافي وتفتيت الدولة الواحدة واستخدام تكتيكات التمرد لإفشال الدولة من أجل فرض واقع جديد.
كما تستخدم القدرات العقلية، أو ما يعرف بالقوة الذكية؛ أي حرب الإعلام والإشاعات، ووسائل الإعلام الجديدة والتقليدية ومنظمات المجتمع المدني والمعارضة والعمليات الاستخبارية والنفوذ وغيرها من الوسائل.
يقول دكتور سمير فرج إنّ الأجيال الجديدة من الحروب، هي حرب يتم فيها احتلال العقل وليس الأرض، لتجد نفسك في ميدان معركة لا تعرف فيها خصمك الحقيقي، حرب يتم فيها السيطرة على العقول لتقوم أنت بتدمير ذاتك، وهذا يتم عن طريق مهاجمة عقل المواطنين والسيطرة عليه، وأن تترك عدوك يحارب نفسه بنفسه، باستخدام وباستثمار الصراعات الفكرية والدينية.
يأتي دور الإشاعات والأكاذيب واستغلال الإعلام الجديد والمنابر العامة ووسائل التواصل الاجتماعي، وتحريض جماعة ضد أخرى بهدف خلق فتنة داخلية من أجل السخرية والاستهزاء بالمبادئ الأخلاقية والقيم الوطنية وتحديها بغرض هدم أي لبنة في الأساس الروحي القوي أو الانسجام الذي يشكل الثقافة الوطنية الفريدة، كذلك هدم الرموز الوطنية والدينية، وتزييف المفاهيم الأساسية للدين، ومفاهيم الهوية، ومواطن القوة.
هنا يتمثل التهديد الرئيسي للتنظيمات الإسلاموية أنها تهدد الدولة الوطنية، بارتباطاتها الخارجية، وقدرة الأعداء على توظيفها استخدامها لإشعال الحروب الداخلية، واستنزافها لقدرات دولها.
كما تكمن خطورتها الرئيسية في إشعالها للحروب الطائفية ما يزعزع الأمن والاستقرار في هذه الدول، ويهدد وجود الدولة الوطنية.
والأخطر هو تلك الأفكار التي تقسم العقل الجمعي للمجتمعات التي تقبع فيها التنظيمات الإسلاموية، حيث ينشأ فيها التطرف، الذي سيعاني منه المجتمع على الدوام.
المصدر حفريات