رشا عمار
صحفية مصرية
يبدو أنّ عودة بعض عناصر المعارضة المصرية في الخارج، في ضوء قرارات العفو الصادرة مؤخراً، منحت بصيصاً من الأمل لقيادات جماعة الإخوان، التي تضعها مصر على قوائم الإرهاب منذ أكثر من (8) أعوام، وتضع غالبية عناصرها على قوائم الترقب والوصول، حيث سارعت بعض القيادات بطلب العودة إلى مصر.
وفي حين عبّرت القاهرة مراراً عن موقفها الرسمي الرافض تماماً للمصالحة مع عناصر التنظيم الإرهابي، وتمسّكها بإجراء محاكمات عادلة لجميع المتورطين بدعم الإرهاب، إلا أنّ قيادات التنظيم الإرهابي لم يتوقفوا عن استجداء العودة على مدار العامين الماضيين، لا سيّما في ضوء طرح القائم بأعمال المرشد الراحل إبراهيم منير إمكانية اعتزال الجماعة للعمل السياسي في مصر نهائياً، مقابل إجراء بعض التفاهمات تشمل إفراجاً عن عدد من المحبوسين.
ويرى مراقبون في مطالب عودة قيادات التنظيم، أسوة ببعض عناصر المعارضة السياسية في الخارج، قدراً كبيراً من المغالطة؛ لأنّ السلطات المصرية تضع معياراً أساسياً في تفاهماتها مع قوى المعارضة، أهمها هو عدم توجيه أيّ اتهامات إرهابية، أو “غير الملطخة أيديهم بالدماء”، وهو شرط لا ينطبق على قيادات التنظيم الهاربين في الخارج والمتهمين جميعاً في قضايا دعم وتمويل وتنفيذ عمليات إرهابية.
آمال إخوانية معلّقة على مصالحة مستحيلة
يرى الباحث المصري المختص بقضايا الأمن الإقليمي محمد فوزي أنّ الترحيب من جانب “جبهة لندن” بعودة ممدوح حمزة على لسان القيادي بالجبهة حلمي الجزار، لم يكن أمراً مستغرباً، ويأتي في إطار محاولات الجبهة المستمرة لمغازلة الدولة المصرية.
وفي تصريح لـ “حفريات” يقول فوزي: إنّ الجماعة تأمل في حدوث انفراجة تضمن تحقيق الحد الأدنى من مطالب الإخوان الراهنة المتمثلة في العودة إلى المشهد المصري بأيّ صيغة، عقب إدراكهم لتوازنات القوى الحالية، لكنّ هذا الموقف لا ينصرف إلى جبهة إسطنبول، وكذا جبهة الكماليين “التي توقف الزمن عندها عند لحظة ما قبل 30 حزيران (يونيو) 2013”.
ويبدو أنّ مساعي الإخوان لمغازلة الدولة المصرية تقوم من جانب على نهج براغماتي دأبت الجماعة على تبنّيه على مدار تاريخها، ومن جانب آخر على عدم قراءة واقعية لخطوة عودة ممدوح حمزة إلى مصر.
لماذا ترفض مصر عودة الإخوان؟
بحسب فوزي، تقوم خطوات الدولة المصرية فيما يتعلق بعودة بعض عناصر المعارضة من الخارج بالأساس على التفرقة بين معارضين سياسيين لم يتورطوا في الدم أو يحرضوا على العنف، وجاءت في إطار الانفتاح الذي تسعى الدولة المصرية لتحقيقه مع كل أبنائها من الأطياف المعارضة المدنية التي لم تنتهج العنف، وهو الانفتاح الذي تجسّد في العديد من الخطوات التي صاحبت إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، مثل تفعيل لجنة العفو الرئاسي، وإطلاق سراح المئات من المحبوسين احتياطياً، والسماح بعودة بعض المعارضين من الخارج.
ويرى فوزي أنّ تنظيم الإخوان، وخاصة جبهة لندن تراهن بشكل كبير على بعض المعارضين المدنيين الذين لم ينخرطوا في العنف، من أجل التوسط بينهم وبين الدولة المصرية، وهو ما عكسته بعض التقارير الإعلامية التي أشارت إلى تواصل الجبهة في الفترات الأخيرة مع المهندس ممدوح حمزة لتحقيق هذا الهدف، وهو نهج براغماتي يعبّر عن إدراك الجماعة لحالة الهزيمة التي مُنيت بها.
لكنّ هذه الفرضية تبقى مستبعدة، بحسب الباحث المصري، في ضوء ثوابت الدولة المصرية في هذا الملف؛ إذ إنّ الدولة تفتح يديها لمن لم يتورط في العنف أو الإرهاب، وعلى قاعدة الاعتراف بدستور 2014 وثورة 30 حزيران (يونيو)، فضلاً عن أنّ تنظيم الإخوان نفسه مهترئ في الفترة الراهنة، ومنقسم إلى عدة تنظيمات، وهي حالة يصعب معها تبنّيه لأيّ مبادرات سياسية أو انخراطه فيها حتى في الظروف الطبيعية.
لا مكان لقيادات الإرهاب بمصر
اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري السابق، عضو مجلس الشيوخ، أكد من جانبه أنّ أيّ دعوات لعناصر من (الإخوان) بالعودة إلى مصر “مرفوضة سياسياً وشعبياً”.
وأوضح في تصريح لصحيفة “الشرق الأوسط” أنّ ظهور مثل هذه التلميحات والدعوات الصريحة من قبل بعض عناصر التنظيم هي محاولة لتفادي الانقسامات المتفاقمة منذ أشهر على القيادة.
وأكد المقرحي أنّ الدولة المصرية لا تلتفت إلى أيّ دعوات من (الإخوان) ولا تردّ عليها، لأنّها دولة، و(الإخوان) تنظيم إرهابي، على حدّ قوله، لافتاً إلى أنّ أغلب عناصر التنظيم في الخارج متهمون في قضايا عنف وإرهاب وتحريض، وطلب بعضهم العودة إلى مصر مجرد مغازلة للدول الغربية، يروجون من خلالها بأنّهم يريدون العودة إلى بلدهم، لكسب تعاطف هذه الدول.
الإخوان ليسوا معارضة
وترفض الدولة المصرية بشكل عام التعامل مع جماعة الإخوان باعتبارها حزباً أو كياناً سياسياً معارضاً، ولطالما أوضحت المغالطات بهذا الصدد، معتبرة على لسان عدد من المسؤولين والخبراء أنّ الجماعة تمّ تصنيفها على قوائم الإرهاب وفق حكم قضائي، ومارست العشرات من عمليات العنف التي استهدفت مؤسسات الدولية المصرية، وكذلك الشخصيات العامة في أعقاب سقوط جماعة الإخوان عن الحكم في عام 2013.
وكان حلمي الجزار القيادي في الجماعة، الذي يتنقل ما بين بريطانيا وتركيا، قد قال عبر “تويتر” إنّه “يرجو أن تسهم عودة ممدوح حمزة في تحقيق آمال من وصفهم بالمهاجرين في العودة إلى وطنهم، وطالب القيادي الآخر بالجماعة قطب العربي المقيم في تركيا السلطات بالسماح لهم ولكلّ عناصر الإخوان بالعودة التي وصفها بالكريمة إلى بلدهم”.
وكان السياسي المعارض ممدوح حمزة قد عاد إلى القاهرة مساء الأحد الماضي، عائداً من لبنان بعد فترة غياب استمرت لـ (3) أعوام، وقد رحّب به مسؤولون أمنيون في مطار القاهرة، وأخبروه بأنّ مصر ترحب به وبأبنائها المخلصين وتحتاج لجهودهم، بحسب “العربية”.
وقال حمزة في مقطع فيديو صوّره في قاعة كبار الزوار، ونشره على حسابه عبر “فيسبوك”: إنّه كان يتوقع القبض عليه فور وصوله، خاصة عندما وجد رجلاً ينتظره عند باب الطائرة ويطلب منه التحرك معه، ولكنّه وجد نفسه مع مستقبليه في صالة كبار الزوار ويلقى استقبالاً جيداً.
وتعرّض حمزة لاتهامات بالتحريض ونشر أخبار كاذبة وإثارة الرأي العام، ومن المقرر أن يحاكم السبت المقبل في القضية المتهم فيها بالتحريض ضد الدولة.
واتهمت النيابة العامة ممدوح حمزة بالتحريض واستخدام القوة والعنف والتهديد الذي من شأنه الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع ومصالحه وأمنه للخطر.
المصدر حفريات