كريتر نت – متابعات
جاء فوز شخصيات دينية متشددة في الانتخابات الإسرائيلية ليضاعف القيود على المتحوّلين جنسيا، حيث صار أفراد هذا المجتمع يرون أن التوفيق بين انتمائهم الجندري والديني أمر صعب يقيّده الحاخامات الذين يمنعونهم من دخول الكنيس قبل الاستظهار بوثيقة تثبت هويتهم.
ورغم أن حقوق المثليين والمثليات ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسيا في إسرائيل من بين الأكثر تقدما في منطقة الشرق الأوسط، يعيش المتحوّلون جنسيا في البلاد تحديات كبيرة، حيث يقولون إنهم يواجهون العديد من الضغوط للتوفيق بين تدينهم وتوجهاتهم الجندرية.
ولم تتردد يائيل راشلين، وهي امرأة يهودية متحولة جنسيا وملتزمة دينيا، في نزع غطاء رأسها قبل بضعة أشهر، مخالِفة أحد أبرز المحظورات على النساء المتزوجات في اليهودية، رغبةً منها في التمايز عن اليهود المتشددين الذين “لا يريدوننا”، على ما تقول.
وتشرح يائيل المرتبطة حاليا بعلاقة مع امرأة، وهي أم لخمسة أولاد، بينهم ثلاثة من زواج أول عندما كانت تعتبر نفسها رجلا، سبب خطوتها، فتقول “لم أعد قادرة على الصلاة للإله نفسه الذي يصلّي له مَن يحاولون اليوم تدمير مجتمعي (مجتمع الميم) وتدمير حياتنا”.
رفض التيارات اليهودية المتشددة في إسرائيل لكل أشكال المثلية الجنسية لم يبدأ بالتراجع إلا خلال العقد الفائت
وكانت النقطة التي جعلت الكيل يطفح نتيجة الانتخابات الأخيرة التي أدت إلى فوز شخصيات دينية ويمينية متطرفة معروفة بمواقفها المناهضة لمجتمع الميم بمقاعد في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي.
إلا أن هادار راشلين (30 عاما)، زوجة يائيل، تقول إن “ثمن التوفيق بين الانتماء إلى مجتمع الميم وإلى فئة اليهود المتشددين في آن واحد بات باهظا جدا”، حتى قبل الانتخابات. وتتذكر يائيل ردود الفعل العدائية عندما كانت وشريكة حياتها تسيران في الشارع وهما تغطيان رأسيهما وتمسك إحداهما يد الأخرى.
وتقول يائيل “لزوجين متدينَين الحقّ في أن يشبكا يديهما في الشارع، لكن لا يحق للمرأة التي تغطي رأسها أن تمسك يد امرأة أخرى، لأن ذلك يثير التساؤلات والنظرات والتعليقات المهينة وغير اللائقة”.
ومع أن القوانين الإسرائيلية توفر الحماية لحقوق المثليين وثنائيي الجنس والمتحولين جنسيا، فإن رفض التيارات اليهودية المتشددة التي تشكّل غالبية بين المتدينين في إسرائيل لكل أشكال المثلية الجنسية، لم يبدأ بالتراجع إلا خلال العقد الفائت. ولا يزال موضوع التحوّل الجنسي من المحظورات بدرجة كبيرة.
أما التياران الدينيان غير المتشددَين، وهما الليبرالي والمُحافِظ (ماسورتي) اللذان يدعوان إلى المساواة بين الجنسين ويُظهران انفتاحا تجاه مجتمع الميم، فلا يزالان يشكّلان إلى حدّ بعيد أقلية.
محنة كبيرة
وتؤكد يائيل وهادار اللتان تزوجتا قبل بضع سنوات وفق مراسم لا تعترف بها الحاخامية المتشددة، أنهما لم تُدخلا أي تعديل على الطقوس الدينية المتشددة التي تتمسكان بها، لكنهما ما عادتا ترغبان في الانتماء إلى هذا التيار.
وتلاحظ يائيل (43 عاماً)، وهي منهمكة مع شريكة حياتها في ترتيب شقتهما الصغيرة في ضواحي القدس قبل بضع ساعات من بدء السبت، وهو يوم الراحة الأسبوعية اليهودية، أن “سلطات الصف الأول الحاخامية تخشى الاعتراف علنا بالمتحولين جنسيا، وبأن هذا الأمر ليس مرضا نفسيا ولا بدعة”.
ورفض الاعتراف هذا يدفع الكثير من المتحولين جنسيا من اليهود المتشددين إلى الانتحار، على ما تؤكد مهندسة الكمبيوتر التي تشير إلى أنها خسرت أكثر من عشر صديقات في السنوات الأخيرة.
وتفيد دراسة أجرتها وزارة الصحة الإسرائيلية ونُشرت في نهاية عام 2020 بأن 40 في المئة من المتحولين جنسياً الذين شملهم الاستطلاع حاولوا الانتحار. وتتوقع مديرة منظمة “معفاريم” التي تُعنى بمساعدة المتحولين جنسيا روتم سوريك أن تكون هذه الأرقام أعلى لدى فئة المتدينين.
وترى أن لدى المنتمين إلى هذه الفئة “محنة أكبر، إذ لا يواجهون رفض عائلاتهم فحسب، بل كذلك مجتمعهم، وهم تالياً أكثر عرضة للخطر”. وتشير إلى أن الكتمان الذي يلفّ هذا الموضوع يحول دون توافُر إحصاءات دقيقة عنه.
ويسبّب هذا الوضع قلقاً للحاخام بيني لاو الداعي إلى انفتاح التيار اليهودي المتشدّد على العالم. ويتولى لاو منذ سنوات توفير المساعدة لرجال ونساء مثليين ومتدينين.
رؤى متضاربة
ويرى الحاخام أن “أهم ميتزفه” (أو وصية) في الهالاخاه (أو الشريعة اليهودية) “هي حماية الحياة”. ويضيف أن “مساعدة شخص ما على إعلان توجهه الجنسي هي ميزة، وليست انتهاكا” للدين.
ويروي كيف وافق على طلب امرأة متحولة جنسيا أن يزوّدها بإفادة مكتوبة بأنها أنثى حتى يتم قبولها في قسم النساء في الكنيس الذي يشرف عليه، إذ يُفصل الرجال والنساء كما في كل دور العبادة التابعة لليهود المتشددين.
ويرى أن تعاطي بعض الحاخامات بعنف مع موضوع التحوّل الجنسي هو من تجليات حرب جزء من الفئات المتدينة ضد الحداثة ولا ينبع من الهالاخاه “التي يمكن إعطاؤها تفسيرات عدة وتتضمن الكثير من التعليلات”.
ويشرح أن “التوراة لا تحظر صراحة سوى العلاقات الجنسية بين الرجال، لكن اليهود الأكثر تشددا يرون، استطرادا، أن تغيير الجنس هو ضد التوراة وضد إرادة الله”. إلا أن هذه الرؤية الليبرالية التي ينادي بها لاو تتعارض مع مواقف بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية من اليهود الملتزمين دينيا الذين فازوا أخيرا في الانتخابات.
ويجاهر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وزعيم حزب “نوعم” النائب آفي ماعوز الذي عُيّن في مكتب رئيس الوزراء، بمواقف مناهضة بشدة لمجتمع الميم. وتقول شاني أرمون، وهي امرأة متحولة جنسيا ومن اليهود المتشددين “لا أعتقد أن أي قوانين ضد مجتمع الميم ستُسَنّ فورا، لكني قلقة في شأن العمل اليومي للحكومة أكثر مما أنا قلقة بالنسبة إلى القوانين”.
وتقول مهندسة الكمبيوتر البالغة 29 عاماً إنها تخشى خصوصا “خفض موازنات مراكز مساعدة” مجتمع الميم. أما يائيل راشلين التي تحمل الجنسيتين الفرنسية والإسرائيلية، فلا تستبعد أن تغادر إسرائيل “إذا أصبح الوضع لا يُطاق فعلاً”.