أحمد االصراف
ذكرت في تغريدة، وفي أكثر من مقال، أن تدريس الأخلاق في المدرسة والجامعة والبيت يجب أن يساوي في الأهمية تدريس الدين أو أكثر!
الأغلبية، كالعادة، فهمت غير ما قصدت، وبين هؤلاء من نحترم، ولا أدري ما جدوى أداء كل العبادات، من دون أخلاق؟ كما نراه في تصرفات الأغلبية من شعوبنا، التي لا ترى ما تتضمنه تصرفاتها من أخطاء واعتداء على حقوق الآخرين!
أكرر ما سبق أن توصّل إليه الفلاسفة من أن العاقل يفضّل العيش في مجتمع غير متدين، ويتسم بقدر كبير من الالتزام الخلقي، على العيش في بلد متدين جداً، حسب الفهم السائد، لكنه يفتقد الأخلاق! والأمثلة أمامنا بالأطنان، وما تكالُب مواطني دولنا المتدينة للوصول إلى سواحل دول الفجار الكفار الكبار، إلا لعلمهم بأنهم أفضل أخلاقاً، وأكثر عدالة.. منا!
الأخلاق فرع من فروع الفلسفة التي تتعامل مع مبادئ الصواب والخطأ، فهي علم يهتم بمعايير السلوك التي يجب على الناس الالتزام بها من أجل التعايش بعضهم مع بعض ومع الغير بأمان. كما أن موضوع الأخلاق معقد ودائم التطور، وسبق أن تطرّق إليه فلاسفة ومفكرون منذ القدم، وصلبوه بحثاً. وما الحضور الطاغي، في الثقافة البشرية، لأسماء فلاسفة كبار، أمثال أرسطو وأفلاطون وسقراط وابن رشد والفارابي وجان جاك روسو وديكارت وشوبنهاور وإريك فروم وبيرتراند راسل، وغيرهم، إلا لولع هؤلاء واهتمامهم بموضوع الأخلاق.
تتعلق الأخلاق في جوهرها باتخاذ قرارات تتماشى مع ما يعتبر صواباً أو خطأً، وبفهم عواقب أفعالنا والتأكد من أننا نتصرف بطريقة تتفق مع قيمنا. كما أن للأخلاق علاقة بالوعي، وبتأثير قراراتنا على الآخرين، والتأكد من أننا لا نتسبب في الإضرار بهم، وبالتالي لا يقتصر فهمها أو تدريسها على عمر أو مرحلة دراسية معينة، بل تصاحب الإنسان منذ مولده وحتى مماته.
كما أن مجموعة القيم والمبادئ الأخلاقية، واتخاذ القرار بشأنها، هي مكونات أساسية لأي فرد أو شركة أو منظمة ناجحة.
قامت الحكومة اليابانية بتكثيف تدريس الأخلاق في عام 2018 بصورة إلزامية، بعد أن كانت لسنوات طويلة اختيارية، وأصبحت المادة بأهمية الرياضيات والمواد المهمة الأخرى نفسها، ويمكن أن تتسبب في رسوب الطالب، بخلاف ما سيكون لها من تأثير في معدله العام وفي مستقبله الوظيفي تالياً.
ما فعلناه في مدارسنا هو العكس تماماً، حيث قمنا بزيادة الجرعة الدينية في المقررات، وجعلناها حتى أكثر أهمية من المواد العلمية، ونتج عن ذلك تشدد غريب في المجتمع، صاحبه فلتان أخلاقي، كان آخر مظاهره تورّط مدرس الدين ومؤذن المسجد في عمليات لا أخلاقية على الرغم من وظيفتهما الدينية، ووصل الأمر إلى تقديم العلاج الديني للمدمنين على المخدرات، بدلاً من الأساليب العلمية المعتمدة، والتدخل في قضايا العفو عن المساجين، وإعطاء الأولية لمن لديه ملكة حفظ النصوص الدينية، وقد يكون شخصاً سيئاً، على من لا يمتلك ذاكرة جيدة، لكنه أفضل خلقاً.
إن الأخلاق مسألة مرتبطة بالضمير الإنساني الحي، الذي لا ينتظر أجراً أو ثواباً، ولا يتبع النظام خوفاً من عقاب. لذا نلاحظ أن الدول التي تقوم بتدريس الأخلاق بمختلف المرحل تنعدم فيها تقريباً تصرفات لا أخلاقية كثيرة، مثل السرقات الصغيرة في العمل، وارتكاب مخالفات المرور، والتغيّب بغير عذر، وعدم احترام المواعيد. كما تبيّن أن تدريس التربية الأخلاقية يؤدي دوراً مهماً في مساعدة التلامذة على تحقيق حياة أفضل لهم، إضافة إلى تأمين تنمية مستدامة للمجتمع والدولة. لذلك يجب أن تشكّل المادة جوهر التعليم المدرسي.
نقلاً عن “القبس”