وضاح الجليل
أثارت حادثة انتحار أحد المعاقين في محافظة إب اليمنية بسبب حرمانه من راتب والده التقاعدي، قضية استيلاء الحوثيين على رواتب المتقاعدين ولفتت الأنظار إلى ممارساتهم في المؤسسات التأمينية، وتجيير خدماتها لصالح عناصرهم، وذلك بعد أن كشفت العديد من الوثائق والمعلومات عن نهب أرصدة تلك المؤسسات في البنوك، ومصادرة أموال المتقاعدين.
فلم يجد عادل الحداد طريقة لإنصاف نفسه من استيلاء الانقلابيين الحوثيين على مستحقاته من هيئة التأمينات والمعاشات إلا الانتحار حرقاً. وعقب أيام من فشل آخر محاولة للحصول على مستحقاته حاول الحصول على أجوره عن عمله في حراسة أرض تابعة لشخصية اجتماعية موالية للحوثيين، لكنه فشل أيضاً، فأغلق باب الحمام على نفسه وأشعل فيها النار. وينتمي الحداد إلى حي الراكزة في مدينة إب (193 كلم جنوب العاصمة صنعاء)، ويعاني من إعاقة حركية، وقد آل راتب والده التقاعدي إليه بعد وفاة والديه؛ لكن فائز عبد الله مصلح الذي عينته الميليشيات مديراً لفرع هيئة التأمينات والمعاشات في محافظة إب أسقط اسمه من كشوفات استحقاق الرواتب، بزعم عدم استحقاقه.
وأضافت المصادر أن الميليشيات أشرفت بنفسها على دفن الحداد الذي توفي في المستشفى الذي أُسعف إليه. واختطفت الميليشيات جثة الحداد من مستشفى وسط مدينة إب، ووضعتها في ثلاجة مستشفى مدينة جبلة، مانعة تسرب تفاصيل الواقعة إلى الرأي العام، وطلبت من عائلته التكتم حول تفاصيلها، وتبرير الانتحار بخلاف أسري، قبل أن تعمل على إنهاء الأمر بدفنه في مقبرة الجمري بحضور قيادات من الميليشيات وبحراسة مشددة. ووفقاً للمصادر في محافظة إب؛ فإن مصلح يحصل على مكافأة تزيد على 50 ألف ريال يمني (الدولار يساوي 560 ريالاً)، مقابل اختلاق الحجج والأعذار لإسقاط أسماء المستحقين للرواتب التقاعدية عبر الهيئة، وذلك ضمن سلوك الحوثيين المتبع منذ سنوات في الاستيلاء على رواتب المتقاعدين والمستفيدين من التأمينات.
وتقدر المصادر حصول مصلح على أكثر من مليون و700 ألف ريال مؤخراً بوصفها مكافآت مقابل إسقاط أسماء المستحقين؛ مشيرة إلى لجوئه لافتعال مشاجرات ومشكلات مع المستحقين، وتلفيق التهم بحقهم إلى درجة تخوينهم واتهامهم بموالاة الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها، وهي التهمة التي درجت الميليشيات على استخدامها في التنكيل بالمعارضين والناشطين ومناهضي الفساد. وذكرت مصادر أخرى في الإدارة العامة للهيئة العامة للتأمينات والمعاشات في العاصمة صنعاء أن الميليشيات تعمل منذ فترة ليست بالقصيرة على الاستبدال بأسماء مستحقي الرواتب التقاعدية أسماء ورثة قتلى الميليشيات في الحرب، أو المصابين منهم بإعاقات دائمة.
وأشارت المصادر إلى أن هذه العملية تجري بالتعاون المباشر بين إدارة الهيئة المعينة من طرف الميليشيات الحوثية وعدد من المؤسسات التي أنشأتها الميليشيات، مثل مؤسسة «شهيد» ومؤسسة الجرحى، ومؤسسة الأسرى، ومؤسسة يتيم لضحايا الحرب التي أنشأتها الميليشيات لتبرير نهب الأموال العامة والعقارات، والحصول على تبرعات إجبارية (جبايات) ومصادر متنوعة لإيرادات كافية لمنح امتيازات لقتلاها وجرحاها وأسرهم.
وطبقاً للمصادر، فإن الميليشيات تتخذ ذرائع الاتهام بالخيانة والعمالة للمتقاعدين؛ خصوصاً أولئك النازحين من مناطق سيطرتها، أما ورثة المتقاعدين المتوفين فإنها تبحث عن ذرائع عديدة لحرمانهم من رواتب ذويهم بحجج تطبيق شروط القوانين واللوائح والتذرع بعدم استحقاقهم لها، بينما تجد صعوبة في التحايل على المتقاعدين الأحياء المقيمين في مناطق سيطرتها. وخلال الأعوام الماضية نظمت القيادات الحوثية، التي تسيطر على وزارة الخدمة المدنية والهيئة العامة للتأمينات والمعاشات التي تتبعها، عددا من الفعاليات والأنشطة بالتعاون مع تلك المؤسسة؛ خصوصاً ما يعرف بمؤسسة «شهيد»، حول رعاية أسر قتلى الميليشيات وجرحاها.
وأقرت هذه القيادات أواخر عام 2020 مشروعاً لإحياء ذكرى قتلى الميليشيات، وأطلقت عليه اسم «سنوية الشهيد»، وحددت الأنشطة والفعاليات التي يجري تنظيمها في هذه الذكرى التي تهدف إلى جمع الأموال لتحقيق امتيازات لأسر قتلى الميليشيات. واعترافاً منها بدوره في تجيير خدمات الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات، كرمت ما تُعرف بمؤسسة «شهيد» القيادي الحوثي المنتحل صفة رئيس الهيئة، إبراهيم الحيفي، أكثر من مرة.
إلى جانب ذلك، وبحسب المصادر نفسها؛ تستخدم الميليشيات الرواتب التقاعدية لابتزاز المتقاعدين أو ورثتهم المستحقين للرواتب التقاعدية، بتهديدهم بإسقاط أسمائهم من كشوفات الرواتب أو استبدالهم في حال عدم موالاتها وخدمة أجندتها. وأوضحت المصادر أن الميليشيات تعمل على استقصاء المعلومات عن كل الحالات التقاعدية، ومعرفة عدد أفراد العائلات وأعمارهم، ومن ثم تطلب منها تجنيد أطفالها وشبابها للقتال معها، مقابل عدم إسقاط اسم المستفيد منها من كشوفات الرواتب.
وسبق أن تم الكشف عن استيلاء الميليشيات الحوثية على أكثر من تريليون ريال يمني من أموال المؤسسات التأمينية ورواتب المتقاعدين العام الماضي، بعد أربعة أعوام من اتهامها من قبل جمعية المتقاعدين اليمنيين، بنهب تريليوني ريال يمني، من أموال مودعة في البنك المركزي في صنعاء، باسم الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات.
المصدر الشرق الأوسط